في الوقت الذي سيدخل عتبة مجلس النواب نوابا جدد ما سبق لهم الاشتراك في العملية السياسية فان أعضاء سابقين في مجلس النواب غادروا المجلس رغما عنهم، لأنهم لم يحصلوا على أصوات كافية لدورة انتخابية جديدة. السؤال المطروح هو من سيتمكن من ترشيح رئيس للوزراء كونه الكتلة الأكبر، وكيف...
أعلنت مفوضية الانتخابات النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية، وقد أفرزت الانتخابات فوز كتل سياسية قديمة وأخرى جديدة، كما أفرزت خسارة كتل قديمة وأخرى جديدة. وفي الوقت الذي سيدخل عتبة مجلس النواب نوابا جدد ما سبق لهم الاشتراك في العملية السياسية فان أعضاء سابقين في مجلس النواب غادروا المجلس رغما عنهم، لأنهم لم يحصلوا على أصوات كافية لدورة انتخابية جديدة.
لقد أفرزت الانتخابات البرلمانية المبكرة عن فوز كتل مثل كتلة التيار الصدري، وكتلة دولة القانون، وكتلة الحزب الديمقراطي (حزب بارزاني) وكتلة تقدم (الحلبوسي) وكتلة عزم (الخنجر) مضافا إلى كتل برلمانية جديدة مثل كتلة (امتداد) تمثل مناصري احتجاجات تشرين وعددا من المستقلين.
ووفقا لخريطة الانتخابات التشريعية الجديدة، فان السؤال المطروح هو من سيتمكن من ترشيح رئيس للوزراء كونه الكتلة الأكبر، وكيف؟
بالطبع هناك مسائل سياسية متفق عليها سلفا بين الفرقاء السياسيين، وهي أن (الشيعة) هم غالبية سكان العراق، وللكتل الشيعية أن ترشح عنها رئيسا للوزراء. في مقابل منح (السنة) منصب رئيس مجلس النواب، ومنح (الكرد) منصب رئيس الجمهورية، لأن الحاكم الفعلي في العراق على وفق النظام البرلماني الحالي هو رئيس الوزراء، وهو من يمتلك الصلاحيات الواسعة هذا من جهة.
وإن الكتلة البرلمانية الأكبر، وليس الكتلة الانتخابية الأكبر هي من ترشح رئيس الوزراء، بمعنى أن من يحصد أكثرية الأصوات في الانتخابات ليس بالضرورة هو الكتلة البرلمانية الأكبر، بل لابد من إجراء تحالفات سياسية مع الكتل الأخرى لتتكون كتلة برلمانية أكبر. فعلى سبيل المثال فان حصول التيار الصدري على نحو 73 مقعدا لا يجعل منه الكتلة البرلمانية الأكبر، بل لابد أن يتحالف مع كتل أخرى ليكون هو الكتلة البرلمانية الأكبر.
وعليه، فان هناك عدة احتمالات لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر: وهي:
الأول؛ أن يتحالف كل من التيار الصدري ودولة القانون ومن معهما ليكونا الكتلة البرلمانية الأكبر.
والثاني؛ أن تكون الكتلة البرلمانية الأكبر هو التيار الصدري ومن يتحالف معهم. والثالث؛ قد تكون الكتلة البرلمانية الأكبر هو دولة القانون ومن يتحالف معهم.
فيما يتعلق بالاحتمال الأول، وهو أن تتحالف الكتل الشيعية جميعا أو غالبيتها في كتلة برلمانية كبيرة، وبالتالي، يقدموا مرشحا توافقيا لرئاسة الوزراء هو احتمال قائم، ولكن هو احتمال ضعيف جدا، ولعل من أهم أسباب ضعفه هو العداء المستحكم بين الصدر والمالكي أنفسهما. فمعروف أن الرجلين لا يطيق بعضهما الآخر، رغم أنهما وحزبيهما ينتميان إلى عائلة الصدر الكبيرة. وقد انعكس هذا العداء على أنصارهما إلى حد كبير، وما تشهده المساجلات والنقاشات الحادة في وسائل التواصل الاجتماعي هي دليل على ما يضمره بعضم لبعض. ولكن ما يقوي هذا الاحتمال ويجعله أمرا متوقعا هو دخول القيادة الإيرانية، أو المرجعية الدينية في النجف على الخط، للتوفيق بينهما، بناء على مصلحة الشيعة.
والاحتمال الثاني؛ هو احتمال قائم جدا، وهو مبني على نتائج الانتخابات العددية، فالتيار الصدري الحاصل على غالبية الأصوات بإمكانه أن يتحالف مع غير المالكي من الكتل الشيعية الأخرى، ويُشكل الكتلة البرلمانية الأكبر، ويرشح رئيسا للوزراء عنه. وربما يقوي هذا الاحتمال أن الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية يحبذون مجيء الصدر للحكم لضرب خصومه الشيعة التقليدين مثل المالكي والمجموعات المسلحة التي يصفها الصدر دائما (بالمليشيات) والحشد الشعبي وغيره.
ولكن ما يُضعف هذا الاحتمال أن مزاج أكثرية الكتل والشخصيات الشيعية البرلمانية ليس مع التيار الصدري، لأنهم لا يضمنون أي اتفاق سياسي معهم، ويخشون الانقلاب عليهم في أي لحظة. كما أن مزاج الكتل السنية والكردية لا يمل إلى التيار الصدري لنفس السبب تقريبا ولأسباب أخرى تتعلق بالجناح العسكري للتيار الصدري.
والاحتمال الثالث؛ وهو أن تتولى دولة القانون تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر من دون التيار الصدري، وهو احتمال قائم أيضا، وقد حصل في السابق غير مرة، فدولة القانون والمالكي نفسه يعرف ويستطيع أن يرتب وضعه مع الكتل الشيعية والسنية والكردية، وهم يقبلون بهذا الترتيب رغم أن المالكي لا يفي بكل بنود الاتفاقات مع هذه الكتل أو أنها تطلب ما لا يستطيع المالكي تحقيقه لهم. وما يقوي هذا الاحتمال أن إيران تدعم مثل هذا التحالف بقوة لأنها تعتقد أن المالكي والعامري ومن يتحالف معهما هم أسهل بكثير من الصدر وتياره.
ولكن مما يضعف هذا الاحتمال أن جميع الكتل السياسية لا يمكن لها أن تتجاهل قوة وصلابة التيار الصدري من جهة. وإن التيار الصدري إذا خسر رئاسة الوزراء هذه المرة فان النتائج ستعود عليه سلبا، وسوف لن يحصل في الانتخابات القادمة على مثل هذه الأصوات، بل إن مشروع الإصلاح الذي بشر به زعيم التيار الصدري سيذهب بريقه إلى الأبد. وهو ما يدفع التيار الصدري إلى بذل كل ما لديه من أجل تحقيق وعوده للشعب العراقي في الإصلاح من خلال اختيار رئيس وزراء صدري قح.
اذن منذ أن انتهت المعركة الانتخابية، وكان المنتصر الأول فيها هو التيار الصدري، وللآخرين، سواء كانوا من الفائزين أو من الخاسرين أن يفكروا ألف مرة ومرة بالمشاركة الشعبية الضعيفة في هذه الانتخابات وبنتائجها، حيث إن نحو ما يزيد على 65% من الشعب لم يذهب إلى الانتخابات، وأن نحو 10% من الذين صوتوا قاموا بإبطال أصواتهم.
ومنذ اليوم الذي تلا إعلان نتائج الانتخابات بدأت المعركة البرلمانية، وأطرافها وشخوصها هم أنفسهم، والفارق أن المعركة الأولى كان الناخب هو فيصلها، وأما المعركة الثانية فان السياسة والتفاهمات البينية هي فيصلها. وهي فرصة أخرى لهم جميعا سواء في إظهار وحدتهم ووحدة أنصارهم أم في تحقيق ما يصبو إليه الشارع من خدمات عامة؛ ووظائف؛ وبناء وتنمية، ومجابهة الفساد، وصيانة حقوق الناس.
وبناء على ما تقدم، هل سيكون رئيس الوزراء القادم هو من التيار الصدري "القح"؟ أم سيكون من دولة القانون؟ أم سيكون مستقلا يجري التوافق عليه؟ جواب هذا السؤال مرهون بتحديد من سينتصر في المعركة البرلمانية.
اضف تعليق