تعد الانتخابات المبكرة التي ستجرى بعد عدة أيام أهم مخرجات هذه الاحتجاجات، بغض النظر عن المؤشرات السلبية العديدة التي شابت حركة الاحتجاجات سواء على مستوى التحريض والتوجيه والتوظيف وركوب الموجة وتشتت المطالب واختلاف التوجهات. يراهن العراقيون على هذه الانتخابات في افراز وجوه سياسية مختلفة واداء سياسي جديد...
بعد مرور عامين على احتجاجات تشرين تطرح عدة تساؤلات حول مخرجات هذه الاحتجاجات ومحركاتها ومستقبلها وطريقة التعاطي والتفاعل معها، لا يمكن أحد أن ينكر أن الاحتجاجات بشكل عام ناتج عن تراجع الاداء السياسي والانجازي للقوى السياسية الحاكمة وتصاعد الفساد بأشكاله المختلفة، وهذا سيولد استمرار الفعل الاحتجاجي في العراق طالما بقيت المنظومة السياسية تعمل بهذه الطريقة.
لكن تعد الانتخابات المبكرة التي ستجرى بعد عدة أيام أهم مخرجات هذه الاحتجاجات، بغض النظر عن المؤشرات السلبية العديدة التي شابت حركة الاحتجاجات سواء على مستوى التحريض والتوجيه والتوظيف وركوب الموجة وتشتت المطالب واختلاف التوجهات.
يراهن العراقيون على هذه الانتخابات في افراز وجوه سياسية مختلفة واداء سياسي جديد يتوائم مع التحديات التي يمرون بها، ورغم وجود مخاوف من تراجع نسب المشاركة مما يعني بقاء القوى التقليدية في مواضعها إلا أن حث المرجعية الدينية مؤخرا على المشاركة واختيار الأصلح والأنسب سيكون له أثر إيجابي على عملية التصويت والاختيار، وهذا يؤشر على أن مخرجات هذه الانتخابات قد تشهد تغييرا في النتائج واختلافا في الحسابات السياسية للأطراف المشاركة إلى حد ما، في انتاج فعل سياسي يختلف ولو قليلا عن اخفاقات المرحلة القادمة.
فرضيات تأكيد هذا الاحتمال تتمخض في الاستجابة لبعض المطالب الشعبية، فعلى مستوى مجلس النواب الذي يضم كل أطراف القوى السياسية، تمثلت في تأكيد استقالة الحكومة السابقة ومنح الثقة للحكومة الحالية، تلاها قيام البرلمان بإكمال مستلزمات هذه الانتخابات من تشريع قانون مفوضية انتخابات جديد ومنح الثقة لمجلس مفوضين جديد، ثم تشريع قانون انتخابات يتضمن احتواء المطالب الشعبية ويعبر عن خصوصيات المرحلة الحالية من حيث تغيير النظام الانتخابي واعتماد نظام أعلى الأصوات والدوائر الانتخابية المتعددة، وكذلك تعديل الامر التشريعي رقم ٣٠ لسنة ٢٠٠٥ الخاص بالمحكمة الاتحادية واستكمال نصابها وإعادة تشكيلها لغرض المصادقة على نتائج الانتخابات.
إضافة إلى أن الحكومة الحالية، باعتبارها حكومة انتخابات في الدرجة الأساس، أكثر من كونها حكومة خدمات وانجازات، قد عملت على أداء هذه المهمة (إجراء الانتخابات) دون عوائق من القوى السياسية التقليدية التي مثلت لحظة الانتخابات المبكرة بالنسبة لها، لحظة تحدي قد تقوض وجودها السياسي مستقبلا.
هذه مقدمات مهمة تضع صناع القرار السياسي امام امتحان حقيقي يتمثل في الاستماع لصوت الشارع والاستجابة لمطالبه، لكن هذا لا يعني أن هذا الاحتمال سيكون سائدا، بل الاحتمال الاخر له مكانة تؤكدها التجربة والممارسة والواقع، فالتحزب والمحاصصة والفساد والتخادم في المصالح سيلقي بظلاله على الاداء السياسي، مع استمرار الخلافات والطعون والشكوك بما يعمل على التغذية الاسترجاعية للاحتجاجات بسياقها الموجه والمحدود أو الواسع، خاصة أن معظم القوى السياسية عاجزة عن مغادرة الارتهان للخارج، وإذا كنا مخطئين، عاجزة عن وضع مصدات وكوابح لما يحدث من تدخلات اقليمية ودولية في التفاعل مع الاحتجاجات وتحريكها، واستغلال الظروف العامة في العراق وتوظيفها في استدامة الصراعات السياسية وتحقيق مصالحها من خلال ذلك، بحيث أصبح الفعل الاحتجاجي مركب متخادم أو ضد نوعي للقوى السياسية تتعامل معه وفق ذلك بغض النظر عن المطالب والاستجابة لها وبغض النظر عن نوعية الاحتجاجات وطبيعة المطالب واختلافها، إذ لن يكون هناك تيار احتجاجي بمطالب محددة ودعم محدد وتوجه معين بل سيكون هناك تيارات احتجاجية متعددة وجبهات ضاغطة على الحكومة وعلى الاطراف السياسية، أو بين الاطراف السياسية والحكومية ذاتها.
مع ذلك وضعت احتجاجات تشرين ٢٠١٩، مسارات مهمة للعملية السياسية واقطابها وفاعيليها السياسيين، اذ اصبح المواطن هو الدعامة المفصلية في صدارة المشهد السياسي وليس الاحزاب وقادتها فقط، كما اصبح له دور فاعل في السياسة وليس مغيب ومهمش كما تريد القوى السياسية، لأن الاحتجاجات لم تعد موسمية وأصبحت تستهدف محاور عامة غير محددة بنسق أو مجال معين كما أنها ستكون في الغالب عفوية لا تخضع لمركزية التخطي.
وهذا يضع القوى السياسية بامتحان اشراك المواطن في صناعة القرار، مهما كان ذلك مخالفا لتوجهاتها ومصالحها، خاصة أن المحتجين وضعوا خيارات إزاحة القوى السياسية لا مشاركتهم بصنع القرار، وهذه دلالة ستفتح أبواب مستقبلية لاستمرار الاحتجاجات في العراق مع كل اخفاق او تجاوز على الحقوق العامة والخاصة للمواطن العراقي، وهذا أهم مكسب من مكاسب حركة تشرين الاحتجاجية.
اضف تعليق