الانتخابات اذاً هي التي تضفي الشرعية على البرلمان والحكومات والقرارات. ولا تضع الدول بما فيها العراق ولا القوانين الدولية ولا الامم المتحدة نسبة محددة لاعتبار الانتخابات صحيحة. ذلك ان الادلاء بالصوت حق وليس واجبا. ومن يتخلى عن حقه في ذلك لا يملك صلاحية افشال حق الاخرين...
نسمع الكثير من المطالبات، مثل المطالبة بتشكيل حكومة انقاذ وطني، او ايقاف العمل بالدستور، وغير ذلك. لكن نادرا ما نسأل عن مصدر الشرعية، اي مصدر شرعية القيام بذلك. الحكم يعني تصرف فرد او مجموعة افراد، مثل حكومة الانقاذ الوطني، بالاموال والانفس واتخاذ القرارات التي تؤثر على حياة الناس.
والناس في الاصل مسلطون على اموالهم وانفسهم. وتنازلهم عن هذه السلطنة بحاجة الى مجوز. والمجوز هم الناس انفسهم. وللقيام بذلك، اي تشكيل حكومة انقاذ وطني مثلا، يجب ان نسأل انفسنا: من اين تستمد هذه الحكومة شرعية القيام بممارسة صلاحياتها وتسلطها على الناس وعلى اموالهم وحياتهم؟
في الانظمة الديمقراطية لا يوجد مصدر للشرعية سوى الشعب. وتستمد هذه الشرعية من خلال الانتخابات او الاستفتاء العام.
وبالنسبة لمن يؤمنون بالسيد السيستاني، لابد من تذكيرهم بانه افتى بان الشعب هو مصدر الشرعية. وقال في الكلمة السياسية لصلاة الجمعة ١٥ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٩ ان "الحكومة إنما تستمد شرعيتها ـ في غير النظم الاستبدادية وما ماثلها ـ من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره، وتتمثل إرادة الشعب في نتيجة الاقتراع السري العام إذا أُجري بصورة عادلة ونزيهة."
"الضباط الاحرار" الذين يقومون بانقلابات عسكرية، والاحزاب الايديولوجية او شبه الايديولوجية، لا يؤمنون بضرورة الشرعية، ولا بكون الشعب بالنسبة لهم هو مصدر الشرعية. ولهذا خرجوا علينا بما يسمى "الشرعية الثورية"، ولا اصل لها.
واما المواطنون الذي لا يفهمون هذا فينساقون وراء هذه الدعوى ويقبلون بالخضوع لحكومة غير شرعية، وهذه هي "العبودية الطوعية"، كما سماها الكاتب الفرنسي ايتيان دو لا بويسي (١٥٣٠-١٥٦٣) في كتابه الذي يحمل نفس الاسم والذي الفه على الارجح في ١٥٥٣.
فاذا تعذر الاستفتاء العام للحصول على الشرعية، يمكن اللجوء الى الانتخابات. ويكون تصويت اغلبية الناخبين (وليس اغلبية المواطنين) هو مصدر شرعية القرار. فقد صوت ٥٢٪ من الناخبين لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وعارض الانسحاب ٤٨٪ وقضي الامر على هذا الاساس. في حين فضل اخرون البقاء في بيوتهم ولم يشاركوا في اتخاذ القرار.
الانتخابات اذاً هي التي تضفي الشرعية على البرلمان والحكومات والقرارات. ولا تضع الدول بما فيها العراق ولا القوانين الدولية ولا الامم المتحدة نسبة محددة لاعتبار الانتخابات صحيحة. ذلك ان الادلاء بالصوت حق وليس واجبا. ومن يتخلى عن حقه في ذلك لا يملك صلاحية افشال حق الاخرين. فاذا ذهب عدد محدود من الناس الى صناديق الاقتراع كانت اصواتهم مصدر الشرعية على قلتها.
الشعوب ذات الوعي الديمقراطي تسأل عن الشرعية ومصدرها قبل السؤال عن اي شيء اخر.
اضف تعليق