عند قراءة هذه التحالفات لم نجد تحولات كبيرة في طبيعة هذه التحالفات من حيث الزعامة والقيادة والبرامج والاهداف والوسائل، فقط هنالك تغييرات جزئية في المسميات وبعض وجوه المرشحين، ولهذا يمكن اعتبار معظم هذه التحالفات تقليدية تمثل امتدادا للمراحل السابقة، ولا تعبر عن خصوصيات المرحلة الراهنة التي دفعت...
مع قرب موعد الانتخابات النيابية المبكرة وتصاعد حدة التنافس بين المرشحين والقوائم الانتخابية، تبرز طبيعة خريطة التحالفات السياسية للواجهة من حيث أثرها على مستوى المشاركة الجماهيرية في الانتخابات.
في البداية يمكن القول أن هنالك جاهزية لإجراء هذه الانتخابات بعد أن استكمل مجلس النواب مستلزماته التشريعية من قانون انتخابي ومفوضية انتخابات ومحكمة اتحادية وتخصيص مالي، كما استكملت الحكومة المستلزمات الفنية لإجراء تلك الانتخابات.
القانون الانتخابي الجديد القائم على نظام أعلى الاصوات والمعروف بنظام الصوت الواحد غير المتحول، وتوسيع عدد الدوائر الانتخابية من ١٨ دائرة كبيرة الى ٨٣ دائرة صغيرة، عمل على تشذيب عدد التحالفات السياسية والمرشحين، ففي آخر انتخابات برلمانية عام ٢٠١٨ وصل عدد الكيانات السياسية إلى ٣٠٧ وعدد المرشحين إلى أكثر من ٧٠٠٠ مرشح بسبب طبيعة النظام الانتخابي القائم على التمثيل النسبي ومعادلة سانت ليغو، في حين وصل عدد المرشحين الآن إلى ٣٢٤٣ مرشح و٢٥ تحالف انتخابي بواقع ١٠٧ حزب مشارك، منها ٥٨ حزب ضمن ٢٥ تحالف انتخابي، في عموم الدوائر الانتخابية، وبواقع ٧٨٩ مرشح مستقل تقريبا و٩٥١ امرأة تتنافس على ٨٣ مقعد.
عند قراءة هذه التحالفات لم نجد تحولات كبيرة في طبيعة هذه التحالفات من حيث الزعامة والقيادة والبرامج والاهداف والوسائل، فقط هنالك تغييرات جزئية في المسميات وبعض وجوه المرشحين، ولهذا يمكن اعتبار معظم هذه التحالفات تقليدية تمثل امتدادا للمراحل السابقة، ولا تعبر عن خصوصيات المرحلة الراهنة التي دفعت بالوضع السياسي إلى ضرورة تبكير الانتخابات العامة في العراق، حتى أن تيار الاحتجاجات لم يشترك في هذه الانتخابات، كما أن عدد المرشحين المستقلين على مستوى القوائم الفردية لا يعبر عن الطموح المطلوب، خاصة أن عدد كبير منهم يمثل بشكل غير معلن الأحزاب السياسية التقليدية ليتم تسويقه في قوائم منفصلة على أنهم مرشحين مستقلين، وفي الحقيقة هم تابعين لتلك الأحزاب.
والاخرين لا يمتلكون أدوات الفوز في هذه الانتخابات سوى الرهان على مشاركة تيار المقاطعة في الانتخابات السابقة والتصويت لهم، وحتى مع افتراض ذلك فالواقع السياسي لن يتغير لصالح المستقلين؛ لأن هنالك إحباط جماهيري من هذه الانتخابات بسبب طبيعة هذه التحالفات التي تمثل امتدادا للإخفاق السياسي وتراجع الاداء الإنجازي لصالح المواطن وبقاء المكاسب والمزايا لصالح تلك الاحزاب واتباعها حصرا.
وفقا لذلك لن تكون هنالك مؤشرات قوية على وجود زخم في المشاركة الشعبية في الانتخابات المبكرة، ودعوة وحث مفوضية الانتخابات على المشاركة يؤكد مؤشرات تفوق تيار المقاطعة على تيار المشاركة في الانتخابات، بإعتبار أن مخرجات هذه الانتخابات لن تختلف عن سابقاتها في شيء، سوى تغيير في بعض الوجوه والمسميات، فهنالك ضعف في مصداقية هذه الانتخابات من حيث النتائج ومن حيث المخرجات المرتبطة بتشكيل الحكومة والرئاسات الأخرى.
لكن تدني نسبة المشاركة لن يطعن في الشرعية الدستورية والقانونية لهذه الانتخابات بغض النظر عن نسبة المشاركة، وهنالك آمال منعقدة بارتفاع نسبة المشاركة إذا ما دعت المرجعية الدينية إلى المشاركة في الانتخابات وهذا إلى حد ما مستبعد، كما يعول على زخم انتخابي في المدن المحررة بعد عودة جزء كبير من النازحين والمهاجرين الذين يتوقون إلى المشاركة الانتخابية واختيار الأفضل لممثليهم في البرلمان بعد اخفاق القيادات التقليدية التي كانت تمثلهم سابقا، ومع بقاء المشاركة الكردية ثابتة.
في هذه الانتخابات ستكون عوامل التحايل والتزوير محدودة جدا، بسبب الغاء التصويت في الخارج واشتراط التصويت بالبطاقة البايومترية حصرا للنازحين والمهجرين، لكن تبقى عملية التأثير والضغط على ارادة الناخب قائمة سواء عن طريق المال السياسي او استغلال موارد الدولة والتصويت الخاص، أو حتى مع وجود السلاح خارج سلطة الدولة، وهذا التحدي الاساس في إضعاف مصداقية الانتخابات.
والحقيقة أن القوى السياسية لن تتأثر بضعف المشاركة بل العكس ستضمن بقاءها والاحتفاظ بمقاعدها إلى حد ما، بسبب امتلاكها لقواعد انتخابية ثابتة من الانصار والاتباع والتنظيمات المساعدة التي تعمل لصالحها.
إتساع نسبة المشاركة يعرض هذه القوى إلى تراجع عدد مقاعدها لأن تيار المقاطعة إن شارك لن يكون ضمن الكتلة التصويتية لهذه الأحزاب. لكن السيناريو المتوقع في هذه الانتخابات هو مقاطعة مماثلة للانتخابات السابقة.
هذه التحالفات السياسية لا تختلف كثيرا عن الانتخابات السابقة، إذ سيكون مشهد التنافس الكردي بين طرفين هما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي سيحل اولا، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ثانيا، مع وجود محدود لحركة گوران (التغيير) والجماعة الاسلامية وحراك الجيل الجديد. وسينقسم التنافس السني بين تحالف عزم وتحالف تقدم المتقاربين من حيث الحصول على المقاعد النيابية السنية، في حين يحتدم التنافس الشيعي في أربعة قوائم رئيسة: الكتلة الصدرية التي من المتوقع أن تحصل على أعلى المقاعد، ثم تحالف الفتح ثانيا وبعده تحالف قوى الدولة ثالثا، وتحالف دولة القانون رابعا الذي يقترب كثيرا في توجهاته مع الفتح، مع حصول (تحالف العقد الوطني) على مقاعد مقاربة لمقاعد دولة القانون، ومن المتوقع أن ينفرط عقد هذا التحالف ليكون رئيسه الشيعي فالح الفياض بجانب تحالف الفتح ودولة القانون، أما بقية الأحزاب الداخلة فيه تتشظى حسب توجهاتها الفئوية وخاصة الحزب الإسلامي.
هذه التحالفات التقليدية ستكون هشة وتتفكك بعد تشكيل الحكومة ان لم يكن قبلها، صحيح أن قانون الانتخابات منع الإنتقال من تحالف إلى آخر لكنه لم يمنع النواب من التصويت لصالح الحكومة أو مرشحي الرئاسات الأخرى وفقا لإرادة النائب وليس للتحالف أو رئيسه، وهذا متوقع حدوثه وقد يحدث إرباكا في عملية تشكيل الحكومة ويعيد مشهد التوافقات الاضطرارية التي حصلت في تكليف حكومة الكاظمي مما يجعل حظوظه قائمة في ولاية ثانية أو الاتفاق على شخصية وحكومة مماثلة لا تنتج شيء جديد.
في الواقع أن تقييم أداء الأحزاب السياسية العراقية وكيفية إدارتها للتحولات الكبرى في العراق خلال العقدين الأخيرين يؤشر اخفاقا واضحا تعكسه طبيعة هذه التحالفات التقليدية المشكلة والقوى المحركة للعملية الانتخابية، وتفككها بعد الانتخابات وعدم امتلاكها مقترب وطني يتضمن مراجعة لكيفية تشكيل الحكومات ومدى استقرارها وبيان اسباب حيود الاحزاب عن تطبيق شعاراتها وبرامجها الانتخابية المعلنة ومواقفها تجاه توزيع الثروة والعلاقة بين المركز والاقليم والعلاقات الخارجية والملفات الاقتصادية والخدمية قبل وبعد الانتخابات.
يعاني العراق وفقا لقراءة معمقة لطبيعة هذه التحالفات السياسية إخفاقا في المنظومة الحزبية وعدم قدرتها في مأسسة تحالفاتها والتعاون لمواجهة التحديات في مجالات تشريع القوانين وسن اللوائح والأنظمة، واستيعابها فئات المجتمع المختلفة كالنساء والشباب والاقليات.
وهنا لابد من طرح بدائل محددة وسياسات مقترحة لأصحاب القرار والاحزاب ذاتها، تتركز على إصلاح جوهري للنظام الحزبي وتنظيم طبيعة التحالفات السياسية الحالية وتماسكها كأساس لإصلاح العملية السياسية لاقتراب الأخيرة من الانهيار في حال إستمرار أنماط الإدارة بهذه الطريقة التقليدية المتجاهلة للتحديات والمطالب والعواقب.
أخيرا نقول أن الأنظمة التعددية الناجحة يجب أن تنتشر القوة السياسية فيها بين الجماعات المختلفة وهذا الانتشار أهم عناصر الديمقراطية لأنه يضمن التوصل إلى حلول للمسائل العامة ويجعل العملية السياسية مستمرة في التفاعل والتفاوض وتكوين أشكال عديدة من التحالفات والائتلافات.
لكن هذه الائتلافات والتحالفات بين الجماعات يجب أن لا تتسم بطابع التغيير وعدم الاستقرار نتيجة تغيير مصالح تلك الجماعات أو تغير هذه الجماعات أساسا، وإنما تتغير لأن الأفراد في المجتمعات التعددية عادة ما يحددون مصالحهم وخياراتهم في أكثر من جماعة، وهذا غير حاصل في العراق حاليا لأن الإيديولوجية والقيم والأنماط المقيدة للإرادة المجتمعية لازالت فاعلة ومستحكمة والمصالح الفئوية الحزبية تشكل المقترب الأساس في تشكيل التحالفات السياسية الانتخابية وتفككها.
اضف تعليق