حينما تحقق التغيير في نيسان عام ٢٠٠٣ فرح به ماعدا المتضررين منه. وبعد اقل من عقدين تعالت مرة اخرى الاصوات المطالبة بالتغيير. لان التغيير الذي حصل لم يحمل معه سر المقبولية لدى الناس، وهو التطوير. فالتغيير من اجل التغيير لا معنى له، والتغيير من اجل التطوير هو المطلوب...
تتعالى الاصوات المطالبة بالتغيير في العراق وفي غيره. وهذا امر يكاد يكون طبيعيا. فدوام الحال، كما قيل، من المحال. والانسان توّاقٌ الى التغيير. والتغيير دليل على حركية الواقع. وهو حماية من الفساد. ماء النهر الجاري لا يفسد لانه يتغير كل ثانية. وماء البركة الراكد يأسن بعد فترة وتنمو فيه الطفيليات.
بعد ٣٥ سنة من حكم البعث، الذي اتسم بالظلم والاضطهاد والقمع والحروب الخارجية والمآسي الداخلية، تاقت النفس العراقية الى التغيير. وحينما تحقق التغيير في نيسان عام ٢٠٠٣ فرح به ماعدا المتضررين منه. وبعد اقل من عقدين تعالت مرة اخرى الاصوات المطالبة بالتغيير. لان التغيير الذي حصل لم يحمل معه سر المقبولية لدى الناس، وهو التطوير. فالتغيير من اجل التغيير لا معنى له، والتغيير من اجل التطوير هو المطلوب.
صحيح ان بعض الامور المهمة تغيرت نحو الافضل. اقلها ان الشعب اصبح حرا، لكن هذا المكسب وغيره فقد طعمه وخف بريقه بسبب "عيوب التأسيس" و"اخطاء الممارسة" التي طبعت المرحلة السابقة بطابعها العام، وانتجت: حكومات معوقة، وبرلمانات عاجزة، وانتخابات شكلية، ودولة فاشلة، وبعبارة اثيرة على قلوب الناس: انتجت فسادا شاملا لكل مرافق الدولة.
يصف النظام الحالي نفسه بالاوصاف التالية المذكورة في المادة الاولى من دستوره كما يلي: "جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق."
لكن الطبقة السياسية الحاكمة باوصافها المختلفة: العربية والكردية، الاسلامية والعلمانية، الشيعية والسنية، افسدت معاني كل الكلمات الواردة في هذه المادة.
فالجمهورية نسبة الى الجمهور، والجمهور اما مهمش او "مجهّل" (من التجهيل المتعمد ولا ادري ان كان هذا الاشتقاق صحيحا!)، و"وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ"، "ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ"، وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ"!
والدولة تاهت في كواليس السلطة، ومناطق النفوذ، والاقطاعيات السياسية. اما حديث البعض عن "الدولة" مقابل "اللادولة"، فمثله قول الخوارج "ان الحكم الا لله"، كلمة حق اريد ما لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم، فالقوم، كلهم، شركاء مؤسسون في "اللادولة".
والاتحادية ماعاد يفهمها فقهاء القانون الدستوري، لانها اضحت الى اقرب الكونفيدرالية منها الى الفيدرالية (=الاتحادية).
والبرلمانية اضحت اسيرة "العشرة المبشرة بالسلطة" وبعضهم غير منتخبين وليس لهم عنوان رسمي في الدولة، فيما تطبخ القرارات، بما فيها انتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب رئيس مجلس الوزراء، خارج قاعة البرلمان، بل حتى خارج كواليسه.
واما الديمقراطية فقد افرغت من مضمونها الجوهري تدريجيا. فبعد ان كانت ديمقراطية معيوبة اصبحت نظاما سلطويا، على الاقل حسب مؤشر Economist للديمقراطية.
ازاء هذا الوضع، كان لابد ان ترتفع الاصوات المطالبة بالتغيير. لكن ليس من الصحيح ان نقول "ليأتي من يأتي ما دام يخلصنا من الطبقة الحاكمة الحالية". قيل مثل هذا في زمن صدام، وقيل ليحكمنا اي كان ما دام يخلصنا من صدام. فماذا كانت النتيجة؟ ما نحن عليه الان. وعليه يجب ان يكون مطلب التغيير مشروطا بالتطوير، بما هو افضل من الوضع الحالي. ليكن سقف المطاليب عاليا، ولتكن الرؤية المستقبلية بعيدة الافق. فلا فائدة من التدوير والتكرار، لابد من قفزة كبيرة نحو المستقبل. ولا هدف افضل من الدولة الحضارية الحديثة، بديلا عن النظام العقيم الحالي، نظام المحاصصة، وامراء السياسة والمال والسلاح، والتوافقية المعطلة. التغيير من اجل التغيير نكوص وتراجع، والتغيير من اجل التطوير تقدم وخطوة الى الامام.
اضف تعليق