من المهم جدا السيطرة على مدينة "الفلوجة"... اولاً، وطرد المسلحين منها، قبل التوجه نحو "الرمادي"، مركز محافظة الانبار غرب العراق، والخطة التي أعلن عنها "هادي العامري"، النائب في البرلمان والقيادي الشيعي البارز، والمسؤول عن قوات "بدر" و"الحشد الشعبي" في العراق، خلال حديثه لوسائل الاعلام، بان "الرمادي" ليست على قدر أهمية "الفلوجة"... وان الأخيرة هي من تشكل "الخطر الأكبر" على العاصمة بغداد، وتعيق تقدم القوات العراقية نحو تحرير باقي المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، غرب وشمال العراق... كلام صحيح جداً.
وقد نضيف ملاحظة أخرى لما تقدم، حول أهمية مدينة "الفلوجة"... إعلاميا.
كلنا نتذكر مدينة "تكريت"... وما دار حولها من أضواء إعلامية ومشاحنات سياسية كبيرة، وصلت اصدائها الى داخل "البيت الأبيض" و"التحالف الدولي"... حتى ان الحملة التي قادها "الحشد الشعبي" ونجحت في محاصرة المدينة والمسلحين خلال أيام فقط... توقفت لأسابيع، ولأسباب نعرف بعضها، لكن نجهل اغلبها.
طبعا هذه الهالة التي ارتبط بالمدينة... كانت "هالة إعلامية" تمثل "الرمز" بالنسبة لحزب "البعث" كونها مسقط رأس "صدام حسين"، وبالتالي هذه المدينة تشكل دافعا لاستمرار "البعث" والعمليات المسلحة ضد القوات الأمنية والعملية السياسية الجارية في العراق... والتي لا يعترف بها من بقي من قيادات البعث المنحل.
"الفلوجة"... هي الأخرى شكلت "رمزا" او "ايقونة" للتنظيمات المتطرفة، من "القاعدة" الى "داعش"، وخدمتها بذلك عوامل الطبيعة الجغرافية وقربها من العاصمة بغداد، وديمغرافيتها، والحروب الفاشلة التي خاضتها قوات الاحتلال الأمريكي ضد تنظيم "القاعدة" فيها عام (2004)... والتي تم تغطيتها بصورة مباشرة من قبل قناة "الجزيرة" القطرية... على اعتبارها "قلعة الصمود"... إضافة الى "ساحات الاعتصام" التي صورت على انها "مقاومة" او "ثوار العشائر" بين عامي (2013-2014)... وهو الوقت الذي برز فيه الدور التوسعي لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق.
طبعا فان تنظيم "داعش"... الذي غالبا ما يبحث عن الانتصارات الإعلامية والمعنوية قبل الانتصارات الحقيقية على الأرض... وهي ميزة جعلته مختلفا عن باقي التنظيمات الإرهابية الأخرى... إعلاميا، لذلك فبالنسبة لداعش، "الفلوجة" مهمة "إعلامية" كبيرة لن يتخلى عنها بسهولة... لماذا؟
لأنه سيخسر، بالمقابل، تلك "الهالة الإعلامية" التي عمل على تنميتها لسنوات، لتصوره على انه المنتصر دائما... على الأقل في عيون أنصاره والمتعاطفين معه... وهذا ما لمسناه من متابعة مدى الانكسار والاحباط في الاف التغريدات والتعليقات التي بثها المتعاطفين مع "داعش"... في الأيام التي تلت سقوط "تكريت" على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت التابعة للمتطرفين... على الرغم من ضعف مقارنة "تكريت" بـ"الفلوجة" التي ارتبط اسمها بتلك التنظيمات المتطرفة منذ عام (2003) وحتى اليوم...
لهذا تخيل، كيف سيكون وقع خبر تحرير "الفلوجة" على يد قوات "الحشد الشعبي" والقوات الأمنية وقتل وطرد جميع المسلحين منها؟
طبعا سيكون وقعها كالصاعقة على رؤوس القوم... وسيكون أثرها الإيجابي اضعاف ما ستجنيه القوات الأمنية والحكومة المركزية مما ستجنيه من دخول مدينة "الرمادي" دون المساس بمدينة "الفلوجة".
بالمقابل، ستكون المهمة صعبة... وثقيلة، ليس على مستوى القتال فحسب، بل من الناحية السياسية والإعلامية أيضا... ولنا في "تكريت"... اسوة سيئة.
فكما حدث "هناك" سيحدث "هنا"... ولان "الفلوجة" أكثر أهمية ورمزية... فسيكون الأسلوب وردود الأفعال أكثر عنفا وقسوة... الاتهامات، المعرقلات، الخلافات الجانبية، صراعات، اخبار كاذبة، إيران، فيلق القدس، أمريكا، الشيعة، سرقة، اعدامات... كلها وغيرها... عبارات ستتردد في وسائل الاعلام وخطب الساسة ومنابر الجمع... الغرض منها واحد ويعرفه الجميع.
لذا ينبغي التعامل بحذر يناسب الحدث... فكسر شوكة "الفلوجة" ضروري لتحطيم معنويات "الخصم الإرهابي" واستعادة باقي مدن الانبار... ومن الضروري أيضا، ان يساهم في تحريرها ابناء "الحشد الشعبي" ليكتسب المزيد من "القوة" على حساب "اضعاف" الخصم.
بقي ان نذكر من يعنيه الامر... ان زمن "الفلوجة" انتهى... ولا ملاذ امن للتطرف في العراق، خصوصا بعد الانتهاء من تحطيم هالة "الفلوجة" واعادتها الى أهلها كمدينة مدنية ومسالمة لا شأن لأهلها ومن يسكنها بالإرهاب والتطرف الديني.
اضف تعليق