جاسم أصبح يدرك أن لا سبيل لحل مشكلته وغيره إلاّ بالتغيير والإصلاح، وقال أنا لم أتظاهر بسبب إنشغالي بالكد اليومي، ولكني مع كل إعتراض على سوء إدارة وعمل سياسي فاشل، ولكن لست مع التظاهرات التي تعطل المؤسسات وتحرقها وتقطع الشوارع، ولست مع من يؤثر على الحياة العامة...
وجه المواطن "جاسم أبو اللبن" رسالة الى الشعب العراقي قبيل الإنتخابات، مثلما كان قد فعلها في رسائل سابقة الى رئيسي مجلس الوزراء حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، مع بداية تشكيل كل حكومة، ولم يوجه الى حكومة الكاظمي؛ بإعتبارها أشبه بحكومة إنتقالية، ولها واجبات محددة أهمها ضبط الأمن والإعداد للإنتخابات.
تحدثت رسائل جاسم السابقة، عن أمنيات مواطن وطموحاته في العيش الكريم، وضمان قوت عائلة، لا يطلب فيها قرباً من مسؤول ولا جاهاً ولا شهرةً، بل كل ما يريده هو أن يكون فرداً وسط مجتمع، تسوده على الأقل أبسط مقومات العدالة الإجتماعية، وفسحة من الرفاهية والأمان، وشعور بإنتماء لوطن عاش في داخله وهو جزء لا يتجزء منه.
يسترزق جاسم على حركة الموظفين والمتبضعين، لذلك يكره العطل الرسمية وحظر التجوال والحوادث، ولا يحب الشتاء ويكره الطائفية والإرهاب.. فهو يبيع اللبن لإعتقاده أن لبنه يهدأ الإعصاب ويذهب الغضب، ويشرب منه أبناء من مختلف المكونات، ولا يحب الإتفاقيات التجارية، لأنها تأتي ببضاعة مستوردة ويبقى لبنه المحلي.
وجدت أبو اللبن هذه المرة جالساً على الرصيف، يسأل عن كيفية الحصول على راتب الرعاية الإجتماعية، بعد عمر طويل قضاه في البيع على أرصفة باب المعظم، ولا يوجد له ضمان إجتماعي، بعد أن تصور في أحيان كثيرة أن مهنته ربما تفتح لها درجة وظيفية، لعلها تبرد الأعصاب وتغير من تعامل الموظفين مع المواطن، ولعله صاحب خبرة من تسعينات القرن الماضي، وبعد أن دخل اللبن المستورد لم يعد لديه كثير من الزبائن، حتى جاءت كورونا وحظر تجوالها، فامتنع كثيرون عن شرب ما يباع على الأرصفة، فتحول الى بيع الجواريب والأحزمة الجلدية، فوجد مشكلة أخرى أن كثير من الشباب لا يلبسون أحزمة، وجواريب جاسم طويلة لا يرغبها شباب كثيرون.
أجبته عندما سألني عن الرعاية الإجتماعية، ولماذ لم يناله منها شيء، فشرحت له تعطل الموازنة التي أقرت في وقت متأخر مثل كل عام، ومع ذلك هنالك خلافات بين الحكومة والبرلمان عليها ونحن في الشهر الثامن، وان أقرت فهناك أرقام كبيرة من الفقراء والعاطلين منذ سنوات ولم يصلهم الدور، بسبب الفساد وتسجيل أشخاص لا يستحقون وتجار وموظفين، وأحزاب جعلت من المعوزين مادة إنتخابية.
إن جاسم أصبح يدرك أن لا سبيل لحل مشكلته وغيره إلاّ بالتغيير والإصلاح، وقال أنا لم أتظاهر بسبب إنشغالي بالكد اليومي، ولكني مع كل إعتراض على سوء إدارة وعمل سياسي فاشل، ولكن لست مع التظاهرات التي تعطل المؤسسات وتحرقها وتقطع الشوارع، ولست مع من يؤثر على الحياة العامة، أو لا يقبل بالحلول الديمقراطية، وسيذهب في الساعة الثامنة للإنتخابات، وينشر صورته بعد التصويت، لعلها تكون وسيلة تشجيع لزبائنه.
تلخصت رسالة جاسم أبو اللبن الى الشعب العراقي، بالدعوة للمشاركة في الإنتخابات، وحسن الإختيار والتدقيق بين الشخصيات، حسب الكفاءة والنزاهة، ولا سبيل للتغير الا من صندوق الإقتراع والتبادل السلمي للسلطة، وهي فرصة حقيقية لترجمة كل الإعتراضات على الأخطاء التي إرتكبتها بعض القوى السياسية، ويعتقد أن التغيير والإصلاح، على الأقل سيضمن له كما لغيره عيشاً كريماً في بلده، ويعطيه دور في ممارسة مسؤولياته كمواطن في صناعة السلطات، وإلاّ فهو عليه أن يتوقع أسوأ من هذا الواقع.
اضف تعليق