تضع الهندسة السياسية (علم بناء الدولة) تخطيطا اجماليا لصورة الدولة التي تروم اقامتها بما يحدد اهداف الدولة، واسسها، ومؤسساتها، وهيكليتها، وقواعد اشتغالها الخ. يجب ان تحظى هذه الصورة بقبول الناس، او الاغلبية منهم، حتى تكتسب شرعية القبول ابتداءً. ويكون السعي من اجل اقامتها تعبيرا عن ارادة الناس...

تضع الهندسة السياسية (علم بناء الدولة) تخطيطا اجماليا لصورة الدولة التي تروم اقامتها بما يحدد اهداف الدولة، واسسها، ومؤسساتها، وهيكليتها، وقواعد اشتغالها الخ. يجب ان تحظى هذه الصورة بقبول الناس، او الاغلبية منهم، حتى تكتسب شرعية القبول ابتداءً. ويكون السعي من اجل اقامتها تعبيرا عن ارادة الناس وتحقيقا لطموحاتهم وامالهم بلا فرض او وصاية.

هدف هذه الدولة التي تطرحها هندستنا السياسية هو تحسين نوعية ومستوى حياة الناس. وهذا الهدف منتزع من متابعة طبيعة سعي البشر منذ ظهور الانسان العاقل حتى الان. فقد سعى الانسان منذ قديم الزمان الى تحسين نوعية ومستوى حياته، هذا السعي الذي ادى الى ظهور الحضارات الاولى في وادي الرافدين، كما قاد الانسان الى اكتشاف شفرة الحياة والذهاب الى القمر.

وتحسين طبيعة ومستوى الحياة عنوان عريض يشمل العديد من المفردات التفصيلية التي تؤدي بمجملها الى اسعاد الانسان وتوفير الحياة الطيبة له اللائقة به كمخلوق يتمتع بالكرامة، ومن هذه المفردات الحرية (بما فيها الحرية الاقتصادية) والمساواة والعدالة والرفاهية والامن والتعليم والعمل والثقافة والصحة وتبسيط الاجراءات وتسهيلها وتيسيرها.

ولكي تكون الدولة قادرة على تحقيق كل ذلك، او توفير الشروط اللازمة لتحقيقه، فان الهندسة السياسية تقترح ان تقوم الدولة على الاسس التالية:

الاساس الاول، المواطنة:

المواطنة تجسيد لإنسانية الانسان وتأكيد للوحدة النوعية لمواطني الدولة ما يمنع كل اشكال التمييز او المحاباة او الاضطهاد بسبب الدين او الطائفة او العرق او الطبقة الخ. والمواطنة صلة مباشرة بين الدولة والمواطن فتنتفي الحاجة الى توسط المكون او العشيرة او الحزب. وهي في الجوهر رابطة بين المواطن والدولة على اساس منظومة عادلة ومنصفة من الحقوق والواجبات على اساس الحرية والمساواة والعدالة.

الاساس الثاني، الديمقراطية:

الديمقراطية تعبير عن سيادة الانسان في الارض وحقه في تقرير مصيره بحرية وامان، اضافة الى حقه الكامل في المشاركة الايجابية الفعالة في القرارات الحيوية التي تمس مصيره وحياته وبيئته سواء على المستوى الوطني العام ام على المستوى المناطقي والمحلي.

الاساس الثالث، القانون:

والقانون هو عماد وجود المجتمع العادل والمتصف المؤلف من مواطنين احرار ومتساوين. لا يمكن ان تستقيم الدولة ويتحقق الامن بدون القانون الذي يخضع له الجميع بلا تمييز ومحاباة حيث يقف الجميع، حكاما ومحكومين، سواسية امام القانون، حيث لا توسط ولا شفاعة لاحد خارج سلطة القانون. والمجتمع السعيد هو المجتمع الذي يحترم جميع افراده القانون.

الاساس الرابع، المؤسسات:

المؤسسات هي أنماط سلوكية متكررة وثابتة تتجسد ضمن اطر تنظيمية مستقرة يتم انتقالها من جيل الى اخر داخل جسم الإطار التنظيمي المؤسسي. وهي في نفس الوقت قواعد ناظمة للسلوك، ذات شخصيات مستقلة تعمل بمعزل عن الأفراد وتتجاوز أعمارهم الطبيعية. ولا يؤثر غيابهم على هوية المؤسسة ونشاطها. و هي ضمانة لتحقيق الاستقرار في الدولة والمجتمع، والاطار العام لحفظ الخبرات وتراكمها وانتقالها من جيل الى اخر.

الاساس الخامس، العلم:

العلم، وخاصة العلم الحديث، هو الاداة التي اكتشفها الانسان لبناء كل ما تقدم على اسس صحيحة وسليمة. وتتولى الدولة تنشئة رعاياها تنشئة علمية حديثة تناسب عصرهم من خلال وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والجامعات.

اخيرا قد يسالني البعض: اين دور الدين؟ والجواب ان الدين لا يمكن ان يكون واحدا من خمسة، انما هو العنصر الذي واكب الانسان منذ نشأته الاولى، غاية ما في الامر ان هذه المواكبة تختلف من عنصر الى اخر، من خلال قدرة الانسان على اكتشاف كنوز الدين التي لا تنضب، وتبعا لطبيعة العصر وروحه.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق