لماذا قتلت الفتيات في كابول؟ ولماذا ترفض السلطات السعودية إعادة بناء مراقد الأئمة المعصومين في البقيع؟ ثم لماذا تصر السلطات الصهيونية على استفزاز الفلسطينيين في القدس، ومؤخراً في حيّ الشيخ جراح بالقرب المسجد الاقصى؟ في هذه البقاع المأزومة، وفي غيرها ايضاً مما تضمه البلاد الإسلامية...
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، سورة الانبياء، الآية:92
بعد لحظات على انهيار برجي التجارة العالمي في نيويورك في تلك العملية الانتحارية الرهيبة في 11 ايلول عام 2001 قدم الغرب على الفور القاسم المشترك (العنوان الشامل) لمن تعتقده المسؤول عن هذه الهجمات، وهجمات اخرى تعرضت لها المصالح الاميركية في وقت سابق، بانه "الاسلام"، ثم راحت تروج لـ "الرعب الاسلامي" في وسائل الاعلام، وفي التثقيف الجماهيري على نطاق واسع في العالم، لتخلق للرأي العام تصوراً أن الاسلام هو محور تفكير وسلوك من يمارس الارهاب، بل كل من يحمل القرآن الكريم في الشارع، او يتلوه في مكان ما، لاسيما في الغرب فهذا يعني أنه يتلقى الأوامر بالهجوم على المراكز التجارية، ومحطات القطارات، ومؤسسات النشر المعادية للاسلام ورموزه، وعضدوا ادعائهم بوجود آيات تتحدث عن الجهاد والدعوة للحرب في القرآن الكريم!
المفارقة المحزنة والغريبة في آن، افتقادنا للقاسم المشترك لقضايانا العادلة ونحن في حالة الدفاع عن النفس، ولسنا في حالة الهجوم كما ادعى الغرب، وهذا ما يجعل قضية كبيرة مثل استهداف فتيات صغار خارجات من مدرستهنّ في افغانستان من قبل التكفيريين، والتسبب في استشهاد حوالي ثمانين تلميذة، واصابة العشرات من التلاميذ الاخرين بجروح، منفصلة عما جرى في حي الشيخ جراح بالقدس المحتل من استفزاز سافر من سلطات الاحتلال للفلسطينيين الساكنين في هذا الحيّ ودعوتهم للتخلي عن منازلهم نهائياً، وبين تلك القضية الارهابية، وهذه القضية العنصرية والتوسعية، يصادف ذكرى هدم اضرحة أئمة البقيع، وهي الاخرى من القضايا العادلة تاريخياً وحضارياً، ولكن!
ما الذي يربط بين هذه القضايا لتكون مادة إعلامية واحدة تشكل رسالة الى من يهمه الأمر في كابل والرياض والقدس؟
الرابط المقدس والمُضيّع
لماذا قتلت الفتيات في كابول؟ ولماذا ترفض السلطات السعودية إعادة بناء مراقد الأئمة المعصومين في البقيع؟ ثم لماذا تصر السلطات الصهيونية على استفزاز الفلسطينيين في القدس، ومؤخراً في حيّ الشيخ جراح بالقرب المسجد الاقصى؟
في هذه البقاع المأزومة، وفي غيرها ايضاً مما تضمه البلاد الاسلامية، الخطاب هو بلغة الحق والعدل، وعندما تعجز أطراف الصراع في الجبهة المقابلة عن المواجهة بالمثل، تلجأ الى لغة الدم والعنف والإقصاء.
التلميذات الصغار كُنّ يحملن الطموح الكبير في أن يصبحن من ذوي الشأن في بلادهن (افغانستان) التي أوغلت فيها سكاكين الحروب الاهلية، والتجاذبات الاقليمية والدولية القاسية، كما هو حال إحداهن التي كانت تحلم بأن تكون طبيبة، وهو ما أسرّت به لاحدى صديقاتها من الناجيات من الحادث الارهابي المريع، فذهبت هذه الطامحة الصغيرة مع ثمانين أخريات يحملن ثمانين طموحاً ببلوغ مراقي العلم والمعرفة يخدمن به بلدهن، ويسهمن في وضع حدٍ للمعاناة والحرمان لابناء شعبهن.
أما في أرض الحجاز حيث مراقد الأئمة المعصومين، من ذرية رسول الله، صلى الله عليه وآله، فهي حكاية قديمة مضى عليها تقريباً خمسة وتسعون عاماً عندما هدّم الوهابيون هذه المراقد عام 1926، بما تحمل من معاني ودلالات حضارية وثقافية.
وفي فلسطين المحتلة، وتحديداً مدينة القدس، يتواصل مسلسل الظلم والاضطهاد والقمع على يد قوات الاحتلال لاجبار الفلسطينيين على التخلّي عن أرض الأجداد لاسيما تلك القريبة من المسجد الاقصى، وطيلة العقود الماضية لم يطلب الفلسطينيون من العالم سوى العيش الكريم والآمن على أرضهم، وهو ما لا يسمح به "الاسرائيليون"، ليس لانهم اصحاب حق يحتجون به على الفلسطينيين، بل لافتقادهم أي شرعية قانونية او تاريخية لما يدعونه من حق في هذه الارض، فماذا يصنعون بعجزهم عن صنع السلام سوى صناعة الحرب والصراع وفرضه على الشعب الفلسطيني، وهذا المنهج هو الذي يدفع بهذا الكيان المهزوز نحو الهزائم العسكرية والسياسية والانهيار يوماً بعد آخر.
بعد كل هذا؛ لماذا يجب أن تنزف الشعوب الاسلامية وهي على حق فيما اصحاب السكاكين وقوفاً يتصدرون المشهد رغم باطلهم؟ هل يُعنينا قول أمير المؤمنين، عليه السلام، لمن تقاعس وجبن عن الالتحاق بالجيش الاسلامي لمواجهة البُغاة من اتباع معاوية وقد وصلوا الى الانبار –كما تصف المصادر التاريخية- حيث قال: "عجباً والله! يُميت القلب ويجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، فقبحاً لكم وترحا"؟!
إن الحق الذي تحدث عنه أمير المؤمنين دائماً الى جانب الشعوب الاسلامية في قضاياها مع الديكتاتورية والظلم والاضطهاد، وهو ما نصّ عليه القرآن الكريم بعنوانه العريض والناصر لقضايا ابناء الأمة على طول الخط؛ {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وآيات أخرى تبشر المؤمنين بالنصر والغلبة بشرط التمسك بحبل الله والتوكل عليه دون غيره من التحالفات مع قوى مشبوهة، والتعكّز على الانتماءات العرقية والقومية، والتوجهات الفكرية.
فعندما نقول: إن قضية فلسطين إسلامية، فهذا يعني أن قضية هدم قبور مراقد الأئمة المعصومين، عليهم السلام، اسلامية ايضاً، وكذا الارهاب المنظم الذي يستهدف الابرياء من شعب افغانستان والبحرين واليمن والعراق، فالرابط الواحد الذي يجمع كل هذه القضايا في عنوان واحد هو؛ الاسلام والقرآن الكريم لن يسمح لأية قوة في العالم بالتجرؤ على خوض معارك على جبهات متعددة، لأن "اذا اشتكى عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى".
توحيد الرأي العام
فشل الانظمة السياسية الذيلية وانهيار الديكتاتوريات في البلاد العربية يمثل فرصة لتقويم المسار السياسي بقوة التماسك الاجتماعي في الامة، مآلات الانظمة العربية وتحديداً الخليجية وتغليبها التطبيع مع اسرائيل، بل واسترضائها، على مصير الشعب الفلسطيني، خلق مشهداً غير مسبوق طيلة السنوات الطوال الماضية، فقد غابت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المدعومة بالمال والاعلام العربيين، وظهرت منظمات ذات توجه اسلامي متمثلة بحركة الجهاد الاسلامي، وحركة حماس لتفرض وجودها على دولة الاحتلال الاسرائيلي بصواريخها التي انهمرت على المدن الاسرائيلية.
صحيح أن التيار الاسلامي الفلسطيني استفاد من الإرث الاعلامي المنتشر في العالم، على أن في فلسطين شعب مظلوم ومشرّد على يد قوات احتلال تغتصب أرضه وثرواته، بيد أن التضامن الاسلامي في العالم له دوره المباشر والمؤثر في دعم قضية هذا الشعب في حقه بالعيش على أرضه، ونفس هذا التضامن بإمكانه التأثير على قرارات كبيرة تصنع واقعاً جديداً في افغانستان والبحرين، وفي كل مكان يعاني فيه المسلمون الاضطهاد والقمع والازمات بمختلف اشكالها.
هذا لن يكون إلا عندما يعي الجميع بأن أساس مشكلتهم واحدة، ومصدر قوتهم واحدة ايضاً، مع اختلاف الظروف الاجتماعية والنفسية وظواهر الحياة كلٌ في بيئته الخاصة، بينما ينطلق الجميع من قاعدة واحدة لتغيير واقعهم السيئ نحو الافضل، وهي قاعدة الأمة الواحدة، بكتاب سماوي ومنهج للحياة واحد لا نظير له ولا منافس، مع نموذج حي وعملي للحياة يمثله رسول الله والأئمة المعصومين، صلوات الله عليهم، بما تركوه من سيرة وسلوك في حياتهم ليتعلم المسلمون كيف يعيشون، وكيف يتعاملون مع الازمات والتحديات بأقل التكاليف الممكنة.
اضف تعليق