الابتعاد الفكري وعدم الانسجام تجاه عدد من القضايا المحلية والخارجية، يساعد وبشكل كبير الى البحث عن تحالفات أخرى بعد الافراغ من التنافس المشروع، ففي المرحلة التي تعقب السباق تكون الارضيات خصبة لنمو تحالفات جديدة، وفق ما حصده الحزب من مقاعد تأهله لان يكون مفاوض قوي او صديق ضعيف...
أكثر من مئتين وستين حزبا وكيانا ومرشحا ينتظرون التصديق الأخير من قبل المفوضية العليا المستقلة، لتتاح لهم فرصة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المزمع اجراءها في العاشر من تشرين المقبل.
الأرقام التي أعلنتها المفوضية تشير الى زيادة بنسبة تفوق الـ ــ20%، بعدد المقاعد مقارنة بالانتخابات الماضية عام 2018، وهذا بحد ذاته مؤشر له عدة ابعاد، البعد الأول ان العمل السياسي في العراق أصبح يُزاول من قبل اشخاص يمكن ان نطلق عليهم دخلاء على العمل السياسي.
اما البعد الثاني هو ان المشاركة من قبل الأحزاب بهذا الحجم، جاءت لعدم وجود ضابطة قوية، تعمل بمثابة الفلترة وترشيح الأحزاب والافراد غير القادرين على تقديم الخدمة العامة للمواطنين، ممن ليس لديهم الحظوة الشعبية، والمعرفة الشاملة بمكامن السياسية ودهاليزها التي لا يمكن اجتيازها دون تفعيل مجسات الحيلة والخداع.
من يتفحص الخطابات السياسية للأحزاب القديمة والناشئة يجدها متشابهة الى حد ما، ولا يوجد فيها اي اختلاف، سوى العبارات، بنفس المضمون، والدليل على ذلك هو عدم الوصول الى نتائج وحلول مقبولة تخلص سواد الناس مما اُبتليت به من طبقة سياسية حاكمة همها الأول والأخير الحصول على المكاسب والمناصب عبر الزيف.
زيادة اعداد الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات المقبلة، يدلل على انها اصبحت الوسيلة الوحيدة للحصول على قطعة حلوى ممكن يتم توزيعها في المنطقة الخضراء، فهي تمكنهم من الجلوس الى جانب الكبار ومشاركتهم اكلتهم اللذيذة، والتي حرمت الملايين منها، ليس لأنهم لا يستحقونها، بل لكونهم لا يملكون خلفية حزبية تكون وسيلتهم للوصول الى أماكن طهي الاكلات الفاخرة.
الأحزاب اثبتت مرات عديدة انها لا تخدم سوى نفسها، وتشبثت بالمؤسسات الحكومية بمختلفها، لأنها لمست حجم الفائدة المجنية من ذلك، ولا تريد مفارقة هذا المُزود الحيوي الذي لا ينضب، فالعراق من البلدان الأكثر خيرا وغنى، ما اعطاهم الطمأنينة بديمومة تدفق الأموال الى ارصدتهم في الداخل والخارج.
لم يجن العراق نفعا منذ تسنم الأحزاب الحالية السلطة الى الآن، بل تهدمت اغلب بناه التي شُيدت بزمن النظام السابق، بينما المواطنين يأملون ان تكون الفرق العاملة في المجال السياسي اليوم، هي سترة النجاة التي ستحميهم من الظروف القاهرة التي عاشها ويعيشها بصورة يومية، لكنها ضاعفت هذه الهموم، ووسعت الفجوة بين النظام الجديد والافراد.
وأصبح الفرد الذي لم يشارك بالعملية السياسية او غير المستفيد من الأحزاب، يُنظر اليه على انه مواطن من الدرجة الثانية والثلاثة وحتى الرابعة، ما خلق سخط شعبي على الحكومات المتعاقبة، ولا تجد من بين الجماهير الشعبية من يزكي حزبا بعينه، اذ تم وضعهم في سلة واحدة، ويصعب التمييز بين الصالح والطالح، وجميعهم يحملهم مركب واحد متجهين صوب ذواتهم وليس نحو ناخبيهم.
في العراق فقط الأحزاب المشاركة في الانتخابات تقترب اعدادها من اعداد أعضاء مجلس النواب الذي لا يتجاوز المئتين والتسعة وعشرين نائب، ولا يعرف أحد ما الحكمة الحقيقية من هذا التزايد، بينما بعد نضوج العملية السياسية طيلة هذه السنوات، كان من المفترض ان يتقلص العدد مثلما يحصل في الدول العظمى، ويبدو ان العراق قد استورد ديمقراطية خاصة به تختلف عما مُتبع في جميع البلدان، ولا تصلح لغيره.
ونتيجة لتضخم الاعداد المتواجدة على الساحة السياسية العراقية تُعقد بعض التحالفات التي تتسم بالغموض، وتحيطها جملة من علامات الاستفهام، اذ تقوم أحزاب ذات صبغة دينية بحته بالتحالف من أخرى تدعي العلمانية، ويجمعهم نشاط واحد وحركة انتخابية منظمة طيلة الفترات التي تسبق الانتخابات، مع وضوح الابتعاد الفكري بين الحزبين.
الابتعاد الفكري وعدم الانسجام تجاه عدد من القضايا المحلية والخارجية، يساعد وبشكل كبير الى البحث عن تحالفات أخرى بعد الافراغ من التنافس المشروع، ففي المرحلة التي تعقب السباق تكون الارضيات خصبة لنمو تحالفات جديدة، وفق ما حصده الحزب من مقاعد تأهله لان يكون مفاوض قوي او صديق ضعيف.
وبالفعل بدا على بعض القوى الكبرى من بينها التيار الصدري الذي يطمح بحسب قياداته بالحصول على 100 كرسي في البرلمان، عدم الرغبة بالخوض في حديث التحالفات، ويعترونه سابق لأوانه، في غضون ذلك يبدو الكرد هذه المرة يسيرون بالطريق المعاكس لباقي القوى، فهم لا يريدون ان يدخلوا بالتحالفات فرادا، بل عازمون على الدخول كتلة واحدة لتتضاعف قوتهم ويزداد ضغطهم على حكومة المركز لنيل ما يريدون.
ولم تظهر اي مؤشرات عن آلية القوى السُنية التي ستخوض بها الانتخابات، خصوصا وسط اجواء عاصفة من الانشقاقات التي جرت داخل تلك الاحزاب، واستبعاد مفوضية الانتخابات القيادي احمد الجبوري (ابو مازن) بسبب تهم سابقة بالفساد.
وبعد هذا الاستعراض السريع لخارطة التحالفات القائمة والتي من المتوقع ان تقوم بعد العاشر من تشرين في حال اُجريت بتوقيتها المحدد، يأمل الشارع العراقي بما فيه القوى التي شاركت في احتجاجات تشرين الحصول على حظوظها خاصة وان اغلب المواد التي غُيرت بقانون الانتخابات جاءت بضغط شعبي.
اضف تعليق