ما عدت أميز بين المعلم وسائق الكيا، مع الاحترام لجميع المهن، فالعمل شرف بصرف النظر عن نوعه طالما يأتي لتوفير قوت شريف لعيش كريم بعيدا عن مذلة السؤال، فقد جاء عن الامام الصادق (ع) قوله (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)، فما أقدس العمل، وأجمل نكران الذات...
ما عدت أميز بين المعلم وسائق الكيا، مع الاحترام لجميع المهن، فالعمل شرف بصرف النظر عن نوعه طالما يأتي لتوفير قوت شريف لعيش كريم بعيدا عن مذلة السؤال، فقد جاء عن الامام الصادق (ع) قوله (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)، فما أقدس العمل، وأجمل نكران الذات.
وعدم التمييز بين المعلم بمختلف مستوياته العلمية وأصحاب المهن الأخرى ليس على مستوى المظهر، بل على المستوى الثقافي والمعرفي، فالفارق يكاد يتلاشى، وأسبابه شتى، ولذلك لا تستغرب ان فقد المعلم هيبته لدى طلبته، او عدم دعوته لمجلس العشيرة للاستنارة برأيه بوصفه مثقفا، ويتحلى بالحكمة ورجاحة العقل والتحكم بالانفعالات، او دعوته ليرأس مناسبة اجتماعية لأنه وجها اجتماعيا بارزا يحظى بمكانة محترمة في المجتمع.
فقد اهتزت صورة المعلم العراقي التي كان يُضرب بها المثل، لا، قل انهارت من دون تردد، فالرسالة التعليمية والتربوية التي كان المعلم يحترق من أجل تأديتها في العقود الأولى والوسطى من عمر الدولة العراقية، ويفخر عندما يبلغ طلابه مستويات علمية مرموقة، لم يعد لها وجود الا ما ندر وفي أضيق الحدود، فالإيمان لدينا صار برأس الشهر، وليس بالرسالة النبيلة التي نؤديها، المهم أنا، وليذهب الآخرون الى الجحيم طالما لم يصبني ضرر، ولأن غالبية المعلمين هكذا ينظرون للرسالة، فلا تعجب ان وصل الى الجامعة من لا يرقى مستواه العلمي الدراسة المتوسطة، ولست أغالي اذا قلت ان 10 بالمئة فقط من الطلبة الحاليين يستحقون وجودهم في أروقة الجامعة، ومع ذلك الكل ينجح ويندر من يرسب.
وغالبا ما يأتي الرسوب بالانقطاع عن الدراسة وليس الاخفاق العلمي، وينطبق الأمر على الدراستين الأولية والعليا، حتى صار الاستاذ يتوسل بالطالب لأداء الامتحان، وكذلك لا تعجب أن يصبح استاذا جامعيا من لا يجيد كتابة عريضة، ومع ذلك يستمر العمل بهذه المنظومة بلا جدوى، بل وتمعن في تخلف المجتمع، وان اليوم الذي سنكون فيه في مقدمة دول العالم بعدد الحاصلين على الشهادات الجامعية ليس ببعيد.
هذه هي الحقيقة، والاعتراف بها ليس عيبا، وكثيرون غيري قد صرخوا بأعلى أصواتهم: بأن كارثة ستحدث في القادم من السنوات، لكن الجميع صموا آذانهم عن سماع الحقيقة، والتغطية عليها، ليرسموا صورة مشرقة عن عملية تعليمية فاشلة، ويزعلون ويناصبون العداء كل من يجهر بها أمام الناس، مع انه لا يبغي النيل من مسؤوليها، بل يتطلع الى تصويب المسيرة، من أجل تعليم راق له أدوار فاعلة في عمليات التنمية.
وبالرغم من عدم استغرابي، لكن من حق الجميع أن يسأل: هل يُعقل أن يكون العراق خارج التصنيف العالمي من حيث جودة التعليم بحسب ما ورد في المؤشر الصادر عن المنتدى الاقتصادي في دافوس، مع انه الذي علم البشرية الكتابة، وتتقدمنا دول (أول مبارح) على حد قول أحد الاخوان المصريين، وهل من المنطق أن نصنف الى جانب ليبيا والسودان وسوريا والصومال واليمن؟
لا استبعد أن ينبري أحدهم ليقلل من شأن هذا المؤشر، ويشيد بالرؤى الثاقبة للجهات التي يحاول استرضائها من أجل البقاء في المنصب، او ضمان المستقبل بالحصول على منصب غير معلوم النهاية، وهم يعرفون ان كل الدول التي حققت رقيا كان التعليم مدخلها الى ذلك، ما ينقصنا أيها السادة لتشخيص هذا التردي وابتكار سبل معالجته، هو الايمان بالعراق ايمانا حقيقيا، وليس بالكلام والشعارات، والمؤمنون هم القادة وغيرهم مسؤولون ينتظرون رأس الشهر، وما تحققه لهم المناصب من وجاهة، وما يدره النفوذ من أموال.
أتمنى ألا تمر هذه الكارثة كغيرها من الحوادث، لأن مرورها من دون التوقف لدراستها لا يعني احتراق مستشفى هنا وسوق هناك، بل احتراق بطيء للعراق.
اضف تعليق