يشكل وجود حوالي ١٠ ملايين فقير تحديا مباشرا للحكومة والمجتمع في العراق. فحسب ارقام وزارة التخطيط، فان هؤلاء اما انهم لا يملكون مالا بالمطلق او انهم لا يملكون ما يكفي لتوفير متطلبات الحياة بحدها الادنى. في الدول الحضارية الحديثة يتحمل المجتمع والدولة مسؤولية اعالة هؤلاء مؤقتا حتى يصبح...

يشكل وجود حوالي ١٠ ملايين فقير تحديا مباشرا للحكومة والمجتمع في العراق. فحسب ارقام وزارة التخطيط، فان هؤلاء اما انهم لا يملكون مالا بالمطلق او انهم لا يملكون ما يكفي لتوفير متطلبات الحياة بحدها الادنى. في الدول الحضارية الحديثة يتحمل المجتمع والدولة مسؤولية اعالة هؤلاء مؤقتا حتى يصبح بامكانهم اعالة انفسهم عن طريق العمل.

تم تقنين هذه المسؤولية بطريقين: الاول، ان يدفع اصحاب الموارد المالية من ابناء المجتمع مساهمة مالية بنسب معينة، سوف تستخدم لاحقا لاعادة توزيع الثروة لتوفير الحد الادنى من احتياجات الفقراء. والثاني، تتحمل الدول عبء تنظيم هذه العملية وتقديم المساعدة للفقراء خاصة في مجال السكن والصحة والدعم المالي.

يوصف العراق بانه دولة غنية، ويشار الى النفط كمصدر اساس لهذا الغنى، ومع ذلك فان هناك ١٠ ملايين مواطن لم ينتفعوا من هذا الثراء، اكثرهم في المحافظات الجنوبية والوسطى والموصل. فلا هم استطاعوا العمل، لاسباب خارجة عن ارادتهم، ليكون العمل قاعدة توزيع الثروة في المجتمع، ولا قام المجتمع والدولة باعالة العاطلين منهم عن العمل. فيما يشكل الايتام جزءا كبيرا منهم.

حاليا، الدولة العراقية عاجزة عن القيام بحصتها ودورها باعالة الفقراء من مواطنيها. ويعود هذا لاسباب كثيرة منها الفساد وسوء الادارة. واقسى هذه الاسباب عدم اهتمام الحكومة اصلا بهذه المشكلة الخطيرة في المجتمع. بل ان الحكومة الراهنة تمعن في افقار الناس عن طريق التلاعب بسعر الدينار وفرض الضرائب على الموظفين والمتقاعدين باثر رجعي. علما انه لا يجوز فرض الضريبة على الراتب التقاعدي اصلا. ما يعني ان الحكومة لا تقدر مسؤوليتها الاخلاقية ازاء فقراء المجتمع.

اذا عجزت الدولة عن ذلك، يتعين على المجتمع ان يواصل القيام بوظيفته ازاء الفقراء من افراده. وهذه ليست حالة جديدة، فقد سبق ان انهارت الدولة في العراق عام ١٢٥٨ على يد المغول، لكن المجتمع العراقي بقي موجودا، واستمر بالقيام بواجبه. نواجه الان حالة مماثلة. فوجود الدولة باهت جدا، وفشلها لا يعني فشل المجتمع. بل بامكانه مواصلة الحياة والقيام بالعديد من الفعاليات والنشاطات والحلول محل الدولة حتى تقوم مرة ثانية.

ويستطيع المجتمع ان يقوم بذلك عن طريق التكافل الاجتماعي. لدينا الان حوالي ٥ ملايين مواطن او اكثر من العاملين في الدولة والمتقاعدين، اضافة الى عدد اخر من العاملين في المهن الحرة والقطاع الخاص، كما يوجد عدد ثالث خارج العراق. الفقراء يملكون "حقا" في اموال هؤلاء، سواء استندنا في ذلك الى القران الكريم ام مباديء العدالة الانسانية التي عبر عنها على سبيل المثال الفيسلوف الاميركي الراحل جون راولز. القران الكريم يقول: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ". (الذاريات 19).

وبناء على هذا يتعين على اصحاب الموارد المالية من ابناء المجتمع اشراك الفقراء بجزء يسير من اموالهم بما يحقق الحد الادنى من الحياة الكريمة لهم وبمعدل ٣ الى واحد اذا اعتمدنا ارقام وزارة التخطيط. وفي حقيقة الامر فان المجتمع يحمي نفسه بهذا العمل، لان الفقر سوف يتسبب بالكثير من المضاعفات الاخلاقية والاجتماعية التي تهدد السلم الاهلي والنظام القيمي للمجتمع. وتزداد هذه الخطورة حين يكون السلم الاهلي هشا والنظام القيمي متصدعا.

يستطيع المجتمع ان يحقق التكافل الاجتماعي بطرق شتى. ولست بصدد الحديث عنها الان. لكن بامكان اصحاب المبادرات الخيرة من ابناء المجتمع المبادرة الى استكشاف هذه الطرق وسلوك الممكن منها، والاستفادة من التجارب القائمة فعلا الان، للوصول الى هذا الهدف الانساني النبيل وهو اغاثة فقراء المجتمع.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق