اليوم يقف المواطن بين سندان الموازنة ومطرقة الدولار. امران احلاهما مر. إنْ اقرت الموازنة كما هي تضرر، وان تأخر اقرارها تضرر. فيما الحكومة تقف عاجزة امام هذا المأزق مكتفية بالتفرج على معاناة الناس ويتحدث رئيسها عن تعافي الاقتصاد العراقي مستدلا بمؤشرات مضحكة...
وقع المواطن العراقي بين نارين: نار قانون الموازنة بكل سيئاته، ونار رفع سعر الدولار بكل اضراره. لا شك ان تأخير اقرار قانون الموازنة لهذا العام يلحق الضرر الكبير بحركة الدولة العراقية على الصعيد الاقتصادي باعتبارها المقاول الاكبر في نظام ريعي غير صالح. وعدم اقرار قانون الموازنة يمنع دوائر الدولة من الصرف (باستثناء دفع الرواتب). وحينما تتوقف الدولة عن الصرف، تتوقف معها كل النشاطات الاقتصادية. لكن اقرار القانون كما هو الان يلحق افدح الاضرار بالدولة والمجتمع والمواطن بسبب الثغرات التي يحتويها القانون. وليس رفع سعر الدولار الا قطرة في بحر مساوئ القانون العميق ذي الامواج المتلاطمة.
رفع سعر الدولار قصة اخرى. ومع ان الخبراء الاقتصاديين يختلفون في تقييمه من الناحية الاقتصادية، حيث يرى فريق منهم انه قرار صائب، فيما يخالفهم اخرون، الا انه مما يجمع عليه الجميع ان الاجراء الحق افدح الاضرار بالمواطنين وبخاصة الفقراء وذوي الدخل المحدود فضلا عن رجال الاعمال والتجار، وادى بسرعة قياسية الى الغلاء وزيادة الاسعار.
في هذه الاثناء انقسمت الكتل البرلمانية انقساما حادا حول قانون الموازنة وسعر الدولار. ولابد ان لكل فريق اسبابه وقناعاته، الا انه مما لا شك فيه ان من بين هذه الاسباب الصراعات والمماحكات السياسية بين الكتل.
وبدوره نزل الانقسام الحاد الى الجمهور نفسه، لكن الاغلبية من الناس، حسب استطلاعين اوليين اجريتهما، يميلون الى رفض زيادة سعر الدولار. ومن الطبيعي ان الجمهور غير معني بالتحليلات التي يقدمها الخبراء الاقتصاديون مع او ضد القرار، انما يفكر بالاثار المباشرة والملموسة التي احدثها القرار الامر الذي فاقم من الصعوبات المعيشية التي يعاني منها المواطن.
لكن الاهم من ذلك كله ان القانون كله كشف عيوب النظام الاقتصادي الريعي من جهة، وكشف عن عجز الحكومة في التعاطي مع هذه العيوب ومعالجتها بوسائل لا تلحق الضرر بالمواطن، من جهة ثانية؛ بل ان الحكومة لجأت الى اقصر الطرق واجرت عملية جراحية كبرى بدون استخدام المخدر، فكان ان شعر المواطن الموجوع اصلا، بكل الام العملية الجراحية. ببساطة فان الحكومة عمدت الى تحميل المواطن كل كلفة اجراء العملية الجراحية، ومعالجة مساويء النظام الاقتصادي، وهي مساويء ليس المواطن مسؤولا عنها. واليوم يجمع الخبراء الاقتصاديون، حتى الذين ايدوا قرار رفع سعر صرف الدولار مبدئيا، على ان الحكومة اخطأت في طريقة تنفيذ هذا القرار.
في بداية تولي الحكومة الحالية مقاليد الحكم قدّم العديد من الخبراء ورجال الاعمال الكثير من الافكار العملية للمساعدة في تجاوز الازمة الاقتصادية والضائقة المالية التي يعاني منها المجتمع العراقي، وهي افكار لا تحمل المواطن كلفة الحل، لكن الحكومة تجاهلت هذه الافكار والمقترحات الامر الذي جعل هؤلاء الخبراء ينسحبون من الساحة و يحجمون عن تقديم المزيد من الافكار والمقترحات والحلول.
اليوم يقف المواطن بين سندان الموازنة ومطرقة الدولار. امران احلاهما مر. إنْ اقرت الموازنة كما هي تضرر، وان تأخر اقرارها تضرر. فيما الحكومة تقف عاجزة امام هذا المأزق مكتفية بالتفرج على معاناة الناس ويتحدث رئيسها عن تعافي الاقتصاد العراقي مستدلا بمؤشرات مضحكة.
لا جدال في ان الازمة عميقة الجذور ومعقدة جدا، والواضح ان الحكومة الحالية، وبخاصة شخص رئيسها، عاجزة عن حل الازمة والخروج من شرنقتها. ولم يعد من المجدي تكرار ذكر الحلول العملية الممكنة، والتي سبق طرحها من قبل، لان صاحب القرار عاجز تكوينيا عن استيعاب الحلول والاخذ بها وتنفيذها بطريقة سليمة لا تلحق الضرر بالناس. الكرة الان في ملعب الشعب الذي عليه وحده ان يقرر الخطوة التالية.
اضف تعليق