q
لعل واحدة من مثالب العملية السياسية في عراق اليوم، هذا الاندفاع نحو العمل السياسي بعقلية نفعية تحتاج الى اعادة ضبط مفهوم توظيف المنصب للمنفعة العامة وليس لمنفعة حزب او شخص، واعتمدت الشعوب في مراحل متتالية من تطبيق الديمقراطية معايير تقييم وتقويم تطورت في الفقه السياسي...

لعل واحدة من مثالب العملية السياسية في عراق اليوم، هذا الاندفاع نحو العمل السياسي بعقلية نفعية تحتاج الى اعادة ضبط مفهوم توظيف المنصب للمنفعة العامة وليس لمنفعة حزب او شخص.

واعتمدت الشعوب في مراحل متتالية من تطبيق الديمقراطية معايير تقييم وتقويم تطورت في الفقه السياسي الى معايير تنمية سياسية من ضمن التنمية المستدامة، فهل نجحت الاحزاب التي تزيد على ٣٠٠ حزبا ناهيك عن الترشح الفردي في الانتخابات المقبلة الاتيان بأفعال مغايرة تتماهى مع تلك المعايير؟

في هذه السلسلة من المقالات احاول طرح تصورات تحاكي المعايير الدولية من جهة ويمكن تطبيقها في برامج انتخابية مقبولة يمكن أن تحفز الاغلبية الصامتة التي ترفض التوجه نحو صناديق الاقتراع بتغيير موقفها والعمل على تعديل موقفها الجمعي بما يحقق الغاية من اعتبار الانتخابات المقبلة نقلة مفصلية في ادارة العملية السياسية في عراق الغد المنظور.

إطار المفاهيم

لعل افضل ما يمكن ان نبدا به تحديد إطار المفاهيم لهذه الدراسة في تعريف المقصود بالتنمية السياسية بكونها احد اوجه خلق قيادات سياسية على دراية كافية بفنون العمل السياسي من خلال الاحزاب ثم مجلس النواب وصولا الى المناصب الوزارية او الادارة العليا للدولة.

ولكي تطبق هذه التنمية السياسية بشكل مستدام لابد من وجود خيمة كبرى تحول الدستور روحا ونصا الى استراتيجية دولة تتفرع منها مجموعة استراتيجيات نوعية امنية واقتصادية وتربوية وثقافية.

الاختلاف الواضح في التنمية السياسية في عراق اليوم ان جميع انواع الاستراتيجيات النوعية متوفرة فيما لا تقع اي منها تحت استراتيجية دولة تحدد الهوية الجمعية العراقية بنقاط محددة ومعالم شفافة غير متضاربة.

لست بصدد شرح مفهوم الانتخابات البرلمانية، لكن يتطلب ان أوضح اهمية توصيف الانتخابات المقبلة بكونها انتقالة مفصلية في العملية السياسية برمتها.

هذا يستدعي ان تنتبه القوى السياسية برمتها، قديمها وجديدها، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بشتى العقائد والاهواء والمشارب، اهمية العمل على مأسسة العملية السياسية بتعديلات جوهرية على قانوني الانتخابات والأحزاب، لضمان ديمومة التنمية السياسية.

في إطار ما تقدم، ثمة حاجة مهمة الى تأهيل الخطاب السياسي ضمن مأسسة الاحزاب المتصدية للانتخابات في اعادة نظر شاملة لاجنداتها ومن ثم خطابها السياسي، بما يتطلب ان تكون هناك قيادات متجددة نوعيا في البناء العمودي للاحزاب وايضا ما يمكن ان ينتج هذا الخطاب من متغيرات افقية في ادارة اعلام الاحزاب ووسائل تسويقه.

في كل نقطة مما تقدم اعلاه ستكون محل مناقشة تفصيلية في هذه المقالات، لعل وعسى تستفيد منها الجهات المعنية بالتحشيد والمناصرة لبناء دولة مدنية عصرية في عراق واحد وطن الجميع ولله في خلقه شؤون!

تأسيس الاحزاب

تذكر بعض الأمثال العراقية توصيفا دقيقا لبعض احزاب اليوم وهي تستعد لخوض الانتخابات بكون ليس كل من امتلأ وجهة بالسخام قيل عنه حداد!

هناك مجموعة قواعد تتطلب توفرها عند التفكير بتأسيس الحزب، تبدأ بالفكرة الريادية ومنهج تطبيقها في مفردات عمل حزبي، فيما واقع الحال ان اغلب الاحزاب خرجت من معاطف متعددة لقوى اجتماعية عارضت نظم الحكم السابقة منها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ومنها ما بعد ١٩٥٨ او ما بعد ١٩٦٨.

وكل منها لم يؤسس جمهوره الحزبي على اساس الأدوار المفترض ان تكون ما بعد المعارضة النضالية او الجهادية ..وحين جرى التغيير ما بعد ٢٠٠٣ تعاملت قوى المعارضة مع واقع الاحتلال كحقيقة واقعة مطلوب توظيفها لصالحها وانتهى الامر ان هذه الاحزاب ما زالت تتعامل مع الدولة بعقلية المعارضة وان كانت تمتلك اغلبية برلمانية!

هكذا نسمع ستكون هناك موافقة على مشاركة اكثرمن ٣٠٠ حزبا في الانتخابات المقبلة، السؤال كيف ستكون مخرجات هذه الاحزاب التي تمثل نسبة ١.٢% من مجموع المقاعد الانتخابية باعتبار ان لكل حزب على الاقل عشرة مرشحين يمكن توقع فوزهم في الانتخابات المقبلة.

ورغم اعتراض مقبول ايضا على هذه النسبة الا الحقيقة الغائبة ان نسبة ربما تزيد على ٤٠% من مجموع اصوات المقترعين ستهدر على ما يمكن أن تكون اعداد المرشحين الحزبين او المستقلين الذين لا يصلوا الى العتبة الانتخابية، ولأن الانتخابات العراقية لا تشترط اغلبية النصف+١ وإمكانية حصول اكثر من جولة انتخابية، فإن قيمة المقعد الانتخابي ستنخفض بعدد هذه الاصوات المهدورة بسبب كثرة عدد الاحزاب.

السؤال هل الديمقراطية تتجسد في هذه الكثرة ام ثمة خللا في اصل العملية الانتخابية، يفضح حقيقة اخطاء التأسيس الدستوري في عدم التعامل مع المعايير الدولية للسلوك السياسي في تكوين الاحزاب.

ويكرر ذات الخطأ في تكوين الاحزاب الجديدة من معطف الحراك الشعبي في ساحات التحرير، فكثرة هذه الاحزاب ايضا قد اوقعها في ذات المطب، لذلك عند تشكيل الحكومة المقبلة ستشهد ذات المساومات التي تنتهي الى جمع المتناقضين لتشكيل حكومة يكون برنامجها مجرد حبر على ورق يتبخر مع تصويت مجلس النواب عليه.

كيف يمكن معالجة هذه الاخطاء؟ قلنا الحزب فكرة ومنهاج وبرنامج تطبيقي، يخضع لمعايير بناء دولة مدنية عصرية ..ويشارك في هذه المرحلة في دعم بناء هذه الدولة لعراق واحد وطن الجميع... بوصف هذا القول خلاصة الاستراتيجية العليا التي تترجم روح ونص الدستور .

ولأن كل حزب لابد له من جمهور يؤمن بأهدافه ويحشد لانتخابه، هنا تبرز مثالب تفرقة صفوف الشعب باعتبارات تؤسس لاحزاب من نوع اجتماعي واحد، تنتهي الى مواقف تغادر الاستراتيجية العليا للدولة وتقدم الهوية الفرعية على هذه الهوية الوطنية الشاملة الجامعة... وهذا ما حصل في عراق ما بعد ٢٠٠٣.

لذلك يتوجب ان يحصل إجماع الامة في تنزيه الملة من اجل عراق واحد وطن الجميع.. وهي مسؤولية لم يتصدى لها أي حزب عراقي بجميع الأطراف والأشكال حتى اليوم، النقطة الأخرى التي ما زالت الاحزاب غير قادرة على العمل بها تتمثل في خلق المؤسسة الحزبية القادرة على التكاتف لرفع موقع الحزب افقيا بين الجماهير اولا ثم بين الاحزاب عبر سلسلة تحالفات عمودية يمكن ان تنتهي الى ظهور ٥-٧ تحالفات حزبية تخوض الانتخابات.. وتطرح برنامجها الحكومي ومرشحها لرئاسة الوزراء .. ليكون الاقتراع على وفق قناعة الناخب بالبرنامج والشخصية الافضل للمنصب التنفيذي الاول.

كل ما تقدم يتطلب الخروج من الشخصانية الحزبية التي تظهر في احزاب العوائل او احزاب الشخص الوحيد القائد واعتبار بقية اعضاء الحزب مجرد توابع له، لان مثل هذا النمط من الاحزاب لن يعمل على دعم بناء الدولة بل سيكون معولا لهدم ما تبقى منها .

لذلك يتطلب اشتراطات قانونية لتفعيل مواد قانون الاحزاب وتطويره بالشكل الذي يضمن ديمقراطية الاحزاب اولا من خلال التغيير في الهيئة التنفيذية ثم قيادات المناطق وصولا الى المكتب السياسي للحزب وامينه العام لدورتين او ثلاث دورات حزبية كل منها لا يزبد على ٣ سنوات لضمان تجدد القيادات الحزبية بشكل دائم.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق