لا نملك في النظام البرلماني (ومثله الرئاسي) طريقا للتغيير والاصلاح السياسي غير الانتخابات. وبذا نستبعد فكرة الانقلاب العسكري، لانها تصادر الغرض من التغيير. والذين يتمنون الانقلاب العسكري يفكرون ضمن افق اضيق لا يؤدي الى الديمقراطية. ونحن لا نرى معنى للتغيير ما لم يؤدّ الى تعزيز الديمقراطية...
لا نملك في النظام البرلماني (ومثله الرئاسي) طريقا للتغيير والاصلاح السياسي غير الانتخابات. وبذا نستبعد فكرة الانقلاب العسكري، لانها تصادر الغرض من التغيير. والذين يتمنون الانقلاب العسكري يفكرون ضمن افق اضيق لا يؤدي الى الديمقراطية. ونحن لا نرى معنى للتغيير ما لم يؤدّ الى تعزيز الديمقراطية. والديمقراطية من اسس الدولة الحضارية الحديثة. واي خطوة تقلل من الديمقراطية انما هي خطوة ابعد عن الدولة الحضارية الحديثة. الافكار مترابطة وبعضها يؤدي الى البعض الاخر ولا يمكن "تفصيخها" وتفكيكها تحت ضغط العوامل المرحلية المؤقتة.
الديمقراطية والانتخابات امران متلاحمان وملتصقان لا يمكن التفريق بينهما، بل ان بعض علماء السياسة مثل صامويل هنتنجتون (١٩٢٧-٢٠٠٨) كان لايرى في الديمقراطية اكثر من الانتخابات، خلافا لما ذهب اليه لاري دايموند في توسيع معنى الديمقراطية. وفي كل الحالات، فان الانتخابات هي الطريق الوحيدة لتغيير الحكومات في نظام ديمقراطي، باعتبار ان الديمقراطية تعني حسب كارل بوبر قدرة المجتمع على تغيير الحكومة بدون اراقة دماء.
وصحيح ان النظام السياسي في العراق لم يعد ديمقراطيا بالمعايير الدولية، حيث تحول الى نظام اوليجارشي تتحكم فيه قلة من الاشخاص غير المنتخبين، الا ان الية الانتخابات مازالت معتمدة دستوريا حيث تنص المادة السادسة "يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور"، وتنص المادة ٢٠ "للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح"، وتنص المادة ٤٩ "يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه." وهذه مكاسب ديمقراطية لا يصح التنازل عنها في سياق العمل على تحقيق التغيير الشامل. انما يجب التمسك بهذه المكاسب بوصفها رافعات نافعة في عملية التغيير والاصلاح.
فاذا اتفقنا على هذه المسالة، تبقى لدينا ثلاث مسائل مهمة وهي:
المسألة الاولى، البيئة القانونية للانتخابات، واعني بها القوانين المنظمة للعملية الانتخابية وفي مقدمتها قانون الانتخابات وقانون الاحزاب. وقد دعونا بقوة الى تشريع قانون الانتخاب الفردي. وهذا ما قام به مجلس النواب، لكن بعد ان قام بتشويه مفهوم الانتخاب الفردي والتلاعب به. ومازلنا بحاجة الى قانون احزاب يضمن تأسيس احزاب وطنية كبيرة عابرة للتخوم العرقية والطائفية، وتحول دون تشتت الاصوات وتمزق اللحمة الانتخابية.وهذا غير متوفر الان.
المسألة الثانية، نزاهة الانتخابات، واعني بها اجراء الانتخابات في اجواء تنافس متكافيء، منصف، لا يتأثر بالمال السياسي او السلاح او الرشوة او التزوير والتلاعب، والتصويت بالبطاقة البايومترية. فضلا عن الرقابة المحكمة لمجريات العملية الانتخابية.
المسألة الثالثة، السلوك الحضاري للناخب. وهذه المسألة هي حجر الزاوية في مسار الانتخابات، لان الانتخابات النزيهة والعادلة والحرة هي في المطاف النهائي مسالة ارقام، والارقام هي اصوات الناخبين التي تحسم نتائج الانتخابات. ونذكر كيف كان المواطن الاميركي يتابع ارقام نتائج التصويت في الانتخابات الرئاسية التي ازاحت ترامب واتت ببايدن. فالرقم المفرد هو الذي يتحكم بالنتيجة الاجمالية للانتخابات. ومن هنا نقول ان على الناخب العراقي ان يعرف لمن يعطي صوته. واذا كنا نتحدث عن فساد الطبقة السياسية الحالية فيجب ان لا ننسى ان اصوات الناخبين هي التي اوصلتهم الى سدة الحكم بهذا الشكل او ذاك. ونحن نعلم ان ثمة عوامل غير حضارية وغير ديمقراطية، فضلا عن المؤثرات الاخرى، اثرت على السلوك الانتخابي للناخب العراقي.
اضف تعليق