مكن الاتفاق على ان الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية في إعادة بناء العملية السياسية في عراق الغد المنظور، وفي أي مقارنة بين كتاب أستاذ جامعي مثل الدكتور بول كينيدي في دراسته الجامعة عن نشوء وسقوط الإمبراطوريات وبين ما يمكن ان يكون في واقع إدارة الرئيس بايدن المقبلة...
مكن الاتفاق على ان الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية في إعادة بناء العملية السياسية في عراق الغد المنظور، وفي أي مقارنة بين كتاب أستاذ جامعي مثل الدكتور بول كينيدي في دراسته الجامعة عن نشوء وسقوط الإمبراطوريات وبين ما يمكن ان يكون في واقع إدارة الرئيس بايدن المقبلة على منهجية جديدة في إدارة السياسة الخارجية الامريكية لتعزيز قيادة واقعية أميركية لمشروعها في القرن الحادي والعشرين.
هذا الخط الفكري والمنهج البحثي سبق إليه باقتدار مشهود المؤرخ المسلم عبدالرحمن بن خلدون (808 - 732 هـ) في مقدمته الشهيرة لكتاب "العِبَر" للحديث عن عمران الانسان والبلدان، ولست بصدد المقارنة بين فكر ابن خلدون وبين أفكار بول كيندي، لكن يبدو هناك منهجية جديدة تسوق في وسائل الاعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي التي ترى في تعامل إدارة بايدن مع ايران يجعلها تضع العراق في ذات الكفة على طاولة المفاوضات المقبلة!
مثل هذه الفكرة قد تبدو مقبولة عند طرفين متناقضين عرفت في مصطلحات التواصل الاجتماعي بـ (الجوكرية والذيول) لكن ثمة طرف ثالث لا يوافق على اعتبار العراق ساحة تتعامل معها إدارة بايدن بما يمكن ان ينتج عن مفاوضات كانت حتى أسابيع مضت تحت الطاولة ولكنها اليوم تتمظهر فوق الطاولة في تصريحات مختلفة منها ما كان في ندوة "ديوانية المستقلة" يوم الجمعة الماضية حينما اعتبر "ستفين كوك" وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الامريكي ان الخبر السيء للعراقيين يتمثل في ما توقعه ان تتعامل إدارة الرئيس بايدن مع العراق حسب مواقفها في الملف الإيراني، مثل هذا القول يؤكد ما سبق وان نشرته منذ سنوات ان اتفاق الدكتور احمد الجلبي على فتح مقرا للمؤتمر الوطني العراقي الممول من أموال قانون تحرير العراق في طهران.
واشتراك الكثير من الأحزاب المحسوبة على ايران في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية ثم مجلس حاكم الاحتلال الأميركي بول بريمر، يؤكد ان واشنطن قد سلمت العراق على طبق من ذهب لإيران وان ما حصل ويحصل لا يمكن ان يكون بلا اتفاق من نوع ما بين واشنطن وطهران ويتمثل ذلك في موافقات أمريكية – إيرانية على تشكيل حكومات عراقية بزعامات معروفة طوال 17 عاما مضت.
لكن وقائع تظاهرات ساحات التحرير بنداء "نريد وطن" تجعل من هكذا وقائع للحديث عن دولة مستقلة غير محتلة، بلا نفوذ أجنبي، شرقي او غربي في عراق اليوم والغد، قد يبدو مجرد اضغاث أحلام، ويفتح أبواب العراق كما سبق وان حصل لموجات من الأفعال الإرهابية بعناوين مختلفة تجعله بلا هوية وطنية.
فهناك من يعتبر ان الولاء لإيران تكليفا شرعيا في سياق تفسيرات معروفة لولاية الفقيه التي تعد الدرجة الوظيفية الأعلى في الدستور الإيراني، مقابل من يجد ان البيعة لداعشي تطبيقا لمنهج مقابل بتمويل معروف من دول إسلامية، على الخط الاخر هناك من يعتبر الانضمام الى القطار الأمريكي ضمانات مستقبلية لعراق موحد، وهناك أيضا بعض الموضوعية في كلامهم ، فيما الأغلبية الصامتة لا تر في أي من النماذج الثلاثة الا انتهاكا لسيادة دولة مطلوب ان تكون لها هوية وطن واحد لجميع العراقيين.
هكذا تتوالد أكثر من نتيجة لما وصفته في عنوان هذا المقال لان عدم فهم واقع المواطنة بهوية سيادة الدولة من قبل الجميع له أيضا نتائج كلها تؤدي الى تجدد ضياع الهوية الوطنية العراقية، فما الحلول الفضلى التي لابد من العمل بها قبل وبعد الانتخابات المقبلة؟
أولا: نحتاج الى مرجعيات دينية تتعامل مع الدولة بعقلية الشيخ النائيني في ثورة(المشروطية) بداية القرن الماضي، واعتقد ان أي قراءة لكتاب المسالة العراقية في فتاوى السيد السيستاني، تؤدي الى النتيجة ذاتها التي جاءت في "تنبيه الامة وتنزيه الملة " وهذا يتطلب إعادة صياغة مضمون الولائية في حسابات الحقل والبيدر للتطابق النتائج في منح الهوية الوطنية لسيادة الدولة الاعلوية على الولاء لولاية الفقيه، حيث يرى النائييني وباختصار، إنّ السلطة الأُولى إنما هي عبارة أخرى عن "الربوبية والأُلوهية"، بخلاف النوع الثاني التي هي عبارة عن "صرف مقدرات البلد في مصالح البلد، لا في الشهوات والميول الفردية". "ولذا فإنّ سلوك الحاكم محدود بحدود الولاية على هذه الأُمور، ومشروط بعدم تجاوزها. أمّا أفراد الشعب، فهم شركاء معه في جميع مقدرات البلد التي تنتسب للجميع بشكل متساوٍ، وليس المتصدّون للأُمور إلاّ أمناء للشعب".
ثانيا: تتطلب إعادة صياغة مشاريع الأحزاب واجنداتهم وافكارهم، حتى لا تستقدم التأثير الخارجي من خلال التمويل لزعامات بعينها من هذه الدولة او تلك بعنوان الولاء والبراء في مفهومي " التقليد والبيعة " بما يخلق حاضنات مجتمعية للإرهاب الدولي مثل داعش وما يمكن ان يظهر بعده من مسميات وهو لا يعدو غير بندقية للإيجار لمن يدفع أكثر.
ثالثا: فهم الفواعل المجتمعية ان تجدد ظاهرة الهزائم للهوية الوطنية وسيادة الدولة وديمومة حالة الدولة العميقة او نموذج اللادولة، يمكن ان تنتهي الى الكثير من الابعاد في ترسيخ انتكاس العراق كدولة فاشلة وبالتالي غيابها عن جغرافية الدول الناجحة وبقاءها مجرد ذكرى تاريخية ،وهذا يتطلب العمل على برامج التغيير من خلال صناديق الاقتراع، بمعايير دولية ، مراقبة الأمم المتحدة، لتؤكد نزاهة الانتخابات المقبلة ، يتطلب كذلك اكبر مشاركة جماهيرية في الاقتراع لمستقبل العراق وليس لأي من النماذج الثلاثة التي اشرت اليها ، فطيلة السنوات الماضية ثبت للجميع ان لا طائفة او قومية تستطيع حكم العراق لوحدها باي عنوان كان ، فيما يتمثل المشروع الوحيد في( عراق واحد وطن الجميع) فهل نحتاج الى تعديل قانون الانتخابات وجعل حق الاقتراع واجبا وطنيا يفرض على الجميع ؟؟
ربما نحتاج الى استحضار المقاربة بين أفكار بول كيندي عن سقوط ونشوء الامبراطوريات وبين ما ذهب اليه ابن خلدون في مقدمته عن عمران الانسان والبلدان، لكي يفهم الجميع إذا كانوا ادوات لحالة السقوط ام فواعل لنشوء وارتقاء دولة مدنية حضارية عدت ولابد وان تبقى " جمجمة العرب" وما يتوجب على الجميع فعله في عمران الانسان ثم البلدان بمفهوم يتطابق مع حضارة القرن الحادي والعشرين وليس عقلية جاهلية تستمد من قرون مضت مستلزمات الدمار لمستقبل مقبل ، عندها فقط يمكن ان يكون حق الاقتراع واجبا وطنيا، ويحتاج الى تعديل مهم ضمن ما يطرح من تعديلات عن قانون الانتخابات الأخير، فهل من مستجيب؟ يبقى من القول لله في خلقه شؤون!
اضف تعليق