هذا التشابك والاختلاف وتعدد اطراف الأزمة في اليمين بالتأكيد يزيد من تعقيد مساعي الحلول، ويعطينا مؤشرات واضحة على طبيعة الصراع القائم في اليمن، فهو مرتبط بالصراع الطائفي والتنافس الإقليمي في المنطقة بين طهران والرياض، ويخضع بشكل كبير لحيثيات الصراع الأمريكي–الإيراني، وأن أي عملية سلام...
تشهد اليمن منذ سبعة سنوات تقريباً حرباً عسكرية بين الحكومة اليمنية أو ما تسمى بالحكومة الشرعية المدعومة خليجياً من قبل المملكة العربية السعودية والإمارات ومن خلفهما الولايات المتحدة الأمريكية، وبين الحوثيين المدعومين من طهران، الحرب الذي أودت بحياة أكثر من 233 ألف إنسان، وأصبح ما يقارب الـ 80% من السكان -البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة-يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ونتيجة للتواطؤ الأمريكي في هذه الحرب بشكل أو بأخر، ترى الأخيرة بأن مسؤوليتها الأخلاقية في قيادة العالم تحّتم عليها التدخل في وقف هذا الحرب، إلا أن هذا المسؤولية، عادةً ما تخضع لاعتبارات الفلسفة البراغماتية (القومية والسياسية) الأمريكية، فتارة نرى بأن قيم الديمقراطية الأمريكية تختفي تحت مفهوم المصلحة القومية، وتارة نراها تخضع لعقلية الرئيس الأمريكي وحزبه.
فالرئيس الأمريكي الاسبق باراك اوباما اخضع تلك القيم للمصلحة القومية الأمريكية في المنطقة، أما الرئيس السابق دونالد ترامب، فقد اخضعها لمبدئه السياسي وعقليته الاقتصادية وفقاً لشعارهُ (أمريكا أولاً)، دون النظر في الاعتبارات السياسية والإنسانية التي تترتب على الحرب؛ وذلك بدعمه الكبير للسياسة السعودية والخليجية بشكل عام، وتصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية وفرض عقوبات على عدد من قادتها.
فهل يخضع الرئيس الحالي جو بايدن تلك القيم إلى الاعتبارات الإنسانية، ولاسيما أنه بصدد إعادة الدبلوماسية الأمريكية إلى سابقتها بعد أربعة سنوات من تراجع التزامات الولايات المتحدة الدولية في عهد ترامب، من أجل تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم والمنطقة، أم يخضعها لاعتبارات أخرى؟ وتحت هذا الإطار أعلن الرئيس الأمريكي الجديد يوم الخميس الماضي انتهاء الدعم الأمريكي "للعمليات" العسكرية الميدانية في اليمن. ونتيجة لذلك انشغل المتخصصون والمهتمون بهذا الموضوع وطرحت الكثير من الاسئلة حول قدرة الرئيس على وقف الحرب في اليمن وامكانية نجّاحهُ فيها؟
وبهذا الخصوص وفي إطار تصحيح مسار السياسة الخارجية الأمريكية قال جو بايدن: أن واشنطن ستعمل على وضع حد للحرب في اليمن ووقف الدعم الأمريكي لها. ومن أجل تحقيق تلك الخطوة قام الرئيس عن طريق وزير دفاعه بتعيين الدبلوماسي (تيم ليندر كينغ) مبعوثا أمريكيا إلى اليمن، إذ يتمتع ليندر كينغ بخبرة واسعة في التعامل مع ملفات اليمن والخليج، وقد شغل منصب معاون وزير الخارجية لشؤون الخليج، وعمل في سفارة الولايات المتحدة بالرياض.
وطلب جو بايدن من فريقه في الشرق الاوسط أن يتأكد من دعم مبادرة الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار وفتح الخطوط الإنسانية وإعادة الحوار بشأن عملية السلام في اليمن. بموازاة ذلك، رحبت المملكة العربية السعودية بقرار الرئيس الأمريكي بدعم بلاده والتزامها بالتعاون مع المملكة للدفاع عن سيادتها والتصدي للتهديدات التي تستهدفها. كذلك الحال بالنسبة للإمارات التي ردت على مبادرة الرئيس الأمريكي من خلال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، بان بلاده أنهت العمليات العسكرية منذ اكتوبر من العام الماضي، وأنها دعمت وتدعم جهود الأمم المتحدة ومبادرات السلام في اليمن.
فضلاً عن ذلك، فقد كان هناك رد مباشر من قبل أطراف الصراع اليمني (الحكومة اليمنية والحوثيين)، إذ أعلنت الحكومة ترحيبها بما ورد في خطاب جو بايدن في دعم الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة اليمنية. أما الحوثيون فقد ردوا على مبادرة الرئيس الأمريكي عن طريق الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام والقيادي محمد علي الحوثي، بأن أي تحرك لا يحقق نتائج على الأرض بإنهاء الحصار وإيقاف العدوان سيتم اعتباره شكليا ولن يلتفتوا إليه.
هذا التشابك والاختلاف وتعدد اطراف الأزمة في اليمين بالتأكيد يزيد من تعقيد مساعي الحلول، ويعطينا مؤشرات واضحة على طبيعة الصراع القائم في اليمن، فهو مرتبط بالصراع الطائفي والتنافس الإقليمي في المنطقة بين طهران والرياض، ويخضع بشكل كبير لحيثيات الصراع الأمريكي–الإيراني، وأن أي عملية سلام لوقف العمليات العسكرية في اليمن، لابد لها أن تأخذ بنظر الاعتبار تلك الارتباطات (الاقليمية والدولية)، وأن تدفع باتجاه تسوية تلك الخلافات أو الارتباطات قبل الشروع في أية عملية سلام، أو الدخول في حوار مع طهران "على اقل التقادير.
لأن الوصول إلى الارضية المشتركة بين كل تلك الاطراف عملية معقدة للغاية، ولاسيما في ظل المفردات والمفاهيم المطاطية التي تكتنف مبادرة الرئيس الأمريكي، والتزّمت الذي تبديه اطراف الصراع المباشرة، فالمملكة تعد الحرب بأنها حرب دفاعية ضد الهجمات الحوثية والاطماع الإيرانية في المنطقة، وكذلك الحال بالنسبة لموقف الحوثيين من الحرب.
وهذا ما اكدته الباحثة آنيل شيلاين من معهد كوينسي في واشنطن، التي اعتبرت خطوة الرئيس الأمريكي بأنها خطوة ممتازة، لكنها حذرت من التفاصيل واعتبرت بأن عملية إنهاء دعم الولايات المتحدة للحرب وإنهاء الحرب أمران مختلفان تماما؛ لذلك ترى بأن الأمريكيين بحاجة إلى الحديث مع الإيرانيين مرة أخرى. وبما أن الحوار بين واشنطن وطهران في الوقت الحالي عملية معقدة جداً، لما يحملهُ العقلين من اولويات استراتيجية اتجاه مفهوم الأمن القومي لكل منهما، ولاسيما من قبل الجانب الإيراني الذي يمر منذ فترة طويلة بأزمة سياسة واقتصادية كبيرة على المستوى الداخلي؛ نتيجة العقوبات الأمريكية وانخفاض اسعار النفط التي تزامنت مع جائحة كوفيد 19-.
أما السعودية ربما تتخلى عن الكثير من مواقفها في إطار دعم عمليات السلام ووقف الحرب في اليمن؛ وذلك نتيجةً لعمليات الاستنزاف التي ارهقتها طيلة سنوات الحرب، وربما تبدي مرونة أكثر لحفظ ماء الوجه، ولاسيما بعد ان اوقف كل دول الخليج اشتراكها في الحرب؛ لذلك فإن التعهدات الأمريكية المتزايدة بالمساعدة في الدفاع عن المملكة قد تمنحها في نهاية المطاف غطاء يحفظ ماء الوجه الذي تحتاجه للتخلي عن هجومها على اليمن.
إلا أن الموقف النهائي "كما اسلفنا" قد يتوقف على طبيعة الحوار بين الأمريكيين والإيرانيين ليس في موضوع الحرب في اليمن فقط، وإنما قد تشتمل الصفقة والحوار بينهما على الكثير من القضايا في المنطقة سواء في اليمن أو في سوريا والعراق أو بما يتعلق بالاتفاق النووي والعقوبات الأمريكية بشكل عام، ولاسيما أن القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي جو بايدن حتى الآن بخصوص الأزمة في اليمن، سواء فيما يتعلق بوقف مؤقت لبيع الأسلحة إلى السعودية، ووقف دعم الحرب على اليمن، أو فيما يتعلق بمراجعة قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابيين، ربما تكون غير كافية لحل الأزمة ووقف الحرب، ان لم تكن مشفوعة بحوارات جانبية بين أطراف الصراع الرئيسة؛ لهذا تبدو مهمة الرئيس الأمريكي في وقف الحرب على اليمن، مهمة معقدة جداً، وقد تستغرق وقتاً طويلاً من اجل اقناع كل اطراف النزاع.
اضف تعليق