تتكرر هذه الأيام عبارات مثل: اعادة هيبة الدولة، الدولة مقابل اللادولة، وما شابهها. وهي عبارات جميلة تؤشر الى ان قائليها يقفون في صف مفهوم الدولة، ويعارضون ما يخالفه او يناقضه او يضاده. وبما ان القائلين بهذه العبارات هم من المشاركين الاساسيين في المشهد السياسي لما بعد ٢٠٠٣، فان نطقهم بهذه العبارات يكتسب اهميةً...

تتكرر هذه الأيام عبارات مثل: اعادة هيبة الدولة، الدولة مقابل اللادولة، وما شابهها. وهي عبارات جميلة تؤشر الى ان قائليها يقفون في صف مفهوم الدولة، ويعارضون ما يخالفه او يناقضه او يضاده. وبما ان القائلين بهذه العبارات هم من المشاركين الاساسيين في المشهد السياسي لما بعد ٢٠٠٣، فان نطقهم بهذه العبارات يكتسب اهميةً.

ذلك ان من اوائل عيوب التأسيس هو الانشغال بتقاسم السلطة دون العمل الحقيقي لبناء الدولة. ولهذا تحولت المؤسسات التي وجدت اصلا ضمن مخطط بناء الدولة، مثل مجلس الوزراء ومجلس النواب وغيرهما، الى دوائر لتقاسم السلطة على اساس المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية. وتعمقت هذه الحالة السلبية جدا وامتدت الى كل الكيانات والهيئات الفرعية في الدولة الى درجة ان ممثل احد الاحزاب اشتكى من عدم وجود ممثل لهم في مجلس امناء احدى هذه الهيئات، لانه يفهم انه يجب لن يكون لحزبه ممثل في كل مؤسسات الدولة حتى المهنية او الفنية منها.

ونتج عن ذلك بطبيعة الحال ضعف التوجه لبناء الدولة، بل ضعف الدولة نفسها. وربما هذا هو الذي جعل شركاء السلطة يكتشفون هذا العيب مؤخرا، وينادون بالدولة مقابل اللادولة التي شاركوا في ايجادها اصلا، او استعادة هيبة الدولة التي شاركوا في الحط من قيمتها. فاذا اردنا ان نحسم الظن بهم فسوف نرحب بهذا الاكتشاف، واذا اردنا ان نسيء الظن بهم جاز لنا ان نفسره بغير هذه المعنى.

وفي هذا الاطار جاز لنا ان نتساءل عن مفهوم الدولة وصورتها وصفتها التي ينادون بها. صحيح ان الدستور في مادته الثانية رسم الخطوط العريضة لهوية الدولة، وصحيح ايضا ان الدستور حدد في البابين الاول والثاني المباديء الاساسية للدولة و التزاماتها وواجباتها، الان الدستور يشكو من امرين اولهما الثغرات الكثيرة التي يحتويها، وثانيهما عدم التزام فرسان الحرب والسياسة بمواده. وبالتالي فان الدستور غير كاف لمعرفة ما يدور في اذهان مرددي هذه العبارات على صعيد تعريف "الدولة" التي يقصدونها.

واخذا بنظر الاعتبار خصوصيات الدولة العراقية، فان الذهن ينصرف الى نوعين من الدول هما: الدولة المتخلفة، والدولة الحضارية الحديثة. وهنا سوف يصدمنا الصمت المطبق لدى مرددي هذه العبارات حول هذا الامر. فلسنا نعرف موقفهم من التخلف بمختلف اشكاله ومستوياته، ولسنا نسمع التزاما بالعمل على القضاء على التخلف، ولا نعرف خططهم ولا برامجهم في المعركة ضد التخلف، هذا اذا كان في نيتهم خوض مثل هذه المعركة. (الفساد من نتائج التخلف وافرازاته بنظري).

هذه من جهة، ومن جهة ثانية فنحن لا نسمع شيئا حول النوع الثاني وهو الدولة الحضارية الحديثة، من مرددي هذه العبارات. واذا كان وصف "الحضارية" متعلق بالمركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة بعناصره الخمسة، فاننا لم نسمع منهم شيئا حول هذه النقطة المهمة. واذا كان وصف "الحديثة" متعلقا بالحداثة، والعلم الحديث هو العمود الفقري لها، فاننا لم نسمع شيئا من مرددي هذه العبارات حول العلم والتعليم في العراق، وتحديدا حول النظام التربوي الحديث، وكأن مرددي هذه العبارات يتعاطون مع مسألة الدولة بمعزل عن نظامها التربوي والتعليمي. وهذا امر ان صح فهو يشير الى عدم اكتشاف مرددي هذه العبارات لهذا العيب التأسيسي الخطير.

والنتيجة؟

لا تكفي عبارات "الدولة واللادولة" او "استعادة هيبة الدولة" ما لم يتم الانطلاق من تعريف definition واضح لمصطلح "الدولة" التي يجري الحديث عنها بما يتطابق مع مؤشرات الدولة الحضارية الحديثة المعروفة دوليا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق