في برنامج سياسي، ضيّفت فيه احدى الفضائيات ثلاثة ساسة عراقيين من كتل او جهات مختلفة، احتدم النقاش بينهم بشأن الدولة التي تريد ايذاء العراق والدولة الاخرى الحنينة عليه! وقد استوقفني ما قاله أحدهم للضيف الآخر وبإسلوب اقرب الى ادبيات عراك الفتيان بالشوارع، اتحداك ان تنتقد الدولة الفلانية وظل يكرر عبارة اتحداك...
في برنامج سياسي، ضيّفت فيه احدى الفضائيات ثلاثة ساسة عراقيين من كتل او جهات مختلفة، احتدم النقاش بينهم بشأن الدولة التي تريد ايذاء العراق والدولة الاخرى الحنينة عليه! وقد استوقفني ما قاله احدهم للضيف الآخر وبإسلوب اقرب الى ادبيات عراك الفتيان بالشوارع .. اتحداك ان تنتقد (الدولة الفلانية) وظل يكرر عبارة اتحداك!
وكان يقصد بهذا التحدي ادانته وكشف تبعيته لتلك الدولة امام الراي العام .. هذه الحوارية تكشف عمق المأزق الاخلاقي الذي نعيشه في ظل ثقافة سياسية تفتقر لأبسط المعايير الوطنية، فبعد توزع اغلب الاحزاب والجهات السياسية العراقية في ولاءاتها بين دول الاقليم وغيرها، صار يعتقد كل طرف ان الدولة التي يتكئ عليها هي الاقرب لتطلعات العراقيين والأحرص عليهم، وباتت هذه الثقافة مدخلا لغياب مفهوم الدولة واساسيات المواطنة، فكل جهة تتلقى دعما من مرجعيتها الخارجية ثمنه ثلمة في سيادة الدولة التي باتت هذه الجهات تتولى مناصب مهمة فيها، وبما ان تلك الدول متناشزة الاهداف والمشاريع في العراق، لذا باتت العملية السياسية ميدانا للصراع بدلا من ان تكون ميدانا للعمل الجماعي لقيادة البلاد، موالاة او معارضة كما في كل العالم.
المأزق الاخطر هو ان وسائل الاعلام التابعة لتلك الاحزاب، صارت تثقف الناس وفقا لأهواء مرجعياتها وتضخ لهم باستمرار طروحات مشبعة بالكراهية المتبادلة، فنجحت الى حد ما في صناعة جماعات مأزومة، تعمل على حفر الخنادق بين ابناء الشعب الواحد، وصرنا نلمس ذلك بعد كل حدث او عملية ارهابية، اذ تسارع كل جهة سياسية عراقية الى اتهام الجهة الخارجية الخصم، وتنشغل الفضائيات والجيوش الالكترونية بالترويج لخطابات متعارضة وبذلك تمكنت هذه القوى من تشتيت الناس وابعادهم عن معرفة الحقيقة، او انها ظنت ذلك وظنت ايضا كل جهة انها صارت تحبب مرجعيتها الخارجية للعراقيين على حساب الاخرى، متناسية ان الناس صارت تكره جميع المتصارعين على العراق ووكلائهم فيه، لانهم جميعا لايحبون العراق بالضرورة، بل يعملون لتحقيق اطماعهم فيه ودعم اذرعهم التي يريدون الوصول من خلالها لما يريدون على حساب العراق واهله!
اضف تعليق