استنهض الشهيد حسن الشيرازي الهمم والأفكار في الامة الإسلامية في محاولة منه لإخراجها من واقعها المتراجع الى مكانتها التي تستحقها بكل فخر بين الأمم الأخرى، ولم يدخر الشهيد الشيرازي، أي جهد او طاقة او كلمة او مال او وقت في سبيل نصرة الامة واعلاء كلمة الإسلام...
تحدى كل الأنظمة المستبدة وعلى راسها نظام البعث المقبور، وحاور كل المذاهب واستمع الى مختلف التيارات الدينية والسياسية والاقتصادية برحابة صدر وفكر منفتح، وصدح بشعره العذب وشاعريته الفذة في علياء الادب والفنون، وشارك الجميع -من دون استثناء- في افراحهم واحزانهم وتصدى لسماع همومهم وحل مشكلاتهم حتى تحول الى رمز للسلام والمحبة يلتف حوله المتخاصمون ويحترمه الجميع، لم يلتق به شخص الا وخرج محملاً بما يحتاج من النصيحة او الحكمة او الحافز نحو العمل، وقد حمل هم الامة وانحدارها نحو الهاوية على عاتقه منذ نعومة اظفاره حتى ساعة استشهاده ليضحي بنفسه في سبيلها شهيداً وهو الذي نعى نفسه قائلاً في شعره:
صرخةُ الحقِّ تنادي صرختي
وشهيدٌ مات صبراً قِبلتي
حربتي حقي وحقي حربتي
دولتي ديني وديني دولتي
والنبيون سرايا ثورتي!
انه الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله).
كانت مسيرة الشهيد حافلة بالعمل المثمر والطموح نحو تقديم المزيد من العطاء وكان يؤمن بأن: "العظماء هم الذين يغيرون مجرى التاريخ، ويحولون أعنّة أفراسه من هزيمة إلى انتصار، ومن ضعف إلى اقتدار، ومن ظلام دامس إلى بحبوحة الأنوار"، وكان يحدوه الامل في انتشال واقع الامة التي غاصت في الجهل والظلم والظلام الى بحبوحة العلم والعدل والنور، وقد سعى في سبيل تحقيق هذا الطموح في خطين متوازيين:
1. الجانب العملي:
لقد سعى بدعم كبير من أخيه الأكبر، الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) الى ترجمة الأفكار التي كان يؤمن بها الى واقع يلمس أثرها في مختلف الجوانب التربوية والتعليمية والثقافية والدينية والاجتماعية وغيرها، والتي يمكن ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
ا. أسس الكثير من المؤسسات التربوية والثقافية والدينية والاجتماعية في كل من العراق وسوريا ولبنان وأوروبا وأستراليا وساحل العاج وسيراليون ونيجيريا وكينيا.
ب. دافع عن كافة حركات التحرير العالمية عامة والإسلامية بوجه خاص، واهمها ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، كما دافع عن قضايا لبنان الداخلية وأكد على وجوب تحقيق الوفاق الوطني وقدم مساعدات مالية ومعنوية للجنوب اللبناني لكثير من العوائل التي شردت نتيجة الحملات الصهيونية الظالمة.
ج. سافر الى الكثير من البلدان الإفريقية مثل (ساحل العاج، كينيا، السودان، جنوب أفريقيا) لنشر الدعوة الإسلامية ومبادئ الدين الحنيف.
د. وضع أول لبنة في تأسيس (الحوزة العلمية الزينبية) في سوريا عام (1975) وقد خرجت هذه الحوزة منذ تأسيسها إلى اليوم الالاف من الطلاب من مختلف الجنسيات وتعتبر اليوم واحدة من أكبر وأهم المؤسسات العلمية الدينية في العالم.
ه. كان للعراق النصيب الأكبر في جهاده ضد الظلم في العهدين (الملكي والجمهوري) الذي عانى منه الشعب العراقي المظلوم، فقد وقف ضد استعمار العراق واعتباره كنزا للمستعمر، مثلما وقف ضد صراع السلطات والأحزاب المتعاقبة على حكم العراق في عهد الجمهوريين.
و. اهتم كثيراً بالشباب عبر إقامة المؤسسات والمهرجانات وطباعة الكتب التثقيفية والدينية في مواجهة مختلف التيارات الفكرية الأخرى.
2. الجانب النظري:
لقد سخّر الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) كل إمكاناته العلمية والأدبية من كتابة الشعر والقاء الخطب والمحاضرات الى تأليف الكتب والمجلدات والاستفادة من الاعلام (صحف، مجلات، إذاعة، تلفزيون)، من اجل توحيد الصف وإعلاء شأن الامة الإسلامية في مواجهة مختلف التيارات المعادية لها من الداخل والخارج، وقد حاول في كتابه (كلمة الإسلام) على سبيل المثال إيجاد الحلول للمشاكل التي عصفت بالأمة الإسلامية بدلاً من ترك الأمور على عواهنها.
وعن "كلمة الإسلام" يقول الكاتب "احمد سعيد" ان: "ما كتبه الشهيد السيد حسن الشيرازي ليس بحثاً فقهياً بل هو فكر سياسي يمتاز بعمق الرؤية والقدرة العالية على تحليل الواقع فضلاً عن الوضوح في الإشارة إلى الداء وإلى الدواء بدءاً من العنوان (كلمة الإسلام)، فهي كلمة للإسلام في الأزمة المعاصرة مقابل ما يقوله الآخرون حول ذلك، رأي الإسلام في تحليل المشكلة وسبل حلها"، ويضيف: "المشكلة كما يقول:
1. تدهورت الأمة في الظلم والظلام
2. فكيف انحدرت؟
3. ثم كيف يمكنها الخروج؟
"فهنا ترابط وثيق بين أسباب التدهور وكيفية النزوع إلى النهضة ولا يمكن تحقيق النهوض بدون استعراض للأوضاع الحالية الموسومة بالتدهور ثم الأسباب التي قادت إليه وعلى ضوء تحديد كل ذلك فإن البحث عن حلول وسبل للنهوض سيكون ميسوراً".
وقد شخص الشهيد الشيرازي بداية الانحدار: "لأن السلطات المتاجرة بالإسلام صارت تقتل الثوار وتبعد دعاة الإصلاح، حتى تمكن الثوار من إزاحة الأمويين وإذا بهم يفاجئون بهيمنة العباسيين لتعود الثورة من جديد وأثناء ذلك يتكلس الوعي وتسيطر الغفوة حتى صحت الأمة على حراب القوى الخارجية والاستعمارية تفرض عليها الابتعاد عن الإسلام وكانت رحلة من المتاجرة بالإسلام أوصلت الأمة إلى الابتعاد عنه"، فيما ينقل الكاتب "احمد سعيد" الحل عند السيد الشهيد: "يبدأ من البحث عن إطار موحد للحركة يجده من خلال إعادة استقراء الإسلام بناء على اكتشاف شروط النهوض وهي شروط مطلقة متى توفرت أنتجت المشروط (النهوض) وهي على نوعين: النوع الأول يتعلق بطبيعة المبدأ الذي تنطلق منه الأمة"
1. وجود مبدأ شامل صحيح
2. وجود قيادة محدودة، حكيمة، منتزعة من صميم المبدأ
"أما النوع الثاني فهو متعلق بالأمة ووعيها للمبدأ "وعي الأمة لذلك المبدأ، وتلك القيادة، إيمانها المطلق بهما معاً، وثقتها بنفسها كأمة تستجمع مؤهلات النهوض المستقل، تنفيذ الأمة لذلك المبدأ في واقعها بإيحاء تلك القيادة".
ويضيف: "هذه شروط موضوعية متى توفرت انتجت نهوضا، ولعل هذه النقطة نقطة امتياز قد لا نجدها عند أحد سوى السيد، فهو يخرج القضية من أية أطر أخرى ويلفت أنظار المتتبع إلى علمية الوضع الاجتماعي مثله مثل أي شرطية علمية أخرى وبالتالي فليست العملية محددة بقداسة الإسلام كإسلام بل بشروط موضوعية ثابتة كما يرى السيد الشهيد، هذه الشروط الموضوعية متى توفرت كانت عناصر النهضة متوفرة والشروط متوفرة لان الإسلام مبدأ فيه فلسفة للكون والحياة تسع الإنسان في جميع وجوده، كما أنه ليست نظرية مجردة بل هو عاش في مراحل سابقة تجربة تطبيق أكدت نجاحه.
الخاتمة
"هل تدرك عقولنا أي ضياع انحدر بالأمة من قمة كمالها إلى درك الهوان؟"
بهذه الكلمات استنهض الشهيد حسن الشيرازي الهمم والأفكار في الامة الإسلامية في محاولة منه لإخراجها من واقعها المتراجع الى مكانتها التي تستحقها بكل فخر بين الأمم الأخرى، ولم يدخر الشهيد الشيرازي، أي جهد او طاقة او كلمة او مال او وقت في سبيل نصرة الامة واعلاء كلمة الإسلام، حتى حانت الساعة التي جاد فيها بنفسه في سبيل هذا الهدف الأسمى، لتبقى... كلماته، إنجازاته، شعره، تراثه، شهادته، مواقفه، تضحياته... شاهد على عصر العظماء.
اضف تعليق