إنّ مشروع الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021، قد يُعادُ من مجلس النواب، إلى مجلس الوزراء، ولكنّهُ سيُمرّر في نهاية المطاف كـ قانونٍ للموازنة من خلال مجلس النواب، بعد قيام وزارة المالية بإجراء تعديلات طفيفة جداً على بنوده الرئيسة، كلّ الاتجاهات والتوجّهات، والقرارات والإجراءات والسياسات الرئيسة في مشروع قانون الموازنة هذا...
إنّ مشروع الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021، قد يُعادُ من مجلس النواب، إلى مجلس الوزراء، ولكنّهُ سيُمرّر في نهاية المطاف كـ "قانونٍ" للموازنة من خلال مجلس النواب، بعد قيام وزارة المالية بإجراء تعديلات طفيفة جداً على بنوده الرئيسة.
كلّ الاتجاهات والتوجّهات، والقرارات والإجراءات والسياسات الرئيسة في مشروع قانون الموازنة هذا، ستبقى كما هي معروضةٌ في المسودّة الحاليّة، دون تغييرٍ للأسس العامة التي استندت اليها عند إعدادها في وزارة المالية، أو بعد إقرارها في مجلس الوزراء بـ"الإجماع"، من سعر الصرف، إلى "توزيع" حُصص و تخصيصات الريع على "المُتخادمين" سياسياً ومصلحيّاً، إلى الإستقطاعات من الرواتب، إلى الضرائب، إلى حجم النفقات المخصصة على مستوى القطاعات، وصولاً إلى "حصص" محافظات "الدرجة الأولى"، المُدلّلة والمُرفّهة، والمحافظات الغنية والفقيرة، والمحافظات المُدمّرة والمنكوبة.. كُلّها على حدٍّ سواء (من "حصّة" المثنى الأكثر فقراً، إلى حصّة نينوى الأكبر خراباً، من "بركات" الموازنة العامة "الإتّحادية"، مقارنةً بمحافظات أخرى.. على سبيل المثال لا الحصر).
هذه الموازنة ليست "تقشفيّة"، وليست "إصلاحيّة"، وهي "تُفَرِّق" ولا "تُوَحِّد"، لا بين المُستفيدين من "أصحاب المصلحة" فقط، بل بين "الشركاء" من صانعي القرار أيضاً، وفي كلّ تفصيل فيها هناك مشكلة عميقة قادمة، تمّت إحاطتها (على عجل، ودون قياسٍ دقيقٍ للأثر المُصاحب) بكميّة لا بأس بها من "الألغام" التي بدأ بعضها بـ "الانفلاق" فعلاً (وبالذات على الفئات والشرائح الأكثر فقراً وهشاشة من السكان)، وبعضها الآخر ينتظر الوقت المناسب لينفجر لاحقاً في وجوه الجميع.
كيف يمكن أن تكون هذه الموازنة "إصلاحيّة"، وهي ماتزال موازنة "بنود" عاديّة (وليست موازنة برامج وأداء).. وهي الأكبر من حيث الحجم، والأكبر في نفقاتها التشغيلية "الجارية"، والأكبر من حيث "العجز" المُثبّت فيها، وماتزال الأكثر اعتماداً على عائدات صادرات النفط الخام (كمصدر رئيس للأرادات)، وبالتالي فهي الموازنة الأكثر "ريعيّة" من بين جميع الموازنات العامة التي تمّ إعدادها خلال مائة عام من عمر الدولة العراقية (أي خلال المدّة 1921-2021)؟
لا أدري لماذا تُجازف حكومة "قصيرة الأجل"، ألزمتْ نفسها بإجراء انتخابات نيابيّة في حزيران 2021، وستكون قبل هذا التاريخ بأشهر (ربما في آذار 2021)، حكومة "تصريف أعمال"، بتحمّل العبء الاقتصادي والاجتماعي (والسياسي) لموازنة عامة هي "الأضخم" في تاريخ العراق الحديث (يبلغ حجم النفقات العامة في الموازنة 164 ترليون دينار، وهي أكبر من موازنة 2019 بنسبة 23%، وبعجز مُخطط مقداره 71 ترليون دينار، يزيد عن عجز موازنة 2019 بنسبة 158%، ويشكّل ما نسبته 44% من إجمالي النفقات)؟
هذه الموازنة هي عبارة عن "جودليّة" ترقيعيّة، ستجدون فيها كلّ شيء. ووضع الحلول لـ "كُلّ شيء" هو ليس وظيفة الموازنة العامة، التي يسري نفاد قانونها على عامٍ واحدٍ فقط (حتّى وإن كانت جزءاً من استراتيجيّة عامة للموازنة يمتدّ نطاق تأثيرها على ثلاث سنوات، إن كانت هناك استراتيجية فاعلة ومُستدامة، كهذه أصلاً).
وباستبعاد "التنسيق" بين السياسات (لأنّ هذا التنسيق لم يحدث، ولن يحدث)، فإنّ مشروع الموازنة هذا (وهو مشروع خاص بالسياسة المالية، وبوزارة الماليّة، وبوزير الماليّة الحالي تحديداً) يُصادر "سُلطة" جميع "صُنّاع" السياسات الاقتصادية الأخرى (السياسة النقدية في البنك المركزي العراقي، والسياسة التجارية في وزارة التجارة، وسياسة التشغيل في وزارة العمل وغيرها)، بل أنّهُ يُجرّد وزارة التخطيط من وظيفتها الأساسية كمُعِدّة للخطط، ومُصمّمة للبرامج التنفيذية المُلحقة بها، ويضع كلّ المهام والمسؤوليات والحلول و "تدخلات" السياسات، في "سلّة" قانون الموازنة "الشاسعة" هذه، التي تتسّع لكل شيء.
ومع ذلك، ورغم كلّ ذلك، فإنّها أوّل مشروع موازنة يتّفق و"يتوافق" جميع "الفرقاء"(في جميع الكتل، والائتلافات، والتحالفات، والتيارات، والمذاهب، والقوميات، والمناطقيات)، على تمريره "قانونيّاً" بهذه العزيمة، وهذا الإصرار، وهذه "الإرادة" السياسيّة التي لم يسبق لها مثيل.
هناك اعتراضات بالطبع، ولكنها بسيطة، ومتحفّظة، وخجولة، ولا تتعارض مع "المبادئ" العامة لهذه الموازنة، أو مع "توجّهاتها" الرئيسة.
ولهذا ستجدون كل محن العراق، وانقساماته، وأزماته المُركبّة، واختلافاته العميقة، تتجسّدُ بوضوحٍ تام، في "مشروع" الموازنة هذا، كما لم يتجسّد في "وثيقة" حكوميةٍ من قبل. وليس هذا استنتاجاً لـبعض "المُحلّلين" السطحيّين، ولا تنظيراً فجّاً لبعض الاقتصاديين البائسين، كما أنّهُ ليس جزءاً من "مؤامرة" يقوم بإعدادها "أعداء" العملية السياسية في العراق.
إنّ كلّ هذا ستجدونه في "تقرير اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي حول مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لعام 2021"، وهو تقريرٌ وافٍ، وكافٍ (إلى حدّ ما)، يعرِضُ كُلّ البيانات والمُعطيات الواردة في مشروع قانون الموازنة بوضوح تامّ (ماعدا إغفاله الإشارة إلى تخصيصات المحافظات في الموازنة)، وذلك بقدر تعلّق الأمر باختصاص اللجنة الرئيس، وبالصلاحيات المنوطة بها بموجب الدستور، (ويمكن الاطلاع على هذا التقرير من خلال الرابط المذكور في خانة التعليقات).
أخيراً أتمنى أنْ لا يسألني أحدٌ عن "الحَلّ".
اللجنة المالية في مجلس النواب عرضت ملاحظاتها وتحفّظاتها وتوصياتها على الموازنة العامة للسنة المالية 2021 في تقريرها المشار اليه في أعلاه، غير أنّ الحلّ، لا يمكن إختزاله في قانون للموازنة العامة، الحلّ في العراق ليس اقتصاديّاً، الاقتصادُ في العراق نتيجة، وليس سبباً ومشروع موازنة 2021 يُعالج "النتائج"، ولا يبحثُ في "الأسباب"، الحلُّ في العراق ليس اقتصاديّاً، الحلُّ في العراق واحدٌ وواحدٌ ووحيد، ولا حلّ سواه، ومرّةً أخرى لا تسألوني ما هو.
اضف تعليق