لماذا لم نتوصل عراقيا على عقد اجتماعي جديد؟ الجواب لأن امراء الحرب الاهلية المنغمسين في مفاسد المحاصصة لم يكتفوا بأنهار الدماء التي سالت في عراق الرافدين واستهلكوا أكثر من تريليون دولار فيها واستدانوا أكثر من مائة مليار أخرى، حتى بات تامين الرواتب بحاجة الى تخفيض قيمة الدينار، العملة الوطنية، وهذا يتطلب...
يكثر الحديث عن المسؤولية المجتمعية في الاختيار الاصح امام صناديق الاقتراع، ومع تكرار التجربة الانتخابية يبدو ان عراق اليوم ما زال يفتقد الى تلك الاليات المعيارية في حوكمة نزاهة الانتخابات، لذلك تترامى الأطراف السياسية بشتى أنواع الاتهامات عن تزوير نتائج الانتخابات في الدورات السابقة، فيما تبقى الأغلبية الصامتة مسؤولة عن حالين الأول، العزوف عن المشاركة الاوسع، والثاني عدم التحشيد والمناصرة لأفعال قانونية تحيل الدعوى الى القضاء لاسيما من خلال الادعاء العام في عدم انفاذ القانون في مواد خاصة بقانون الأحزاب الذي يمنع أي حزب او كيان سياسي يمتلك اجنحة مسلحة من المشاركة في العملية الانتخابية، وأيضا الكشف عن مصادر تمويل الدعاية الانتخابية، والغريب ان كلا الموضوعين لم يتم التطرق لهما من قبل الأجهزة الرقابية، سواء هيئة النزاهة الاتحادية او ديوان الرقابة المالية، بل حتى تحالف مراقبة الانتخابات من منظمات المجتمع المدني او مركز المساعدة الدولي للأمم المتحدة ، لذلك يطرح السؤال هل نزاهة الانتخابات مجرد كلام للتمشدق السياسي ام تطبيق حوكمة فعلية ؟
واقع الحال، هناك الكثير من القول سيطفو على سطح الحدث ان المقصود هو خط المقاومة الإسلامية الولائي وما يمكن ان تمثله من قوى سياسية شيعية تقلد ولاية الفقيه الإيرانية، او يمكن ان تكون هناك قوى سياسية سنية لها اجنحة مسلحة مثل حماس العراق او غيرها من الحركات التي كانت تمثل مقاومة الاحتلال الأمريكي وهي اقرب الى تنظيم القاعدة ومن ثم داعش، معضلة تحجيم الاجنحة المسلحة للأحزاب العراقية بجميع اشكالها وانواعها، كون الصراع المجتمعي ما زال مستعرا ونار الحرب الاهلية تحت الرماد، ويكذب من يقول عكس ذلك، فقبلات الرؤوس وتبوس اللحى في مؤتمرات المصالحة الوطنية لا تساوي حتى ثمن وجبة الطعام في تلك الفنادق الفخمة التي عقدت فيها!
يضاف الى ذلك تمويل الحملات من المال السياسي لمفاسد المحاصصة، وجميع هذه الأموال ترجع الى صفقات سياسية ما زالت حتى اليوم تتعامل مع المال العام نتيجة اتفاقات الكتل البرلمانية في تغانم المال العام وليس بناء دولة تنتج لتأكل، وهذا يطرح السؤال: هل ستكون الانتخابات المقبلة مفصلية لإعادة تأسيس العملية السياسية والشروع ببناء دولة عراقية مدنية عصرية يمكن ان تصبح دولة حضارية حديثة؟
هناك الكثير من التجارب لشعوب غادرت النظم الشمولية واتجهت الى النظام الليبرالي لتداول السلطة سلميا، والعراق ليس أكثر سوءا من واقع دولة مثل رواندا او سنغافورة او ماليزيا، ناهيك عن جورجيا ورومانيا، لكن الفجوة الغائية التي يصمت الجميع عنها ان مجالس المصالحة في دولة مثل جنوب افريقيا انتهت الى عقد اجتماعي دستوري جديد، مثلما انتهت محكمة النازية الألمانية الى عقد الماني جديد.
فلماذا لم نتوصل عراقيا على عقد اجتماعي جديد؟ الجواب لان امراء الحرب الاهلية المنغمسين في مفاسد المحاصصة لم يكتفوا بأنهار الدماء التي سالت في عراق الرافدين واستهلكوا اكثر من تريلون دولار فيها واستدانوا اكثر من مائة مليار أخرى، حتى بات تامين الرواتب بحاجة الى تخفيض قيمة الدينار، العملة الوطنية، وهذا يتطلب من النخب والكفاءات والمثقفين في الأغلبية الصامتة المشاركة بقوة في الانتخابات المقبلة ليس لتغيير الوجوه الشوهاء بوجوه جديدة من ذات الأحزاب بل لاستخدام العملية الانتخابية للتغيير المنشود، واللجوء الى القضاء في انفاذ مواد قانون الأحزاب للاعتراض على أي حزب له اجنحة مسلحة او يستخدم المال السياسي في الانتخابات المقبلة، عندها سنرى عين اليقين ان الكثير من الكيانات السياسية التي حصلت على إجازة مشاركة من مفوضية الانتخابات التي تحتاج الى توضيح هذا الالتزام القانوني بشفافية امام الناخب العراقي ولله في خلقه شؤون!
اضف تعليق