كانت آلية تفكير العقل العراقي قبل 2003، ماضية الى دعم التغيير السياسي الجذري، وطغى عليها أهمية الأداة الخارجية في التغيير، الحال الذي جعل بناء النظام الديمقراطي في العراق، معتمدا على مراكز القرار الأجنبية، ومايزال الأمر الى الان، يشهد العجز في إنتاج القرار الوطني الخالص...
يعابُ على النظم الديمقراطية، عدم قدرتها على الحسم السريع حتى في القضايا المصيرية، كما انّ القرارات التي تتَخذّها يصاحبها عدم اليقين، حتى في حالة المستوى المرتفع من التهديدات الحقيقية.
وعلى الرغم من ان هذه الحالة السالبة، ليست خطيرة، بقدر المخاطر التي يولدها الانفراد بالقرار والارتجالية في النظم الشمولية، لكنه يبعث على عدم الارتياح، الذي تعزّزه أخطاء في الدول القليلة العهد بالديمقراطية مثل العراق ولبنان، اذ لا تزال مراكز القوى بل حتى الحكومات، قادرة على اتخاذ خطوات تقوض سيادة القانون.
وفي دولة عريقة الديمقراطية مثل الولايات المتحدة، يُنتخب رئيس من دون خبرة سياسية. وفي دول أخرى، تتحول الديمقراطية الى تقاسم مناصب وسلطات وفق حصص طائفية وسياسية وقومية. وتحت خيمة الديمقراطية، تخدع الأحزابُ والقوى السياسية، الشعوبَ، بأغلبية بسيطة في التمثيل النسبي، وكيف ان النتائج تنتهي الى عدم تناسب صارخ بين مستوى شعبية حزب معين، وامتيازاته السياسية.
في بلد مثل العراق، يتوجب ان نتعلم من تجارب الدول الأخرى التي نظّمت ديمقراطياتها لتكون مناسبة لأفكارها وثقافتها ومجتمعها. ولأن العراق بلد كثير الطوائف والقوميات، فان النجاح يحتّم الاعتياد على القرار التي يُتّخذ بأغلبية بسيطة في النواب، وان يكون حصول حزب معين على نسبة معينة من الأصوات في الانتخابات، متناسبا فعليا مع عدد مقاعده في البرلمان.
العراق بتجربته الديمقراطية، لم يصل بمواطنيه الى مستوى السلوك الديمقراطي الواعي، ومازال البعض يرى في الديمقراطية، مجرد برلمان منتخب، بينما الأمر في حقيقته يتطلب مؤسسات أمنية واقتصادية واجتماعية وقضائية، قوية تتمتع بشرعية جيدة، ومن دون ذلك فان النتيجة هي برلمان “شكلي” وانتخابات “مزيّفة”.
المثلب الآخر في الديمقراطيات غير الراشدة، هو شروع المجتمع في تنظيم نفسه سياسيا عبر أعداد هائلة من الأحزاب، في دلالة على اضطراب واضح في بوصلة الموقف من الاحداث، بينما وجود أحزاب قليلة بهيكل ديمقراطي ناجح، يبعد خطر التأسيس لدولة عميقة في البلدان الفاشلة التي تتغلب فيها الهوية الحزبية على الهوية الوطنية، ويتحول قادة الكيانات الى دكتاتوريين بثوب ديمقراطي.
يُرصد ذلك بوضوح في المواقف من الملفات السياسية والاقتصادية، وفي القضايا المصيرية، ففي العراق يُراقب بوضوح تغوّل الإرادات الفرعية الحزبية على القرار المركزي، ويترافق ذلك مع اعلام متحامل يتغلب على اعلام الدولة في سحب المواطن الى ارادات فرعية، بينما الاجدى ترك الملفات المهمة، والقضايا المصيرية الى المنافذ التشريعية والتنفيذية الرسمية، لإدراك القرار الصحيح.
كانت آلية تفكير العقل العراقي قبل 2003، ماضية الى دعم التغيير السياسي الجذري، وطغى عليها أهمية الأداة الخارجية في التغيير، الحال الذي جعل بناء النظام الديمقراطي في العراق، معتمدا على مراكز القرار الأجنبية، ومايزال الأمر الى الان، يشهد العجز في إنتاج القرار الوطني الخالص. لقد سارع العراقيون الى التغيير، من دون الاستعانة بالأدوات العلمية الصحيحة التي ترسم مستقبل السلطة، وظلال الدولة.
اضف تعليق