نهاية عام وبداية عام جديد تشكل فرصة للكيانات السياسية والمؤسسات والإدارات العامة في جميع المجتمعات المتحضرة وعلى كافة المستويات لمراجعة حساباتها واستشراف آفاق المستقبل ووضع خطط تبنى على استخلاص الدروس والعبر من إنجازات واخفاقات العام المنصرم، أما في عالمنا العربي فهكذا مناسبات تقتصر على إقامة المهرجانات...

نهاية عام وبداية عام جديد تشكل فرصة للكيانات السياسية والمؤسسات والإدارات العامة في جميع المجتمعات المتحضرة وعلى كافة المستويات لمراجعة حساباتها واستشراف آفاق المستقبل ووضع خطط تبنى على استخلاص الدروس والعبر من إنجازات واخفاقات العام المنصرم، أما في عالمنا العربي فهكذا مناسبات تقتصر على إقامة المهرجانات للتغني بأمجاد وبطولات الماضي والتهليل والتصفيق للقيادات وشكرها على (منجزاتها التاريخية).

نهاية سنة 2020 وبداية عام 2021 له خصوصية لأن سنة 2020 من أسوء ما مر على البشرية منذ الحرب العالمية الثانية وذلك بسبب وباء كوفيد 19 وتداعياته. وبالنسبة للشعب الفلسطيني ففداحة خطر وسوء 2020 أكثر تجلياً لأن الكورونا شكلت مجرد إضافة على حالة متردية أصلاً بسبب الاحتلال والانقسام ثم التطبيع العربي.

مع أنه لا يلوح في المدى القريب ما يبشر بفرج قريب إلا أن هذا يجب ألا يكون مدعاة لليأس والاحباط، فهناك دائما أمل وتفاؤل بالمستقبل، مصدره إرادة الشعب بالتغيير وتصحيح المسار وعدم الاستسلام للأمر الواقع والشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء.

حتى لا يصطدم الأمل والتفاؤل بصخرة السراب أو يتحول لسراب يجب أن يكون مشفوعاً ومدعوماً بجهد وعمل مضني وعقلاني. التفاؤل والإرادة معاً يشكلان منطلقاً لجعل بداية عام جديد فرصة لمراجعة مخرجات العام الفارط واستشراف المستقبل الموعود. إلا أن المراجعة واستشراف المستقبل سيكونان قاصرين أيضاً إن اعتمدا فقط على أحداث ومخرجات العام الفارط فقط، فهناك سيرورة تمتد لمائة عام من النضال الوطني رافقها، فلسطينياً وعربياً، ارتكاسات وفشل وأخطاء سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة.

وهكذا ومن منطلق أن الحياة ستستمر ومصير الشعب لا تحدده توازنات ومعطيات آنية وعابرة، فلا يمكن لنا ولكل الحريصين على المصلحة الوطنية والمؤمنين بعدالة قضايا شعوبهم ممن يعملون بالشأن العام وخصوصا في المجال السياسي إلا أن يكونوا متفائلين ويستمرون في طَرقِ باب الأمل.

ليس هذا تفاؤل الحالم والمثالي بل تفاؤل المؤمن بعدالة القضية الوطنية وبقدرة الشعب الفلسطيني على تجاوز أزمته وظروفه القاهرة، والشعب الفلسطيني عبر تاريخ وجوده على أرض فلسطين مر بظروف ومنعطفات لا تقل خطورة عما هو موجود اليوم بل في بعض المراحل نعى البعض الشعب الفلسطيني وحركته التحررية الوطنية، ومع ذلك كان دائما ينهض من تحت الرماد كطائر العنقاء، فيُسقط مع عاصفة إقلاعه كل المتخاذلين والمفرطين ويُعيد الأعداء حساباتهم.

وفي هذا السياق نستحضر تأسيس منظمة التحرير وانطلاقة الثورة الفلسطينية منتصف الستينيات بقيادة حركة فتح، فقبل هذا التاريخ كانت القضية الفلسطينية مجرد قضية لاجئين دون أي مضمون سياسي ولو لم تنطلق الثورة بفكر جديد وقيادة جديدة لذاب الشعب الفلسطيني في بلاد الشتات، والشعب الفلسطيني اليوم بعد أن ثبَّت ورسَّخ هويته الوطنية ووضع أسس كيانية سياسية بحاجة لانطلاقة وطنية جديدة بفكر جديد وأشخاص جُدُد أو مخضرمين، حيث لا يمكن تجديد واستنهاض الحالة الوطنية بأدوات قديمة.

من المهم التأكيد ومن خلال التاريخ والوقائع أن نكبة الشعب الفلسطيني التي ما زالت متواصلة لم تكن لأن الفلسطينيين باعوا أرضهم أو قصروا في الدفاع عنها كما يزعم المرجفون، بل كانت نتيجة هزيمة الجيوش العربية في حرب 48 (النكبة) التي كان نتيجتها إقامة الكيان الصهيوني (إسرائيل) على مساحة 78% من فلسطين ثم هزيمتها في حرب 1967 (النكسة) حيث تم إضاعة بقية فلسطين وأراضي عربية أخرى، ويمكن أن نضيف بأن النكبة الفلسطينية الجديدة (الانقسام) الذي جرى عام 2007 كان بتواطؤ بعض الأنظمة العربية مع كيان الاحتلال، بمعنى أن الفلسطينيين يدفعون ثمن هزائم الجيوش العربية وتدَّخُل بعض العرب في شؤونهم الداخلية.

ومع ذلك فإن أخطاء كثيرة صاحبت مسار الحركة الوطنية الفلسطينية بمؤسساتها الرسمية والحزبية، سلطة ومعارضة، وهي أخطاء سهلت على الأعداء تمرير بعض مخططاتهم، وبالتالي فإن مواجهة التحديات سواء تعلقت بالاحتلال ومشاريعه الاستيطانية أو بصفقة القرن أو بموجة التطبيع العربي الجديدة تتطلب إصلاح النظام السياسي جذرياً وإنجاز الوحدة الوطنية والتوقف عن الهروب من المسؤولية بتحميل الأطراف الخارجية المسؤولية عما آلت إليه القضية الوطنية.

وقبل التطرق لاستراتيجية العمل المطلوبة واستشراف المستقبل من المفيد مراجعة تجربة العمل الوطني الفلسطيني مع نقد موضوعي لأنه بدون هذه المراجعة والنقد لا يمكننا الخروج من المأزق الراهن.

المشهد السياسي الفلسطيني الراهن

التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني متعددة الوجوه والأبعاد: الممارسات الإسرائيلية الاستيطانية والعسكرية الإرهابية في الضفة والقطاع،الممارسات العنصرية في أراضي 48،السلوك الأمريكي المعادي لشعبنا والمساند لدولة الاحتلال، التراجع الملحوظ في التأييد الرسمي العربي بعد موجة التطبيع الجديدة، الانقسام، والوضع الاقتصادي السيئ، كل ذلك أرهق وشوه الحقل أو المشهد السياسي الفلسطيني وجعله يعاني من حالة مريعة من التسطيح السياسي والفكري والثقافي تسير في تواز مع عملية تجريف لحالة التحرر الوطني بقيمها وثقافتها ورجالاتها، بحيث لم تستطع كل أشكال البطولة والتضحية والمعاناة والصمود الشعبي التخفيف من وطأة هذا المشهد الذي لم يؤثر سلبا على مسار قضيتنا الوطنية وصراعنا مع الاحتلال فقط بل أيضا على نظرة العالم للشعب الفلسطيني، كما اتاح فرصة للبعض من العرب الذين ينتظرون الفرصة للتحرر من التزامهم القومي والأخلاقي والقانوني تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل.

كان من الممكن أن يكون المشهد مفهوماُ لو كنا في حالة انتقال فعلي من مرحلة التحرر الوطني إلى مرحلة الاستقلال والدولة، إلا أن هذا المشهد يجري في ظل استمرار الاحتلال وتعثر عملية الانتقال إلى الدولة وفي وقت تتكاتف فيه قوى اليمين الصهيوني مدعومة بتأييد غير مسبوق من الإدارة الأمريكية مع التطبيع العربي الجديد، وذلك بهدف تصفية القضية الفلسطينية.

دون التقليل من شأن تضحيات الشعب ومعاناته فإن المشهد السياسي الراهن مريع وملتبس على مستوى حالة الاشتباك مع الاحتلال) سلماً وحرباً، وهي المحك العملي لإثبات الجدارة الوطنية، وتاه عامة الشعب أو غالبيته واختلطت وارتبكت مداركه وأصبح يعيش في حالة ألا يقين من كل شيء حتى تاريخه الوطني والنضالي وثوابته التي تربى عليها ولا تشوب عدالتها شائبة أصبحت محل تساؤل عند البعض.

عندما يقف المواطن، وخصوصاً في قطاع غزة، الذي تم إفقاره وتجويعه وكي وعيه، متردداً وحائراً أمام مَن يقدم له الراتب أو (الكوبونة) أو منحة المائة دولار من جانب وواجبه الوطني بالنضال والدفاع عن الأرض والمقدسات من جانب آخر، فلا يمكن لومه إن اختار الراتب و(الكوبونة) والمائة دولار دون أن يسأل عن مصدرها وأدار الظهر للطرف الثاني، ليست هذه رِدة وطنية أو كفراً بالنضال ولكن تمسكاً بالحياة، والمسؤولية تقع على من أوصلوه لهذه الحالة من التعارض بين المقاومة والنضال من جانب، ومتطلبات توفير قوت اليوم والعيش الكريم من جانب آخر، بالإضافة إلى ندرة القدوة والقيادات الثورية الملهمة من الأحياء.

هذا الحالة من التسطيح والتجريف نلمسها حتى على مستوى المؤسسات والقيادات. فلا توجد مؤسسة رسمية يتوافق عليها الشعب ويلتف حولها كمرجعية وعنوان، فلا إجماع على منظمة التحرير ولا على المجلس التشريعي ولا على الحكومة ولا على مؤسسة الرئاسة، وحالة ارباك في التعامل مع القضايا الوطنية الاستراتيجية: تحرير فلسطين، المقاومة بكل أشكالها، منظمة التحرير وضرورة تفعيلها، الوحدة الوطنية والمصالحة، حتى لقاء الأمناء العامين للفصائل ما بين بيروت ورام ألله في سبتمبر الماضي وحوارات استنبول والدوحة التابعة لها والحديث عن تشكل هيئة قيادية موحدة للمقاومة ومواعيد للانتخابات كلها زادت المشهد ارباكا حيث بقيت مجرد قرارات ونوايا تبخرت بعد أشهر محدودة.

وانطلاقاً من العلاقة الجدلية بين الخطاب والواقع فإن الخطاب السياسي الفلسطيني الحزبي والرسمي يوغل مع مرور الأيام في الغموض والالتباس والافتقار للرؤية الاستراتيجية، وهو ما يعكس ويعبر عن حالة تيه خطيرة وأزمة عميقة في القيادة والنظام السياسي، وما يزيد الأمور تعقيداً ويفاقم الأزمة بؤس وضعف الحوامل الإعلامية والمؤسساتية لهذا الخطاب وخصوصاً القنوات التلفزيونية والصحف الرسمية والتنظيمات الحزبية.

لا غرو أن الاحتلال واختلال موازين القوى لصالحه والمتغيرات الدولية والإقليمية التي لم تأت كما تشتهي سفن الشعب الفلسطيني لها دورا كبيرا في هذه الصيرورة، ولكن القيادة والنخب السياسية تتحمل المسؤولية أيضاً عما آلت إليه الأمور، بالرغم من بعض الإنجازات التي تحققت.

يمكن القول إن أهم انجازات الشعب الفلسطيني تحققت خلال المرحلة الممتدة ما بين تأسيس المشروع الوطني منتصف الستينيات حتى عام 1988 حيث بدأت المراهنة عمليا على التسوية السياسية، وكل ما تسمى (انجازات سياسية) بعد ذلك هي في أغلبها استحضار وإعادة تدوير لإنجازات الشعب وحركته الوطنية خلال المرحلة السابقة.

صحيح، إن المرحلة الأولى لم تحرر أرضا ولكنها استنهضت الهوية الوطنية وعززت الكرامة الوطنية ووحدت الشعب وحافظت على الثوابت والحقوق التاريخية وآنذاك اعتراف العالم بحق تقرير المصير وبالحق بالحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني وحقه بمقاومة الاحتلال كما اعترف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعيا للفلسطينيين وتم افتتاح عشرات السفارات والممثليات عير العالم، بينما في زمن المراهنة على (التسوية السياسية) برعاية أمريكية وخصوصا في إطار تسوية أوسلو فقد زالت أو التبست الخطوط الحمراء وتوسَعَ الاستيطان وتغول المستوطنون وتسلق انتهازيون إلى مراكز صناعة القرار وتوارى أو تم تهميش المناضلين والثوار الحقيقيين، وكانت الحصيلة أرضا أقل وحقا أقل وكرامة أقل، حتى وإن كان لدى بعض القيادات نوايا طيبة أو خانتهم حساباتهم.

المطلوب مراجعة استراتيجية شاملة وليس مجرد ردود أفعال

عندما يصبح الحال على هذه الدرجة من الخطورة وهي حالة تشكل تهديداً ليس فقط للسلطة الوطنية ولحل الدولتين بل للوجود الوطني برمته، في هذه الحالة يجب تجاوز ردود الأفعال الآنية ووضع استراتيجية شاملة تتضمن مراجعة شاملة.

المفهوم العلمي والصحيح للاستراتيجية في المنعطفات المصيرية وفي حالة كالحالة الفلسطينية يجب أن تتضمن مراجعة شاملة لمجمل المسيرة الوطنية، من سلوكيات وأيديولوجيات وأفكار ومسلمات وبنى تنظيمية وشبكة علاقات وتحالفات، لأنها كلها تتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه.

وعندما نقول ونطالب بمراجعة استراتيجية لأنه منذ دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر (دورة إعلان الاستقلال) في الخامس عشر من نوفمبر 1988 لم يجري أي لقاء وطني توافقي ولم تحدث أية مراجعة استراتيجية حتى داخل منظمة التحرير، بالرغم من الأحداث الجِسام التي مرت على القضية الوطنية، واستمر النظام السياسي يعاني من حالة تخبط وتيه ومراهنة على الخارج وتجريبية قاتلة وما يصدر عنه مجرد ردود أفعال وقرارات لا تنفذ غالباً.

في المنعطفات التاريخية وعندما تكون الأمة والوطن في خطر فإن الأمر يحتاج لوقفة مراجعة شاملة لمعتقدات وأيديولوجيات وسياسات وطابوات وبرادغمات تعايش معها وتعود عليها الشعب لعقود حتى توَهَّم أنها مسلمات وحقائق وأن النصر والتحرير لن يتأتيا إلا بها ومن خلالها دون الانتباه لما يطرأ من تغييرات وتحولات في النظامين العربي والدولي وفي داخل المجتمع الفلسطيني.

هذه المراجعة والاستراتيجية الجديدة قد تكون صادمة ومؤلمة وتضر بمصالح فئات عديدة، ولكنها ضرورية حتى يستفيق الشعب من غفوته ومن المراهنات المريحة نفسياً ونظرياً، والمنافية للعقلانية السياسية والمدمِرة لمصلحة الوطن عملياً.

وفي هذا السياق، فالاستراتيجية الوطنية المطلوبة يجب أن تكون في سياق التفكير خارج الصندوق، الفكري والمؤسساتي، وأن تضع محل النقاش قضايا بعضها كان بمثابة مسلمات عند انطلاق الثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات وأخرى تم اصطناعها أو ترويجها لاحقاً كمسلمات وحقائق. والمراجعة ليس بهدف التجاوز والقطيعة كلياً، بل بهدف التمحيص وإعادة النظر للتأكد من مدى ثباتها وموائمتها في ظل المتغيرات المتسارعة في العالم، وأهم هذه القضايا أو (المسلمات): -

1- عدم حل القضية الفلسطينية يهدد السلام العالمي!.

2- اليهود يسيطرون على العالم ويوجهون سياساته!

3- القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى!

4- فلسطين وفي قلبها القدس والمسجد الأقصى مقدسة لأكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين!

5- ستقام الدولة الفلسطينية من خلال الشرعية الدولية والأمم المتحدة!

6- المقاومة والجهاد المقدس الطريق الوحيد لتحرير فلسطين!.

7- الانقسام سببه خلافات فتح وحماس!.

8- منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

9- لا يمكن الاستغناء عن السلطة/السلطتين والأحزاب السياسية القائمة!!!

بناء على إعادة تقييم (المسلمات) السابقة يمكن صياغة الاستراتيجية المطلوبة التي تحتاج حضور كل المكونات السياسية والمجتمعية من داخل منظمة التحرير ومن خارجها.

وهذه بعض الخطوط العريضة يمكن التفكير فيها كأساس للاستراتيجية الوطنية المطلوبة:

1- وضع حد لمهزلة حوارات المصالحة بالشكل الذي كانت تجري عليه طوال عشرة أعوام، وهذا يتطلب تغيير الأسس والمنطلقات التي تقوم عليها الحوارات، وتغيير الأشخاص المكلفين بها.

2- السلطة والأحزاب والفصائل بكل مسمياتها وأيديولوجياتها مجرد أدوات لتحقيق الأهداف الوطنية وليست ثابت من الثوابت الوطنيةـ وقد أثبتت فشلها لذا يجب تغييرها.

3- لأن الطبقة السياسية في غزة والضفة وصلت لطريق مسدود ولا يمكن المراهنة عليها في وضعها الحالي لمواجهة تصفية القضية، يجب إجراء الانتخابات العامة بكافة مستوياتها برعاية دولية، لأنه لو تُركت الانتخابات تحت تصرف حركتي فتح وحماس فسيتم إعادة انتاج نفس الوجوه والبرامج.

4- ما بعد الانتخابات بكل مستوياتها وبغض النظر عن الحزب الفائز يجب تشكيل حكومة وحدة وطنية، والمجلس الوطني الجديد يصبح صاحب القرار في تحديد الهدف الاستراتيجي النهائي والأهداف المرحلية.

5- إعادة صياغة العلاقات الفلسطينية مع العالمين العربي والإسلامي على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار السياسة الواقعية وليس الاعتبارات الأيديولوجية القومية والعلاقات التاريخية فقط.

6- إعادة النظر في المراهنة المبالَغ فيها لمنظمة التحرير على الشرعية الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.

7- إعادة النظر بمفهوم المقاومة واستراتيجيتها، لأن ما يجري على حدود قطاع غزة لا علاقة له بالمقاومة بل يسيء لها ويُسخِّفُها، كما أن العمليات الفدائية الفردية في الضفة الغربية لا تكفي.

8- مع ضرورة الاستمرار بالتمسك بخطاب السلام والتسوية السياسية العادلة إلا أنه مطلوب إعادة النظر بالنهج المتبع في التعامل مع التسوية والشرعية الدولية وبالدبلوماسية الفلسطينية بشكل عام.

9- الحسم في موضوع السلطة الفلسطينية وما ارتبط بها من اتفاقات وبروتوكولات، وهل ما زالت ضرورة ومصلحة وطنية؟ وإن كانت كذلك فكيف نجعلها نقطة انطلاق نحو الدولة؟ وإن لم تكن كذلك فما هو البديل لها؟

10- العمل على التحرر رسمياً وشعبياً من ابتزاز التمويل الخارجي أو المال السياسي، فهذا الأخير كان سبباً في اختراق حصانة المجتمع وافساد مؤسسات المجتمع المدني.

ربما بعض مكونات الطبقة السياسية مُلمة بكل ما سبق ومقتنعة به إلا أنها غير قادرة على تنفيذه بفعل بنيتها وارتباطاتها ومصالحها، وخصوصاً أن قرارات وتصريحات صدرت عن القيادات والمؤسسات الرسمية والحزبية طالبت أكثر من مرة بالأخذ ببعض هذه العناصر ولكن دون جدوى.

ومع ذلك، فلن نفقد الأمل لأننا نلمس حالة غضب وتمرد عند الشعب، وجذوة وطنية خامدة عند البعض من الطبقة السياسية ممن لا يرغبون بأن ينهوا حياتهم بوصمة الخيانة. حتى وإن لم تستجب الطبقة السياسية لهذه الاستراتيجية وغيرها من النصائح والمقترحات التي قدمتها أكثر من جهة وطنية، يبقى الأمل بأن تكون المراجعة الاستراتيجية أساساً لتفكير جديد خارج الصندوق.

الخاتمة

ما طرحناه أفكار للخروج من العدمية السياسية وقطع الطريق على من يريد استغلال سوء الوضع الفلسطيني الداخلي لتصفية القضية برمتها، وحتى لا يستمر الحال على ما هو عليه وتستمر الطبقة السياسية في الدوران في حلقة مفرغة وانتظار آت لا يبشر بخير إن استمرت الأمور على حالها.

لقد بات واضحاً أن الاستقلال الفلسطيني التام ليس قريب المنال حتى في حدود دولة في الضفة وغزة، وأن مراهنات طرفي المعادلة الفلسطينية، منظمة التحرير وحركة حماس، وصلت لطريق مسدود أو فشلت، كما أن المراهنة على أنظمة العالمين العربي والإسلامي لا جدوى منها وخصوصا بعد موجة التطبيع الأخيرة مع إسرائيل ومؤشرات على سير دول أخرى في نفس الطريق، لذا يجب الانطلاق نحو مراجعة شاملة وإعادة بناء البيت الفلسطيني.

Ibrahemibrach1@gmail.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق