عملية تسريب الوثائق الرسمية وغير الرسمية والمعلومات والاتفاقيات في الأوساط السياسية العراقية تندرج تحت إطار الصراعات والخلافات السياسية بين القوى والأحزاب. تترجم إلى حرب ملفات فساد وفضائح قد تكون صحيحة أو اتهامات غير صحيحة تحرف وتصمم لأغراض التسقيط والتشويه مقابل أموال تدفع للجماعات السياسية وللجيوش الالكترونية...
عملية تسريب الوثائق الرسمية وغير الرسمية والمعلومات والاتفاقيات في الأوساط السياسية العراقية تندرج تحت إطار الصراعات والخلافات السياسية بين القوى والأحزاب.
تترجم إلى حرب ملفات فساد وفضائح قد تكون صحيحة أو اتهامات غير صحيحة تحرف وتصمم لأغراض التسقيط والتشويه مقابل أموال تدفع للجماعات السياسية وللجيوش الالكترونية وبعض المدونين والناشطين والإعلاميين، وجزء منها موجه للرأي العام للتلاعب بتوجهات المواطنين ومواقفهم وخلط الأوراق إما للاعتياد على مناخات الفساد والتراجع والسلبية، أو للحصول على ردود أفعال تجاه الأحداث والمعلومات التي سربت للرأي العام.
عملية تسريب هذه الوثائق والمعلومات والغسيل القذر للخصوم أصبح أحد أدوات الصراع السياسي وإداراته، بل بات نشاطا ثابتا وفعالا لهذه الجهات، ومما يسهم في إدامة زخم هذا النشاط هو انتشار الفساد السياسي والإداري والمالي، ومخالفة الضوابط والقوانين والتعليمات، وهيمنة منطق الصفقات التواطئية على حساب الشفافية والعمل وفق مقتضيات الدستور والقانون والقيم السليمة.
كما يسهم اهتمام المواطن العراقي بهذه الفضائح والتسريبات نتيجة حالة الرفض السياسي للقوى والأحزاب من جهة، ولتموضع شرائح واسعة من المواطنين سياسيا من حيث الانتماء والاعتقاد بهذا الحزب أو القائد أو الجهة، مما يعمل على استخدام هذا النشاط في الضغط على الخصوم وتصفية الحسابات وانتزاع المصالح عند انتفاء واختفاء حالة التخادم.
ما يميز الواقع السياسي العراقي هو غياب عنصر الشفافية في تداول المعلومات والإحاطة بتفاعلات العمل السياسي ومجريات الواقع الإداري والاقتصادي والأمني، وأغلب ما يقال رسميا في وسائل الإعلام تجاه القضايا المصيرية مخالف لهذا للواقع المبني على أساس الصفقات والتفاهمات.
ولهذا يصدم المواطن في كثير من الأحيان عند تلقيه أخباراً وإطلاعه على وثائق تتعارض مع ما يعتقده ويتصوره إزاء بعض الشخصيات والأحداث والمواقف، ومنهم من يستغرب في أحيان أخرى مثل هذه التسريبات نتيجة تدفقاتها المستمرة في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولهذا لو كان هنالك ما يضمن تيسير حصول المواطن على المعلومات بشفافية لتغيرت كل مجريات العملية السياسية في العراق ويهيمن نسق إحلال المحاسبة والعدالة، مما يدفع إلى تجنب الإخفاقات والمخالفات لهذه الجهات وبالتالي يضعف ويقلل الاكتراث بتسريبات الوثائق والمعلومات والأخبار والاتهامات، وتنتفي الحاجة لها.
غياب الشفافية يعكس توتر البيئة السياسية في العراق التي تدفع بالتماس نشاط تسريب الوثائق لأهداف سياسيّة، كما يعكس انتشار هذه الظاهرة سهولة الحصول على تلك الوثائق والتسريبات نتيجة التقدم التقني في الحصول على صور وتسجيلات لمعظم النشاطات السياسية وغيرها للفاعلين السياسيين.
وكذلك يعكس ضعف إنفاذ القانون والخشية منه من هذه الجهات التي طالما تعتقد أنها فوق القانون، ورغم أن جزء منها يشرع القوانين أو يحتج بها عند وقع الضرر عليها إلا أنها غالبا مالا يطالها العقاب نتيجة تلك النشاطات المخالفة للقانون.
فمثلا هنالك قرار صدر من مجلس الوزراء العراقيّ عام ٢٠١٣ يمنع تسريب ونشر الوثائق الرسميّة لوسائل الإعلام أو أي جهات غير رسميّة أخرى، إلا أن الجهات السياسية والإعلامية تتحدى ذلك باستمرار، كما أن ممارسة هذا النشاط كما هو معروف أسلوب غير قانوني يحاسب عليه قانون العقوبات العراقي لعام ١٩٦٩ ونظمت المادة ٤٣٨ ذلك وقد عدت نشر الوثائق الرسمية دون موافقات أصولية في وسائل الإعلام المختلفة نوعا من الجرائم المعلوماتية، وهي بمثابة سرقة لتلك الوثائق والمحتويات من مؤسسات الدولة الرسمية يفقد ثقة المجتمع بالدولة وقطاعاتها العامة وموظفيها، لأنه يمثّل تقصير وإهمال من قبل الموظّف لعمله، يعاقب عليه القانون.
وتنصّ المادة ٤٣٨ على عقوبة تسريب الوثائق بالحبس لمدة سنة بحسب درجة خطورتها التي يقرّرها القضاء، وهذه الخطورة إذا ما امتدت إلى المساس بأمن الدولة وسيادتها فإن العقوبة تصل إلى الإعدام وفقا لأحكام المادة ١٦٤ من قانون التعديل العاشر المرقّم ٧٧ في قانون العقوبات لسنة ١٩٨٤ الذي ينص على "حكم الإعدام لكل من أتلف عمداً، أو أخفى، أو سرق، أو زوّر أوراقاً، أو وثائق، تمسّ سيادة العراق وأمنه".
رغم ما تمثله قضية تسريب تلك الوثائق والمعلومات من أهمية لتنوير الرأي العام وكشف ملفات الفساد وفضح الفاسدين وتقنين ممارسته كأحد الأبعاد الايجابية لهذا النشاط مهما كانت الأهداف التي يبرّر بها البعض، إلّا أنّها تمثل بلا شك تجاوز صريح للقانون والقيم والأعراف الأخلاقية، كما أنها تمثل إخلالاً بمسؤولية الموظف أو السياسي في حفظ أسرار الدولة ومؤسساتها التي يعمل فيها ويرتبط بها، وأيضا تعكس جانبا من عدم قدرة من يمارس هذا النشاط على مجابهة خصومه وفق الأطر القانونية لوجود ملفات ووثائق أيضا تدينه وتفضحه، أو لأنه يريد أن يحقق مآرب ومصالح سياسية بطريقة غير مشروعة، ولهذا يتوجب أن تلتزم هذه الجهات بالخيارات والآليات القانونية في كشف ملفات الفساد والمخالفات وتدير خلافاتها وفق منطق القانون بما يحفظ هيبة الدولة من جهة، وشرعية هذه الجهات ومصداقيتها أمام الرأي العام من جهة أخرى.
اضف تعليق