فتدخين النساء صار ظاهرة، ما أحبطني، بينما كنت متحمسا منذ مدة للكتابة عن الرياضة النسوية التي تقف عاداتنا وتقاليدنا حائلا دونها، في حين نريد من نصفنا الآخر أن يكون جميلا ورشيقا وحيويا، وهذا لن يكون الا بممارسة الرياضة، واذا كان يحق لي أن أكون ناصحا...
لا أريد أن أبخس حقه، فلا أشك أطلاقا بنيته، فلولا حبه للناس، وحرصه الشديد عليهم لما أقدم على هذا الفعل، فالنية معيار في التسامح والتغاضي عن الكثير مما لا يروق لنا من الآخرين، قد يُخطأ بحقنا أحدهم، وجل من لا يخطيء، ومن الخطأ ما هو غير مقصود، ولكن عندما تتبين سلامة نيته، عند ذاك ليس من الشهامة أن تتخذ سلوك الجفاء ازاءه، فقد قيل (انما الأعمال بالنيات)، والتزاما بهذه القيمة النبيلة، نسمع كل يوم عشرات النصائح من الأصدقاء، ولا يلتفت لتلك النصائح ويطبقها الا من كان متصالحا مع ذاته.
لكن أسوأها النصائح المباشرة التي يحذر منها علماء النفس، لأنها قد تدفع الشخص المقابل الى سلوك معاكس، وفي أحيان يدفعه فضوله الى تجريب ذلك الشيء، كالحاحك بنصح ابنك بالابتعاد عن التدخين، ويفاجئك في يوم وقد ارتكن زاوية كافيه ليدخن بشراهة مستمتعا بالصوت الذي تصدره الأركيلة ورائحة المادة المخلوطة بالتبغ، وعلى ذكر الأركيلة، والكلام (بالتفاطين) كما يقول مثلنا الشعبي، ان تدخين الأركيلة لم يقتصر على الشباب الذكور الذين نقلوا هذه الظاهرة من أشقائنا الشاميين بعد ان كانت الأركيلة لا يتعاطها في بلادنا الا نفر قليل من كبار السن، بل بدأت تنمو بين الاناث أيضا وبشكل متسارع.
فلم يعد بالمستغرب أن ترى فتيات بعمر الورد وعلى قدر كبير من الجمال ينفثن كميات غريبة من الدخان بصحبة حبيب او زميل او لوحدهن أحيانا، وهذا ما فاجأني عند دخولي أحد مطاعم بغداد الراقية في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة الماضي، فاستغربت اكتظاظ المطعم بالزبائن صباحا، وكثرة عدد الفتيات المدخنات، فتدخين النساء صار ظاهرة، ما أحبطني، بينما كنت متحمسا منذ مدة للكتابة عن الرياضة النسوية التي تقف عاداتنا وتقاليدنا حائلا دونها، في حين نريد من نصفنا الآخر أن يكون جميلا ورشيقا وحيويا، وهذا لن يكون الا بممارسة الرياضة، واذا كان يحق لي أن أكون ناصحا، أدعو وزارة الرياضة والشباب الى عدم الخنوع لثقافة المجتمع السائدة التي يشكل المتخلف فيها أكثر من المستنير، وألا تتميع مع هوى التيارات السياسية المهيمنة على واقعنا، وتتغاضى عن الرياضة النسوية، بل لابد من تفعيلها وايلائها ما يكفي من الاهتمام.
ولكي لا يسرح بي التداعي كما في التداعي الحر عند الروائية البريطانية فرجينيا وولف 1882 - 1941 أعود لما بدأتُ به الكلام، فما دعاني للكتابة عنه نصيحته التي كتبها على لوح خشبي وقال فيها: (لا تلزم خشمك)، فهو يعرف ان الآلاف من الناس سيمرون فرادى وجماعات، وقد يتجمعون قرب المكان الذي وضع فيه لوحه الخشبي، ومن المحاذير أن يتجمع الناس وتتداخل أنفسهم، فكورونا لهم بالمرصاد، ومن المؤسف أن يموت انسان بكورونا هذه الأيام، بينما اللقاح على الأبواب، وباشرت بعض دول الجوار بتلقيح شعوبها، وأبصارنا ترنو الى وزارة الصحة لنعرف منها ماذا فعلت بخصوص استيراد اللقاح، وأتمنى ألا تتذرع بالتخصيصات المالية، فمن يهوى القيادة، عليه أن يكون مدبرا .
ويبدو لي ان صاحب النصيحة يائس من اجراءات الوزارة، وأراد ان نعتمد الوقاية الذاتية، وأول نصائحه (لا تلزم خشمك)، وليس لدي اعتراض على هذه النصيحة سوى طغيان اللهجة العامية عليها، وتعليقها وسط الشارع الداخلي لمعرض الكتاب الدولي، مع ان رواد معارض الكتب من النخبة المثقفة، ويندر أن يزورها غيرهم، فاذا كنا نكتب باللهجة العامية للطبقة المثقفة، فبأي لغة نكتب لعموم الناس، ويقودنا ذلك الى انتقاد الجهات المعنية بسلامة اللغة العربية لإهمالها الاعلانات باللهجة العامية التي تكتظ بها شوارع بغداد، في حين احتفل العالم أمس الأول الجمعة باليوم العالمي للغة العربية.
اضف تعليق