ما يواجهه العراقي اليوم، هو تسليع القيم والمتاجرة بها، وان استمرار هذا الامر يهدد البناء الاخلاقي للمجتمع بالانهيار ويدفع باتجاه حلول عبثية، تعكس حالة اليأس التي يصل اليها البعض ممن حولتهم هذه السياسة الى عدميين وناقمين، وهو اقسى ما يصله انسان في اي زمن ومكان...
في فيلم (معالي الوزير) الذي ابدع فيه الفنان الراحل احمد زكي، هناك مشاهد تنطوي على رمزية عالية، فالوزير الذي يعيش تحت ضغط كوابيس مرعبة، تحوّل ساعات نومه الى جحيم، نتيجة لإيغاله في الفساد وسهرات المجون، يتحرر في تلك المشاهد من كوابيسه، ليس فقط لينام خلالها بعمق بل لتخاطب ضميره، او انها موجهة للمشاهد بما تحمله من معان كبيرة. فبعد أن يقضي سهرة ماجنة مع مرافقه عطيّة (هشام عبدالحميد)، يجد نفسه قريباً من مسجد منعزل نسبياً عن المدينة، فيقرر أن يبيتا ليلتهما فيه، وفعلا ينعم الوزير تلك الليلة بنوم هانئ وعميق، حتى ان امام المسجد يقول لمرافقه باللهجة المصرية، وهو ينظر للوزير الذي علت شمس اليوم التالي ومازال يغط بالنوم؛ «نايم زي القتيل وكأنه مشافش النوم من ثلاثين سنة »! وفي واقعة اخرى، عندما يطلب الحشيشة بالهاتف من احد مسؤولي اقسام الشرطة الذي كان وقتها في بيته ولا يصدق بانه الوزير، فيأمر ضابط الخفر بتوقيفه، ويوقف فعلا، ليمضي ليلته تلك في مركز الشرطة، لكنه ايضا ينام بعمق حتى الصباح ومن دون كوابيس!
الرسالة المراد ايصالها من هذين المقطعين مهمة، ومفادها ان الدولة بالنسبة للمواطن بمثابة حضن الأم الذي تطمئن بداخله النفوس، وهي هنا ممثلة بمركز الشرطة، وحين يكون في بيت من بيوت الله يشعر بطمأنينة وسلام داخلي، فيخلد الى نوم عميق، وهو ما كان الوزير يفتقده بسبب افعاله التي ابعدته عن معنى الدولة، فانتهك حرمتها، وعن الفضائل فغرق بالرذائل التي جعلت نومه مسلسلا من كوابيس قاسية، كما تظهر في الفيلم.
لعل اخطر ما اصابنا بعد العام 2003 هو ان اغلب الساسة اساؤوا الى هذين الركنين الاساسيين في حياة الناس، الدين والدولة، فالدين بات وسيلة للوصول الى السلطة، والسلطة باتت وسيلة لتدمير الدولة، حتى وصل الصراع فيما بينهم الى بيوت الله بقصد الاستحواذ على عائداتها.
ما يواجهه العراقي اليوم، هو تسليع القيم والمتاجرة بها، وان استمرار هذا الامر يهدد البناء الاخلاقي للمجتمع بالانهيار ويدفع باتجاه حلول عبثية، تعكس حالة اليأس التي يصل اليها البعض ممن حولتهم هذه السياسة الى عدميين وناقمين، وهو اقسى ما يصله انسان في اي زمن ومكان!
اضف تعليق