ان اللغة منطق زائف بدلالة عدم تعبير منطق اللغة التركيبي عن تجربة حسية نثق بها. وزيف منطق اللغة لا يمكن الحديث عنه بزيف لغة اخرى تجانسها الخاصية الزائفة وتشاركها بها، لذا وجد بعض الفلاسفة يتعذر الكلام عن اللغة باللغة. رغم رفع شعار البعض اننا يمكن التحدث عن اللغة بما وراء اللغة...
كيف يتسنى لنا التأكد ان ما هو قبلي معرفي زائفا منطقيا لغويا كونه لا يخضع لتجربة التحقق منه؟ يذهب اصحاب الفلسفة المنطقية التجريبية يتقدمهم رودولف كارناب (1891 – 1970) الى أن كل ما هو قبلي معرفي مستقل عن التجربة لا معنى له ولا يدل على شيء في تعبير اللغة الزائف عنه.
عليه ذهب فينجشتين أن اللغة منطق زائف بدلالة عدم تعبير منطق اللغة التركيبي عن تجربة حسية نثق بها. وزيف منطق اللغة لا يمكن الحديث عنه بزيف لغة اخرى تجانسها الخاصية الزائفة وتشاركها بها، لذا وجد بعض الفلاسفة يتعذر الكلام عن اللغة باللغة. رغم رفع شعار البعض اننا يمكن التحدث عن اللغة بما وراء اللغة. كلغة ثانية تقوم بمراجعة وتصحيح أخطاء الفلسفة ليس في شكلية اللغة وأنما فيما تعنيه بمضمونها الواصل الينا وعلينا يترتب مهمة نقده وتصحيح الاخطاء فيه.
ويؤكد بعض أصحاب مدرسة المنطقية الجديدة بالضد من النظرة التقليدية التي ترى في زيف اللغة لا جدوى التحدث عنها، قائلين اننا يمكن أن نتحدث عن اللغة بلغة ثانية، وأن الفلسفة برمتها تقوم على شرح معنى لغة بلغة اخرى. واشترطوا دعاة المنطقية الجديدة كي نخلص من الوقوع في ازدواجية الشك باللغة علميا يتوجب عليها أن تكون اللغة في أدنى درجات الواقعية المقبولة حوارا بين اثنين (كلاما). والجمل والعبارات المتعلقة بالامور النفسية وقضايا الفلسفة تكون فارغة بلا معنى لعدم امكانية التحقق منها تجريبيا. طبعا كانت هذه النظرة الساذجة رافقت حلقة فيّنا التي اسسها موريس شليك عام 1924.
هذه المفارقة الشكيّة باللغة كزيف لا يمكن خلاص اللغة منه الا بالانحيازالى المحتوى المضموني للغة التي تحمله دلاليا عن المدركات باستقلالية عن شكل لغة التعبير عنه وهذا مطلب صعب التحقيق كون اللغة شكلا ومحتوى هو دلالة واحدة لا يمكن الفصل بينهما ، والمادة أو الموضوع المضموني لا يمكننا نعته بالزيف في عجزنا تحقق تماثله مع اللغة ولا في تقاطعه مع زيفها، زيف اللغة غير المتحقق منه لا يمنحنا تفويضا بمصادرة حقيقة الوجود المادي بوصمه بالزيف بسبب عدم امكانية اللغة التعبير عنه بمصداقية تمثيله والتحقق التجريبي العلمي منه. كما يضعنا هذا الافتراض التعسفي أمام تمرير الالتفاف غير المبرر أن كل تعبير لغوي هو تعبير موصوم بالزيف الملازم له ولا توجد هناك لغة بريئة صالحة صادقة كوسيلة تعبير.
كل معرفة يدركها العقل تعبيرا لغويا لا تمّثل منتهى التماثل التطابقي الصادق بين اللغة والمعنى، لذا لا يمكننا الحكم على علاقة كل تعبير عن الاشياء والمواضيع على مر العصور انه صيرورة زائفة من التحولات والانتقالات التي اضطلعت اللغة توصيلها لنا الى وقتنا الحاضر، ولو كان أخذ الفلاسفة أن كل تاريخ الفلسفة زائفا في تعبير زيف اللغة، لما كانت الفلسفة وجميع معارفنا تقوم اليوم وفي الماضي على نقد المعنى المضموني بالفلسفة ولا تقوم على نقد شكل ومنطق تعبير اللغة عنها ولو أن شكل اللغة لا يعبر عنه الا بمضمون لغوي يلازمه ولا يفارقه حسب التعالقية بينهما.
على طول مسيرة تاريخية نشأة الفلسفة كان النقد يلاحق افكار وتفكير معنى اللغة كدلالة لمحتوى معيّن أكثر من أنهمامهم بشكلية تركيب منطق التعبير اذا ما كان زائفا علينا تركه أو كان صحيحا يمكن البناء عليه. نسبية المصداقية تلاحق كل شيء يحيط بنا من موجودات العالم الخارجي الى الانسان الى الطبيعة الى العقل وهكذا. نقد اللغة على امتداد تاريخ الفلسفة هو نقد المعنى في البحث عن معنى آخر، العالم والوجود لم تبنه اللغة كتفكير ولن تبنيه مستقبلا، لأن ادراكاتنا وتصوراتنا لما وراء تعبير اللغة يجعل من الشك بكل شيء واردا مقبولا لا بل واجبا مفروضا.
أن نشك باللغة هو أن نمارس الشك بكل شيء بالحياة التي نحياها وما يتفرع عنها من تساؤلات مفتوحة لا يقع على عاتق ومسؤولية تعبير اللغة الزائف عنها وحدها وما نحصل عليه من نقد تصحيحي في مجال اللغة يتوقف عليه تصحيح مسار الفلسفة والعالم من حولنا معرفيا بحمولة نقد المعنى... هذه النظرية الافتراضية لا تمتلك مشروعية التسليم الحذر بها. صحيح جدا فهمنا العالم يقوم على افصاحات اللغة، لكن في عمق اللغة نعثر دائما على ما هو أهم من أيهام المعنى المفصح عنه.
مركزية تحميل اللغة أخطاء الحياة وكل شيء يحيط بنا ندركه تجريدا لا تحل مشكلات الانسان ولا مشكلات العالم من حولنا. وخير دليل أن ما أنجزه العلم من تقدم هائل لم يكن يضع في حساباته تقاطع زيف لغة الناس ولا زيف لغة المنطق وعلوم المعرفة الانسانية هي سببا في تعثر مساره الانجازي.
لذا ليس غريبا أن يستعمل العلم لغة خاصة تقوم على لغة الرياضيات والفيزياء وغيرها بالمعادلات. كون العلماء يعرفون مأزق اللغة المعرفية في العلوم الانسانية والفلسفة أنها وصلت مرحلة الطريق المسدود. ولذا لا مجال عبور أستحالة أن تكون فلسفة اللغة هي مفتاح حل مشاكل الانسان على كافة الصعد أضافة الى أستحالة دمج الفلسفة مع الكلية العلمية الشاملة التي قرع طبولها فلاسفة الوضعية المنطقية وخرجوا منها خالي الوفاض من العرس اللغوي الذي اقاموا الدنيا به ولم يقعدوها.
يرى كارناب وهو من رواد الوضعية الجديدة (حلقة فيّنا) :" الموضوع الوحيد للتجربة هو الاحساس، وتكون النتيجة أنه يكون ليس بمقدور الانسان الخروج من جلده ليمسك الواقع" 1.، كما يعتبر " مشكلة الواقع والحقيقة مشكلة زائفة لاننا لا نلتقي الا باحساساتنا، وأما وجود الاشياء الخارجية التي يظن أنها مختلفة عن أحساساتنا فهو أمر لا يمكن التحقق منه ".
هذا التعبير بكل ما يحمله من تعبير فلسفي اشكالي جدالي يحتمل أوجه قراءات عديدة تضعنا بعضها أمام الاستنتاجات التالية:
- اولا شك التمييز بين أن تكون اللغة أحساسات داخلية هي صادقة أكثر من تعبيرات اللغة المنطوقة أو المكتوبة، وصواب منطق الاحساسات غير المفصح عنها لغويا لا بالصوت ولا بالكتابة يكون هو المعوّل عليه في منحنا حقيقة تطابق الاحساسات اللغوية مع دلالاتها الغير قابلة لتحقق منطق التجريب في انعدام تطابق اللغة غير الزائف المنطقي عما تعبر عنه، وهذا العجز يجعل الانسان يراوده الاحساس النفسي في رغبة الخروج من جلده في محاولته اليائسة الامساك بالواقع ليؤكد أن الاحساسات اللغوية عن ذلك الواقع أصدق من تعبير اللغة القاصر ولا تحتاج الاجهار باللغة المنطوقة أو المقروءة الزائفة عنه، الذي يعدم لغة التعبير العادية، ويعتمد صدقية لغة الاحساسات التي لا يمكن ترجمة صدقيتها بتعبيرها الحقيقي عن الاشياء كونها لغة صمت ادراكي عقلي.
أن ندرك صدقية الادراكات على زيف تعبيرات اللغة هي مشكلة لا تجد حلا لها بالصمت الادراكي، لذا يكون عجز الاحساسات في ابتداع اللغة التماثلية في المطابقة الصادقة مع الاشياء تكون بالمحصلة أحساسات زائفة ايضا لعدم القدرة من التحقق التجريبي لها. تحقق تجريب صدقية وعدم زيف الاحساسات يفوق صعوبة امتحان اللغة في وصمها بالزيف القاصر عن الالمام المنطقي الصحيح في التعبير.
عدم تشاكل الاحساسات مع تمثيلها التعبير عن الاشياء يصدمنا بأحساسات زائفة مثلها، يعطي تفويضا للعلم بوجوب ترك محاولة الفلسفة التقاطع معه ولا حتى مسار التوازي معه. كون حقيقة تقاطع الفلسفة مع العلم لا تمتلك مقومات التحقق من الامكانية وكذلك توازي مسار الفلسفة مع العلم لا يعطي العلم تبعية فلسفية له أو وصاية فلسفية عليه. أمام هذا اليأس في المنطقية الجديدة عمدوا الدعوة في وجوب أدماج كل العلوم والفلسفة والرياضيات بما أطلقوا عليه (العلم الكلي).
- اللغة التي نتعامل بها زائفة وغير حقيقية فاقدة لميزة تحققها الادراكي في التماثل المتطابق بالاشياء والمعارف حسب الوضعية المنطقية، والاحساسات التي هي لغة استبطانية يحكمها الادراك العقلي لا علاقة ترابطية تجمعها بحقيقة ما تعبّر عنه، بما يجعل من عجز وزيف اللغة كلاما وكتابة، أقل بكثير من أرجحية تغليب زيف الاحساسات غير المتحقق منها. وبحسب المناطقة الجدد نفهم عنهم لا فرق بين زيف الاحساسات غير المتحقق منها، بالمقارنة مع الشك باللغة الزائفة التي لا تمثل واقعا أو حقيقة اكثر من كونها منطق لغوي تركيبي لا يمتلك تجريبية التحقق منه.
لا في شكل تعبيري ولا في محتوى مضموني كون الاحساسات لغة ادراكية استبطانية غير مفصح عنها فكيف يمكن لنا الحكم على مصداقيتها غير المنظورة ولا المتعينة أنها أكثر حقيقية من زيف اللغة التعبيرية عن الاشياء؟. وبهذه الحالة لا يكفي أن يكون التعبير عن الصدق الاحساسي متمثلا مجازيا في عدم أمكانية الانسان الخروج من جلده في محاولته الامساك بالواقع. صدق الادراك لا يلغي زيف تعبير اللغة. وادراك الشيء على حقيقته بما تعجز اللغة الالمام والاحاطة به، لا يجعل من الادراكات الصادقة وسيلة فهمنا العالم وخلاصنا من زيف اللغة.
ما ذكرناه عن الاختلاف بين اللغة التعبيرية والاحساسات على لسان المناطقة الوضعيين الجدد لا يلغي حقيقة أن احساسات اللغة عن الشيء هي نفسها لغة التعبيرعنه. من حيث أن جوهر كل تفكير أو حقيقة كل أحساس في رغبة التعبير عنه لغويا يكون بوسيلة لغوية بأي شكل من اشكال التعبير اللغوي عنها. ونضيف أكثر أن لا غرابة مما يعتبره الوضعيون بابا مقفلا امام معرفتهم حقيقة تماثل اللغة مع الواقع الشيئي حين يجعلون من الاحساسات كما يذهبون له تصطدم في محاولة معرفتها حقائق الواقع والاشياء بأحساسات حقيقية أو زائفة غيرها. كون اللغة هي بالاساس في كل اساليب وتنوعات استعمالها واستخدامها هي تجريد مرتد من الواقع تجاه الانسان على شكل احساسات لغوية تصورية.
فتعبير اللغة عن الواقع لا يتيح أمام الانسان الامساك بما تعبر عنه اللغة من احساسات. اللغة تجريد أستدلالي في أدراك الواقع، ويبقى الواقع مدركا حسّيا ربما لا يحتاج الانسان غير الحواس في معرفته وهو طريق أعمى.
أدراكات الاحساسات للاشياء التي تعجز اللغة ترجمتها بامانة وصدق أنما تكون بالنتيجة زائفة لعدم تحققها في مدركاتها كلغة تواصلية ندركها عليه تكون الاحساسات ليست أكثر مصداقية من اللغة لأنها هي اللغة.
الثانية اذا عدنا الى أن حقيقة الاحساسات هي لغة خاصة بها استبطانية لا يمكن التحقق منها تجريبيا تصبح الادراكات الاحساسية الصامتة للاشياء لا قيمة لها ولا معنى. كون قدرة الفهم اللغوي تقوم على حوار أو على تعبير لغوي في محاولة تماثل الاشياء مع التعبيرعنها وهذا ما لا يتوفر بالاحساسات المجردة في حال تسليمنا أنها لغة تجريدية ايضا. لا يمكن لصدقية الادراك ترجمة توقه وشغفه المستميت في تعبيره عن الواقع الانطولوجي بمعزل عن زيف لغة التعبير. خلاص الادراكات من زيف اللغة محال.
عدم التماثل الحقيقي بين تعبير اللغة والشيء في وجوده الذي يجعل التعبير عنه صوريا حواريا أو أحساسا أستبطانيا صامتا لا يمنحنا تفويضا أن يكون لامعنى اللغة سببه يكمن في منطق من النسق اللغوي التركيبي الادراكي الذي لا يمكننا التحقق منه أن لا يكون زائفا.
الشك الذي يطال اللغة والاحساسات بالادانة الزائفة لا يعفي أن تكون محصلة كل شيء بالحياة غير حقيقي زائف، كون اللغة ربما تكون أصدق تعبير عن واقع غير حقيقي نعيشه ولا نستطيع أدراكه والتعبير عنه بمصداقية من غير تجريد اللغة.
بمعنى بدلا من ادانتنا اللغة بالزيف لماذا لا ندين كل موجودات الحياة والانسان ومعرفتنا الطبيعة والفلسفة ما عدا الرياضيات والعلوم أنها تمظهرات زائفة ليست حقيقية ولا متحقق منها تجريبيا حتى نتماشى مع نظرية الوضعية المنطقية التجريبية. وبذا نضع أنفسنا في شك مطلق مطبق يطال كل شيء. خاصة عندما يقر الوضعيون الجدد (أن مشكلة الواقع والحقيقة مشكلة زائفة) لأنها تنتهي بالاحساسات التي لا يمكن التحقق منها ولا يمكنها التعبير بغير ملازمتها اللغة، التي يعتبرونها هي الاخرى زائفة، وليس هنالك من دليل أن الاحساسات الادراكية هي تعبير لغوي صامت صادق أكثر من تعبير اللغة التواصلية. فتصبح اللغة والاحساست اللغوية غير المفصح لا يمكن التحقق منهما كليهما كحقيقة استدلالية صادقة وانهما يتبادلان صدقية التعبير وزيفه عما ندركه حسيا ونحس به أستبطانيا. وبهذا لا تكون ثقتنا بصدقية الاحساسات على الشك بزيف اللغة ليس في محله.
الحقيقة التي يتجاهلها المناطقة الجدد هو عدم امكانية انفصال الاحساسات الادراكية عن اللغة باعتبارهما كليهما لغة واحدة، فالاحساسات غير المفصح التعبيري بواسطتها عن الاشياء هي لغة صامتة لا تمتلك امكانية التعبير، وهي تجريد ايضا كما هي اللغة التعبيرية المفصح عن نفسها تجريدا ايضا. بمعنى أن فلاسفة المنطقية على خطأ كبير في أعتبارهم الاحساسات الصامتة اكثر صدقية من اللغة التعبيرية عن الاشياء.
والخطأ الآخر هو محاولة استبدال مصداقية الاحساسات عوضا عن اللغة الزائفة لا يدركون عدم أمكانية الفصل بين اللغة والاحساسات المرتبطة بها في تعبيرهما الصامت بالاحساسات أو المفصح عنه بتعبيرات اللغة. فرق اللغة عن الاحساسات هي أن اللغة تعبير ظاهري خارجي يمكننا ادراكه بخلاف عن الاحساسات الصامتة في عدم قدرتها الانابة عن اللغة في الادراك. وما عدا هذا الاختلاف فأن اللغة الصامتة هي ادراك احساسي صامت ايضا.
لا شك أن العديد من مباحث العلوم الانسانية لا ينطبق عليها منهج التجريب النقدي الذي تعتمده الوضعية المنطقية التجريبية، وكل ما يحيط بنا من عالم خارجي يخرج عن منهجية التجريب العلمي والرياضي يكون لا محالة موضع شك يحمل معه مطلب الادانة أو التصحيح.
اللغة لا تكمن حقيقتها في التماثل المتحقق منه في تعبيرها الصادق المحكم عن الاشياء، بمقدار ما تكون حقيقة اللغة أنها سلسلة لا متناهية في التصويب وتخليصها من براثن خطأ لا تدعي اللغة معصوميتها منه.. اللغة ملازمة لأخطاء كل موجود من حولنا، لذا ملاحقة المعنى باللغة يتجاوز شكل منطق التعبير كما يتجاوز كل المضمرات الاحساسية التي لم تستطع اللغة التعبير عنها. من هنا كانت أهمية النقد والتصحيح في معنى اللغة وما تحمله من مضمونية معرفية لم تسلم من النقد التصويبي الذي طالها على مر العصور والاجيال.
أننا غالبا ما نتناسى حقيقة عندما نقول لغة أنما نقصد بها معرفة فكرية وليس لغة مجردة بلا معنى لانها لغة مجردة مرتين مجردة في تعبيرها عن الواقع، وثانيا مجردة في تجريدها الاغترابي عما تعجز حمله من مضمون ومحتوى استدلالي بها وعنها.
أعتبر كارناب(1891 – 1970) أحد مؤسسي المدرسة المنطقية انه " لا دور للفلسفة كعلم كلي انطلاقا من رفض كل عنصر تركيبي في المعرفة، ويجد كارناب قضايا العلم بعدية دائما وتستمد معناها من النسق المنطقي الذي تندرج فيه، كما أدان كارناب الفلاسفة الذين يعمدون وضع قيود على الاستعمالات اللغوية، بل واجبهم تحديد الشروط التي بها تصدق العبارات منطقيا وتتحدد بها مدلولاتها. (ويكيبديا الموسوعة).
بضوء ما جاء به كارناب نجد ليس سهلا أن تكون الفلسفة علما من تكوينات العلم الكلي في جمع المعارف والعلوم باستثناء ما يتعلق بقضايا الميتافيزيقا وهو ما يسعى له بعض الفلاسفة. الفلسفة لن تكون علما ولا حتى جزءا من طموح تكوين العلم الكلي الشمولي بمجرد أمتلاكها لغة المنطق العلمي التجريبي.
كما أنفرد ريشنباغ وهو أحد اعضاء المنطقية في معارضته مفهوم كارناب قائلا (يخطئ كارناب وزملاؤه حين يريدون تحقيق اليقين المطلق، اذ ليس هناك من يقين بل يوجد احتمال، واذا ما تاسس البحث على اساس الاحتمال فلا بد من تعديل مبدا التحقق الذي قدمته المنطقية التجريبية).
ويعتبر ما جاء به جورج مور مع تعاطف بعض فلاسفة المنطقية التحليلية تنظيمهم النقد الانشقاقي التام عن وضعية منطقية تجريبية حلقة فينا التي اسسها موريس شليك عام 1924، بما أطلق عليه مور الاتجاه التحليلي الذي اراد راسل الاستئثار به في تعميمه منطق الرياضيات على الفلسفة وفشل بذلك. على أثر هذه الانشقاقات النقدية تفرعت المنطقية الجديدة على عدة اتجاهات فلسفية تتجاذبها وهي:
- اتباع كارناب الذين يسيرون على هدى ما انتهى له في المرحلة الاخيرة من تفكيره الفلسفي، وسعوا نحو التوصل الى تعريفات دقيقة للمفاهيم الاساسية التي يستخدمها العلم في إطار لغة صورية.
- المدرسة التي تتتبع جورج مور التي اقامت منطقها الفلسفي على اللغة العادية التي تؤكد على ان الاتفاق مع اللغة المشتركة بين الناس، هو الشرط الاساسي للتحليل العلمي الصائب.
- اتباع فينجشتين الذين يعتبرون الفلسفة نوعا من العلاج المنطقي للخلاص من المشكلات الزائفة التي ينبغي رفضها تماما بالاعتماد على النظريات الوضعية الجديدة.6طبعا ليس معنى هذا التصنيف الذي اكدناه يلغي اسهامات انشقاقات فلسفية عديدة خارج ما جاء به كارناب ومور وفينجشتين تبناها فلاسفة عديدون غير هؤلاء.
اضف تعليق