q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

تداعيات اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده

على الأمن الإقليمي والدولي

من هو محسن فخري زاده، وما يمثله محلياً ودولياً؟ من يقف خلف عملية الاغتيال كيف ولماذا؟ ما هو الموقف الإيراني إزاء اغتياله على مستوى المؤسسات الإيرانية المختلفة وقادتها؟ ماهي ردود الأفعال الأبرز إقليمياً ودولياً على عملية الاغتيال عموماً والموقف الأمريكي والصهيوني خصوصاً، سيناريوهات الرد الإيراني المحتمل؟...

شهد يوم الجمعة الموافق 27 تشرين الأول 2020 حدثاً مهماً على صعيد الساحة الإيرانية والدولية تمثل باغتيال أحد أبرز علماء إيران النوويين في أحد الضواحي الشرقية للعاصمة طهران. يعد الحدث كبيراً وخطيراً في طبيعته، في مكانه وزمانه في ظل ظروف إيرانية معقدة، إذ تعاني من حصار اقتصادي خانق تفرضه الولايات المتحدة عليها، أسهم بشكل حاد في تدهور وضعها الاقتصادي والمالي، فضلاً عن تداعيات الوضع الصحي بفعل تفشي جائحة الفايروس التاجي (كوفيد 19). وانعكاس ذلك كله سلباً على حياة الشعب وأداء النظام الإيراني.

سنحاول في هذا المقال إثارة جملة من الأسئلة إزاء الموضوع، ومن ثم الإجابة عليها تباعاً، فرسم مشاهد أو سيناريوهات محتملة لما بعد عملية الاغتيال على صعيد الساحتين الإقليمية والدولية.

أولاً: من هو محسن فخري زاده، وما يمثله محلياً ودولياً؟

ثانياً: من يقف خلف عملية الاغتيال كيف ولماذا؟

ثالثاً: ما هو الموقف الإيراني إزاء اغتياله على مستوى المؤسسات الإيرانية المختلفة وقادتها؟

رابعاً: ماهي ردود الأفعال الأبرز إقليمياً ودولياً على عملية الاغتيال عموماً والموقف الأمريكي والصهيوني خصوصاً، سيناريوهات الرد الإيراني المحتمل؟

ان محسن فخري زاده مهابادي المولود عام 1958 هو ضابط إيراني في الحرس الثوري وأستاذ الفيزياء بجامعة الإمام الحسين بطهران، ويعتبر العالم النووي الإيراني الأول، ويوصف بأنه رأس البرنامج النووي والصاروخي، يعمل أيضاً رئيس مركز الأبحاث في وزارة الدفاع ومساعداً لوزير الدفاع. لقد ذكر رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي، أن زاده كان يعمل في مجالات عديدة ومهمة كعمله في الدفاعات الإيرانية.

ويعتقد مسؤولون غربيون أنه لعب دوراً محورياً في محاولات إيرانية سابقة لتطوير وسائل تجميع قنبلة نووية، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2011 أنه لعب دوراً محورياً في الأنشطة النووية الإيرانية. في العام 2007 أدرجه مجلس الأمن على قائمة العقوبات الدولية بصفته مشاركاً في أنشطة نووية. كما وصفه المرشد علي خامنئي بأنه أحد العلماء البارزين المميزين في المجالين النووي والدفاعي وأنه عنصر علمي فريد استشهد في سبيل الله لجهوده ومساعيه العظيمة.

لقد اتجهت أصابع الاتهام الإيرانية للكيان الصهيوني في عملية اغتياله، ليس من باب إذا أردت أن تعرف من يقف خلف حادثة ما، ابحث عن المستفيد فحسب، إنما وفق مؤشرات إضافية أخرى، في العداء المتحكم بين الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها في العام 1979 والكيان الصهيوني، وتصاعد حدة الصراع وعمليات التهديد والمواجهة في جبهات كثيرة، ولسوابق تاريخية في اغتيالات لشخصيات علمية إيرانية على يد الموساد الصهيوني، سنذكر منها أسماء في معرض الإجابة عن أسئلة أخرى طرحت، من تلكم المؤشرات أيضاً.

ان اسم زاده وضع منذ العام 2018 على رأس الشخصيات المطلوبة للكيان الصهيوني، إذ ظهر رئيس الكيان نتنياهو في مؤتمر صحفي وعرض اسم زاده وقال يجب أن نتذكر هذا الاسم جيداً. بعد حادثة الاغتيال، وكسابقة أولى، أن يخرج على الشعب الصهيوني مستعرضاً إنجازاته الأسبوعية، وأضاف أنه لم يذكرها كلها أو الأهم فيها، فضلاً عما قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إعادة نشر تغريدة على موقع تويتر للصحفي الصهيوني يوسي ميلمان قال فيها: (إن العالم الإيراني كان رئيساً لبرنامج بلاده العسكري السري، وكان مطلوباً للموساد منذ سنين).

بالإضافة الى موقف الصحافة والمواقف شبه الرسمية التي تفيد بذلك. منها ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية عن مسؤول في جهاز الاستخبارات الصهيونية، بشأن اغتيال زاده بقوله: على العالم أن يشكرنا. فضلاً عما أعلنته لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني يوم الأحد 29 تشرين الأول، أن التحقيقات الأولية تشير الى تورط إسرائيلي في اغتيال العالم النووي فخري زاده.

وأفاد المتحدث باسم اللجنة أبو الفضل عموئي (إن الجهات الأمنية توصلت الى معلومات مهمة حول اغتيال العالم زاده. كما أن ثمة مؤشرات أخرى تفيد ضلوع الولايات المتحدة وربما المملكة العربية السعودية بصورة غير مباشرة، استناداً الى ما كشفته وسائل إعلام مهمة عن لقاء في مدينة نيوم السعودية ضم كل من وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو ورئيس الكيان الصهيوني نتنياهو ورئيس جهاز الاستخبارات الصهيوني كوهين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبيل عملية الاغتيال بأيام قليلة إذ جاءت في 23 نوفمبر، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين الكيان الصهيوني والعربية السعودية، ولكنه جاء تعاوناً للوقوف بوجه الخطر الإيراني كما يصفه الطرفان وما جاءت لأجله عملية التطبيع بين الكيان الصهيوني مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين في المقام الأول.

وجدير بالذكر أنه على الرغم من نفي وزارة الخارجية السعودية الى لقاء نيوم، أكد وزير التعليم الصهيوني يوآف غالانت، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بحضور رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين خلال زيارة سرية الى السعودية، كذلك تم تأكيده من صحف أمريكية معتبرة، إذ ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن رئيس الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، قام بزيارة سرية قصيرة للسعودية التقى خلالها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمدينة نيوم، وكان برفقته رئيس الموساد يوسي كوهين بحضور وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، وأشارت إلى أن المحادثات تطرقت الى مواضيع عديدة، من بينها تطبيع العلاقات، والملف الإيراني. كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين لم تحدد هويتهم أن إسرائيل وراء عملية اغتيال العالم الإيراني.

أما الموقف الإيراني إزاء عملية الاغتيال فقد اشتركت في التنديد والغضب الشديدين على الصعيد الشعبي والرسمي، إلا إنها اختلفت في طبيعة الموقف النهائي منه أو طبيعة الرد عليه، بعد الاتفاق بينهم أن الكيان الصهيوني يقع خلف العملية بغطاء وضوء أخضر فاقع أمريكي ومباركة من بعض حلفائها العرب. ثمة مواقف متباينة بين تلكم المؤسسات يظهر تناقضاً بيناً بينها، إذ دعا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي معاقبة مرتكبي عملية الاغتيال ومن يقف خلفهم، وعلى المسؤولين المعنيين متابعة عملية الاغتيال ومحاسبة مرتكبيها ومن يقف خلفهم.

في حين صرح مستشاره لشؤون الدفاع حسين دهقان إن رد إيران سيكون ذكياً عبر تحديد زمان ومكان الرد وطبيعة الهدف. في حين صرح قائد الحرس الثوري حسين سلامي أنه اتخذ قرار الانتقام الشديد ممن خطط ونفذ عملية اغتيال زاده. أما رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قالي باف فقد توعد بانتقام من كل من يقفون خلف عملية اغتيال زاده، ومن نفذ الجريمة، بينما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني إن إيران لن تقع في فخ ما ينصب لها من مؤتمرات خبيثة في هذه المرحلة.

في الوقت الذي ذهب فيه وزير خارجيته جواد ظريف إلى أن هناك مؤشرات جدية على دور إسرائيل في قتل زاده، داعياً المجتمع الدولي الى إنهاء المعايير المزدوجة والمخزية وإدانة عملية الاغتيال واصفاً إياها بإرهاب الدولة، في الوقت ذاته وجه رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والى مجلس الأمن، قال فيها أن هناك مؤشرات خطيرة على مسؤولية إسرائيلية في اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، وحذرت من إجراءات متهورة من طرف الولايات المتحدة وإسرائيل خاصة خلال الفترة المتبقية من رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإنها تحتفظ بحقوقها في أتخاذ كل الإجراءات الضرورية للدفاع عن شعبها وتأمين مصالحه. بينما أعرب أمين مصلحة النظام الإيراني محسن رضائي عن موقف مغاير، إذ ذكر إن تكرار هذه العمليات سيعطي انطباعات بأن الحالات الأمنية للبلاد تشهد خروقاً وهذا سيكون خطيراً، إشارة منه الى المنظومة الأمنية الإيرانية إزاء هكذا حدث في عمق إيران ولهكذا شخصية مهمة، ولما شهدته من خروقات سيبرانية وتفجيرات وحرائق في منشآت عسكرية إيرانية قبل اغتيال زاده. يختم الموقف الرسمي الإيراني ما أكده وزير دفاعها أمير حاتمي، يوم الإثنين، 30 نوفمبر أن الرد على جريمة اغتيال فخري زاده قادم وحتمي، وسيكون قاسياً.

وبالرغم من هذه المواقف الرسمية التي وصفت بالمتباينة، إلا أن طبيعة النظام السياسي الإيراني يحل هذه الإشكاليات والمواقف منها بإحالتها الى المجلس الأمن القومي الإيراني، الذي يتكون من رؤساء وقادة هذه المؤسسات، وقد تم ذلك بالفعل إزاء عملية اغتيال زاده، فاجتمع المجلس في 29 نوفمبر، وأعلن عبر لجنة الأمن القومي فيه: إن التحقيقات الأولية تشير الى تورط إسرائيلي في اغتيال العالم النووي فخري زاده، وقال المتحدث باسم اللجنة أبو الفضل عموئي سنرد على عملية الاغتيال، وإسرائيل ارتكبت خطأ استراتيجياً وإن العملية لن تبقى دون رد.

أما في الجواب عن السؤال الأخير، في ماهية ردود الأفعال الأبرز إقليمياً دولياً وسيناريوهات الرد الإيراني المحتمل، فهو كما يأتي:

نددت وزارة الخارجية التركية بعملية الاغتيال مؤكدة على ضرورة محاسبة المنفذين ودعت الى التهدئة وضبط النفس. لم تكن ثمة إدانة خليجية سوى من دولة قطر عبر اتصال هاتفي جرى بين وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، إذ أدان الأول العملية بعد تقديم التعازي ووصف هذه العملية أنها تسهم في سكب المزيد من الوقود على النار في الوقت الذي تبحث فيه المنطقة المجتمع الدولي عن وسائل لتخفيف التوتر والعودة الى طاولة الحوار والدبلوماسية كما دعا الى ضبط النفس والسعي الى إيجاد حلول جذرية للمسائل العالقة، ودولة البحرين عبر وزارة خارجيتها، فقد نددت باغتيال العالم النووي محسن فخري زاده داعية جميع الأطراف الى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب انجراف المنطقة الى مستويات جديدة من عدم الاستقرار وتهديد السلم.

أما على الصعيد الدولي فقد أدانت كل من ألمانيا عبر خارجيتها معتبرة أن اغتيال فخري زاده سيزيد من تفاقم الوضع وحثت الأطراف كافة على الإحجام عن أية خطوات قد تؤجج التوتر في المنطقة، كما عبر الاتحاد الأوربي عن اغتيال زاده أنها عملاً إجرامياً يتعارض مع مبدأ احترام حقوق الإنسان، ودعا مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي جوسيب بوريل جميع الأطراف الى ضرورة التحلي بالهدوء وتجنب التصعيد الذي لن يكون في مصلحة أحد.

في حين أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن موسكو تدين بشدة اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده وتعتبر هذه الجريمة استفزازاً يهدف الى زعزعة الاستقرار في المنطقة. وبخصوص الموقف الصهيوني الرسمي الذي التزم الصمت، فقد أعلنت الحكومة حالة التأهب القصوى لسفاراتها في كل أنحاء العالم. أما موقف الولايات المتحدة فإنه أيضاً التزم الصمت، إلا أن الرئيس الأمريكي قام بعمليات عدة قبل وبعد عملية الاغتيال منها: ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست عن مسؤول رفيع أن الرئيس ترامب قد أبلغ مستشاريه أنه مستعد لإعطاء أوامر برد مدمر إذ قتل أي أمريكي في الهجمات المنسوبة الى إيران في العراق. كما أن مستشاريه نصحوا عدم توجيه أي ضربة استباقيه لإيران، وأنه أبلغهم أن مقتل أي أمريكي هو خط أحمر من شأنه أن يؤدي الى انتقام فوري وساحق.

جدير ذكره يبدو أن إيران قد أخذت ذلك على محمل الجد، فقد زار قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني ومسؤول عمليات إيران في الخارج بعد اجتماع ترامب بمستشاريه محذراً حلفاءه من أي عمل حاثهم على ضبط النفس، وفق ما ذكرته ذات الصحيفة.

كما أرسلت الولايات المتحدة مجموعة حاملات الطائرات (USS نيميتز) وهي أقدم حاملة طائرات أمريكية، على متنها زهاء 5000 بحار وعنصر مارينز، علماً بأن الولايات المتحدة قد أرسلت حاملة الطائرات إبراهام نلكولن الى المنطقة (منطقة الخليج العربي) قبل أكثر من عام إثر احتجاز إيران لناقلة نفط بريطانية، فظلاً عن إرسالها الى قاذفات جوية 52b الى المنطقة قبل تحرك البارجة نيميتز. هذا يضاف الى قواعدها العسكرية الثابتة في المنطقة كقاعدة العديد في قطر، ومقر الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين.

قد تقرأ كل هذه الاستعدادات والأساطيل البحرية على أنها رسائل ردع متواصلة لإيران، إلا أنها تقرأ كذلك وسائل ردع لإيران إذا ما قامت بعمل عسكري ضد الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني إزاء ما قد يقدما عليه تجاهها، ولعل تكثيف هذه القوات بحجة توفير الأمن بعد سحب الولايات المتحدة لبعض قواتها من العراق وأفغانستان، وتعزيز جهود التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي وحماية أمن الملاحة، بل أيضاً لحسابات استراتيجية تتعلق بمصالح أمريكي ومحاصرة إيران وحلفاءها والتواجد المكثف والتحكم في أهم منطقة عالمية من حيث الموقع والثروات والسيطرة العالمية، وكبح جماح قوى دولية منافسة كالصين وروسيا من التمدد والنفوذ فيها، فضلاً عن حماية الكيان الصهيوني الذي يعاني من مشكلات أمنية تضاف الى مشكلاته الصحية في ظل كوفيد 19 وأزماته السياسية والاقتصادية، وهو ما يشكل في أمنه، أحدى أهم الأوليات الاستراتيجية في السياسة الخارجية الأمريكية.

أما عن موقف إيران الحالي فلعله ليس بوسعها الرد والدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة، خاصة، مع بقاء ترامب في البيت الأبيض، إذ أن أي محاولة للرد عليها (عملية الاغتيال) أو القيام بعملية مماثلة على الكيان الصهيوني سيعقبه رد أمريكي صهيوني مدمر. قد تنتظر انتهاء ما تبقى من أسابيع قليلة لترامب، ومجيء إدارة جديدة برئاسة بايدن، عندها قد تقدم على عمل ما أو عبر حلفاءها لإرغام بايدن على العودة للاتفاق النووي وكنوع من الثأر ورد الاعتبار، أو للجلوس على طاولة مفاوضات جديدة ورفع الحصار عنها، وما اتخذه ترامب من قرارات تنفيذية صارمة إزاءها.

هذه جميعها لن تكون هينة على الطرفين إلا أنها كوسيلة لكسر حالة الجمود والتخفيف من حدة الصراع الذي بلع درجات حادة بينهما، وكلاهما يعلم تداعيات الحرب وما تلحقه من أضرار جسيمة، بشرياً، اقتصادياً، مالياً، وسياسياً. رغم أن السياسة الأمريكية لا تتغير كثيراً إزاء الأهداف الاستراتيجية، ومنها احتواء إيران، والوقوف بوجه برنامجها النووي والصاروخي، واذا ما علمنا أن من أقسى العقوبات الاقتصادية التي فرضت على إيران، واكثر عمليات اغتيال لعلماء إيرانيين، قد جاءت في عهد الرئيس السابق أوباما، والذي كان بايدن نائباً له، ويعتمد بايدن في فريقه الجديد إن تسلم السلطة على كثير من ذاك الفريق إبان عهد أوباما.

في العام 2010 تم اغتيال العالم مسعود علي محمدي، والعالم شهرياري، وأصيب العالم فريدون عباسي بجروح بليغة إثر محاولة اغتيال فاشلة. وفي العام 2011 تم اغتيال العالم داريونس رضائي، أما في العام 2012 فقد تم اغتيال العالم مصطفى أحمدي. نلحظ أن هؤلاء العلماء الإيرانيين قد تم اغتيالهم في عهد حكم أوباما، وقد ذكر جيمز رودنيز كبير الباحثين في المجلس الأمريكي للسياسة الخارجية ما نصه (أن في عهد أوباما قد تم اغتيال 4 علماء إيرانيين).

نلخص ما تقدم:

1- إن الأيام القليلة الباقية من حكم ترامب، قد تشهد مزيداً من القرارات والأحداث الصادمة إزاء إيران، لإحراج بايدن، وسد الطريق عليه في الرجوع الى الاتفاقية النووية التي انسحبت منها الولايات المتحدة في عهده، والعمل أيضاً على إفشاله أو تعقيد عمله بخلق مزيد من الصراعات أو تعقيدها سعياً منه للترشيح والعودة الى السلطة في انتخابات عام 2024، كما أن رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو يدفع لخلق هكذا أزمات ومزيد من إرباك المشهد مع إيران، خشية من برنامجها النووي والصاروخي، فضلاً عن توريط بايدن وما عنده الأزمات وجعله أمراً واقعياً وعدم العودة للاتفاق النووي، مستغلاً في كل ذلك، من وجود ترامب في البيت الأبيض، كما يسعى من خلال ذلك لتعزيز موقفه السياسي والتملص من أزماته والملاحقات القضائية وما تحوم حوله من قضايا فساد قد تؤدي به الى المسائلة.

2- على إيران تحديد أولوياتها الاستراتيجية وكيفية التعامل معها، والانفتاح الحقيقي على الدول العربية وعقد معاهدات تعاون مشترك، واتباع سياسات قائمة على أسس وقواعد القانون الدولي أخذة بنظر الاعتبار الروابط المشتركة بينها وبين الكثير من هذه الدول، تاريخيا، ثقافياً، جغرافياً، ودينياً.

3- على الدول العربية مراجعة سياساتها واتباع إجراءات تحقق أمنها واستقلالها ورفاه شعوبها، بعيداً عن الاحتماء بالقوى والأساطيل الأجنبية، وادراك حقيقة تاريخية، أن الكيان الصهيوني عدو أزلي، غاضب، معتدي، لا يؤمن بمبدأ، أو قانون، وليس له عهد ولا ذمة، لذا فمقاطعته والوقوف بوجهه يمثل أولوية قصوى لتحقيق أمن وسلامة وازدهار شعوبها.

4- ليس في السياسة ما هو ثابت، ومن الأحداث فيها ما لم يمكن متوقعاً، أو ردود الأفعال إزاءها، تخلقها ظروف ضاغطة أو وقوع أحد الأطراف المتفاعلة في خطأ الحساب. هذا ما قد يقع في الصراع الأمريكي الإيراني، خاصة أن ثمة من يصب النار على الزيت، كالكيان الصهيوني، فقد يدفع باندلاع حرب شاملة، الآن أو في المستقبل القريب.

5- العالم اليوم بحاجة لنظام دولي جديد أو إصلاح جذري، يعيد للدول وشعوبها استقرارها وأمنها، والحفاظ على كوكبنا الذي التاثت بيئته بفعل التلوث وانبعاثات الغازات وغيرها، والزحف المحموم على استنزاف موارده الطبيعية. إن الأرض اليوم ومن عليها وما عليها، في خطر كبير، لم يسبقه خطر مماثل له من قبل. نحن بحاجة لمراجعة في المواقف والقرارات والسياسات العامة، والعودة الى إنسانيتنا لنعيش بأمن وسلام دائمين.

* تخصص: علاقات دولية ودبلوماسية

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق