ثلاثة أحداث قاسية مرت بها تجربتنا السياسية التي توصف بأنها جديدة على الرغم من بلوغها سبعة عشر عاما، ولم نتمكن حتى الآن من ترسيخ أحجار التأسيس، فالتجربة مازالت هشة، واحتمالات انهيارها قائمة في أية لحظة، ذلك ان قادتها لم يتعلموا جيدا من دروس الماضي، لا القريب منها ولا البعيد...
ثلاثة أحداث قاسية مرت بها تجربتنا السياسية التي توصف بأنها جديدة على الرغم من بلوغها سبعة عشر عاما، ولم نتمكن حتى الآن من ترسيخ أحجار التأسيس، فالتجربة مازالت هشة، واحتمالات انهيارها قائمة في أية لحظة، ذلك ان قادتها لم يتعلموا جيدا من دروس الماضي، لا القريب منها ولا البعيد، مع ان الافتراض يذهب الى تحلي القائد بالقدرة على استشراف المستقبل، والعمل من أجل ألا يتكرر السلبي من التجارب، لكن الواقع يشير الى غياب الاجراءات التي تحول من دون تكرار تلك التجارب المميتة، وقطع الطرق على مَنْ يعتاش عليها، فما الذي تعلمته حكوماتنا المتعاقبة من درس الفتنة الطائفية، وما الذي عملته للقضاء على شر مستطير راح ضحيته آلاف الشباب في سنواتها السود التي تعرفون، لقد نست حكوماتنا تلك الحوادث، ولا زال بعض الفاسدين هم اللاعبون في قمة المشهد وعلى سفوحه، لذا من غير المتوقع أن يُتخذ ما يمنع تكرار المأساة.
ومع ان الوعي الجماهيري قد تبلور وتمكن من التصدي لهذه الفتنة، لكن الوعي لوحده غير كاف لمنع أعداء العراق من اشعالها ثانية، فبيننا واهمون، يرون لتقسيم البلاد بريقا، ولا تقسيم بلا فتنة، فلابد من قبر الفتنة الى الأبد، وذلك لن يكون الا بوعي مفهوم المواطنة، وترسيخه بقانون واجراءات صارمة.
وبعد هذا الدرس، وقبل أن تطأ أقدام المحررين لأرضنا من اغتصاب داعش في مناطقنا الغربية بسنوات قال العارفون ان تحرير العقول أهم من تحرير الأرض، فما كان للأرض أن تُحتل لو كانت العقول مستنيرة، فالظلاميون يتسللون من الجهل لاغتيال الوطن، ولم يكره الناس داعش بسبب جهودنا الهامشية في تنوير العقول، بل بسبب الويلات التي ذاقوها من عناصر التنظيم، وكيف عادوا بهم الى عصر الكهوف، ولأن حلولنا ظلت عسكرية، ولم تذهب الى غيرها، لذلك بقى داعش حيا، تنام خلاياه، ثم تصحو أينما وجدت أرضا رخوة، وهذا يعني ان حواضنها لازالت دافئة في هذا المكان او ذاك، وبين الحين والآخر تنطلق عمليات التطهير، ولأكثر من مرة في المكان الواحد، ويبدو أن لا نهاية لهذا الهدر بالبشر والمال، طالما لم تضع الحكومة التنوير هدفا، والمواطنة سلوكا، والتسامح منهجا.
فهل بمقدورنا تجسيد هذه المفاهيم على الأرض؟، ام لا نملك رؤية محددة لذلك، نحن لم نفشل بصوغ رؤية لتحرير العقول من الوهم، بل لم نفكر بالأمر أصلا، جميع الذين قدر لهم شغل الموقع الأول في بلادنا لم يتعلموا من درس الظلام: ان الشموع أمضى من السيوف في تحقيق الأهداف أحيانا.
وفي درس النور قلنا: ان لا حراك شعبيا من دون دوافع، ومن الحراك ما ينتهي الى الهاوية، واقتربنا منها في احتجاجات تشرين / اكتوبر، بعد أن جرّب الخائفون على أشخاصهم وليس الوطن شتى السبل للقضاء عليها، عنفا وتشهيرا وتغييبا، ومارسوا ذات الوسائل التي مارسها السابقون، ونسوا انها انتهت بهم الى المشانق، وكيلت للناشطين شتى الاتهامات وأولها العمالة للأجنبي مع انهم صرخوا بأعلى أصواتهم مطالبين بطرد الغرباء وبناء الوطن واستعادة الهوية، فكيف لشعب يتطلع لعيش كريم أن يكون عميلا،، ولولا رحمة كورونا التي عادت بغالبية الشباب الى البيوت مع غصة في الصدور، وأطفأت نيران الطرف الثالث التي كادت تُحرق أخضر البلاد ويابسها، ومع ذلك نسي من بيدهم الأمر ان الحراك قنبلة موقوتة يمكن لها أن تنفجر في أي وقت، ونسوا معها سيل وعودهم التي أطلقوها أواخر الليل.
فالعاصفة هدأت والنسيان طوى ما قالوه يوم اهتزت الكراسي واختفت الوجوه من على الشاشات، لكنهم لم يتعلموا من درس الحراك شيئا، هم هكذا، يجهلون ان المقتل في نسيان التعلم من دروس الماضي.
اضف تعليق