لا جدوى من النقاش حول مقولة ان العراق دولة فاشلة failed state لان هذا التوصيف ملموس لدى المواطنين وموثق لدى مراكز الدراسات والابحاث العالمية المتخصصة. ونعني بالفشل: عدم قدرة الدولة على القيام بوظائفها بما في ذلك توفير الامن، والاقتصاد، والحكم بالعدل، وضمان الحقوق، وغير ذلك...

لا جدوى من النقاش حول مقولة ان العراق دولة فاشلة failed state لان هذا التوصيف ملموس لدى المواطنين وموثق لدى مراكز الدراسات والابحاث العالمية المتخصصة. ونعني بالفشل: عدم قدرة الدولة على القيام بوظائفها بما في ذلك توفير الامن، والاقتصاد، والحكم بالعدل، وضمان الحقوق، وغير ذلك.

وللناس، في سياق تذمرهم من هذا الفشل، مذاهب شتى في تفسيره.. وايضا لست بصدد استعراض هذه المذاهب ومناقشتها، رغم ان بعضها يقع في خطأ علمي ومنهجي وهو تفسير الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية بعامل وحيد يغطي مقطعا واحدا من الساحة، ويفشل في رؤية مقاطعها الاخرى.

من هذا المنطلق، كان لابد لنا ان نبحث عن منظومة اسباب وعوامل تغطي كل الساحة الاجتماعية ليمكن تفسير ظواهرها المختلفة بما في ذلك ظاهرة فشل الدولة العراقية.

وبالعودة الى القاعدة التأسيسية للدولة والمجتمع نجد انها تتألف من ثلاثة عناصر هي: الناس، والارض التي يقيمون عليها، وشبكة العلاقات التي تربط الناس فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين الارض من جهة ثانية. ويجمع هذه العناصر وغيرها ما يسمى بالمركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به. وحين يحصل اي فشل في الدولة والمجتمع، فانه بالامكان تتبع اسباب الفشل الظاهرية لننتهي اخيرا الى المركب الحضاري للدولة والمجتمع. وعليه، فمن الطبيعي ان نشخص الاسباب الظاهرية للفشل، ولكن لا يصح الاكتفاء بها دون العودة الى جذرها الكائن في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به. ومن هنا يصح القول ان السبب الاعمق لفشل الدولة العراقية، بكل الظواهر السلبية الناتجة عن هذا الفشل او المصاحبة له، انما هو الخلل الحاد في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به. ويشمل هذا الخلل العلاقة بين الناس انفسهم بما في ذلك العلاقة بين الحكام والمحكومين، والعلاقة بين الناس والارض بما في ذلك بناء اقتصاد سليم يضمن الاستثمار الصحيح لخيرات الارض باطنها وظاهرها والاستمتاع بها بصورة تضمن وفرة الانتاج وعدالة التوزيع.

ويشكل عدم القدرة على ادراك هذا التفسير العميق والشامل لظاهرة فشل الدولة العراقية والعمل بموجبه خطرا كبيرا على كل محاولات الاصلاح التي يقوم بها الناس، لان محاولاتهم هذه سوف تتعامل مع النتائج والمظاهر الخارجية دون التركيز على مجموعة الاسباب العميقة المتمثلة في الخلل الحاد في المركب الحضاري والقيم الحافة به. وبالتالي يتكرس فشل الدولة بنوع اخر من الفشل وهو فشل المحاولات الاصلاحية، وهو ما نشهده منذ سنوات في العراق.

لا يقدم هذا التحليل المعمق صكاً ببراءة الطبقة الحاكمة عن مسؤولية هذا الفشل. كما انه لا بخلي ساحة الطبقة المحكومة من هذه المسؤولية، ذلك ان الخلل الحاد بالمركب الحضاري والقيم الحافة به يشمل الحكام والمحكومين معا، كلا بموقعه ومسؤوليته.

يفتح هذا التشخيص السليم الباب واسعا امام الاصلاحات الصحيحة لفشل الدولة العراقية والمشكلات الفرعية الناجمة عن هذا الفشل. وتتمثل هذه الاصلاحات في معالجة اوجه الخلل في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة بعناصره، من خلال اطروحة شاملة جامعة مانعة كما يقال في المنطق. وهذه الاطروحة هي فكرة الدولة الحضارية الحديثة التي تعالج الخلل في علاقة الانسان بالانسان في المجتمع الواحد، وعلاقة الناس بالطبيعة، وتشكل بالنتيجة افضل اطار للتفاعلات المثمرة بين عناصر المركب الحضاري، وهي الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل، ضمن منظومة القيم الحضارية العليا الحافة بهذه العناصر والتي توفر مؤشرات السلوك السليم بالنسبة للمواطن والمجتمع والدولة. ان تجاهل هذا الطريق المؤدي الى اصلاح الدولة العراقية يؤدي الى اطالة عمر معاناة العراقيين في مختلف مجالات فشل الدولة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق