وقد مثل ترامب، اضافة الى بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا وفيكتور اوربان رئيس وزراء هنغاريا، نماذج حية متطرفة للحكام الشعبويين، الذين ينحدرون من اصول سياسية محافظة، ويصلون الى الحكم باتباع سياسة دغدغة مشاعر الشعب، بالتعريف الذي يؤمنون به. وتمتاز هذه المشاعر بالعنصرية، والعزلة، واولوية الذات القومية...
سيتذكر التاريخ السياسي ان خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية، وهو من الرؤساء الاميركيين القليلين الذين خسروا الانتخابات وهم في سدة الحكم، تمثل هزيمة صارخة للشعبوية التي سجلت انتصارها الكبير بفوزه في انتخابات عام ٢٠١٦.
ليس بمقدوري تقديم تعريف جامع مانع للشعبوية، فقد عجز عن ذلك علماء اجتماع وسياسة متخصصون، لكني اشير الى الممارسات التي تشير الى ما يمكن وصفه بالشعبوية، واهمها الهبوط الى ادنى درجة يمكن ان يصل اليها العقل الجمعي للجمهور، حسب مصطلح گوستاف لوبون، وعدم احترام المؤسسات الدستورية والتقاليد السياسية من اجل ارضاء "الشعب"، وهو مصطلح يقترب من المجال الميتافيزيقي في الخطاب الشعبوي.
وقد مثل ترامب، اضافة الى بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا وفيكتور اوربان رئيس وزراء هنغاريا، نماذج حية متطرفة للحكام الشعبويين، الذين ينحدرون من اصول سياسية محافظة، ويصلون الى الحكم باتباع سياسة دغدغة مشاعر "الشعب"، بالتعريف الذي يؤمنون به. وتمتاز هذه المشاعر بالعنصرية، والعزلة، واولوية الذات القومية.
ويقرب هذا المعنى من مصطلح الديمقراطية غير الليبرالية Illiberal Democracy الذي صاغه الباحث السياسي الاميركي فريد زكريا في مقاله الشهير الذي نشرته مجلة Foreign Affaires في عدد تشرين الثاني/ كانون الاول لعام ١٩٩٧. وعنى به انظمة الحكم التي تصل الى السلطة بطريقة ديمقراطية، اي الانتخابات، لكنها لا تحترم القواعد الدستورية المتبعة من قبل الديمقراطية الليبرالية او الليبرالية الدستورية Constitutional Liberalism.
واستطاع ممثلو الديمقراطية غير الليبرالية الوصول الى الحكم بسبب تنامي مشاعر شعبوية لدى قطاعات واسعة من الناخبين في دول ديمقراطية عريقة، كبريطانيا والولايات المتحدة فضلا عن ديمقراطيات حديثة مثل هنغاريا، لاسباب اقتصادية واجتماعية مختلفة (مثلا: استحواذ الاوروبيين الشرقيين على كمية كبيرة من فرص العمل بسبب عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، مما ادى الى تصاعد الشعور العنصري الذي ادى بالنتيجة لنجاح التصويت لصالح الخروج من الاتحاد، او نجاح ترامب بشعاراته العنصرية في الوصول الى البيت الابيض، في نفس العام).
لكن حصول بايدن على اغلبية اصوات تمكنه من تولي الرئاسة تشير الى بداية انحسار التيار الشعبوي في المجتمع الاميركي، بفارق ٤ ملايين صوت تقريبا. لكنه ليس انحسارا مطلقا لان هناك حوالي ٧٠ مليون (٤٧,٧٪) صوتوا لصالح ترامب، وهي نسبة كبيرة تدلنا على حجم التيار الشعبوي في المجتمع الاميركي. وهذا يعني ان امام بايدن مهمة غير معلنة وهي اعادة انعاش الديمقراطية او الليبرالية الدستورية بعد ان اضعفها ترامب طيلة ٤ سنوات، ختمها باتهاماته غير الموثقة للعملية الانتخابية في في خطابه الذي اضطرت الكثير من القنوات التلفزيونية الفضائية الى قطعه لانها اعتبرته مسيئا الى سمعة الولايات المتحدة.
ككاتب عراقي، يهمني موضوع صعود او هبوط الشعبوية، لان المجتمع العراقي يعاني منها ايضا، وهي من بقايا نظام صدام المتخلف، الذي تاجر بشعارات وسياسات شعبوية ما زالت اثارها موجودة الى الان. واني اجدها بوضوح في وسائل التواصل الشعبي على الاقل من خلال تعليقات الكثير من المدونين التي تتناول قضايا داخلية وخارجية مختلفة. يهمني امر الشعبوية لانها من معيقات القضاء على التخلف واقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق، لانها تجعل من الصعب على الشعبوي القبول بالاخر المختلف حتى لو كان شريكا في الوطن، وتجعل من الصعب عليه ايضا القبول بالدستورية والمؤسساتية والقانونية بوصفها من خصائص الدولة الحضارية الحديثة.
ولهذا، فاني آمل ان يكون انحسار الشعبوية في المجتمع الاميركي دافعا الى انحسارها في المجتمع العراقي ايضا، مما يفسح المجال لفكرة الدولة الحضارية الحديثة بالانتشار وسهولة التقبل.
اضف تعليق