في نظام الانتخاب الفردي هناك مسألتان مترابطتان. الاولى: الترشيح الفردي، حيث لا يمكن الترشيح الجماعي ضمن قوائم مغلقة او غير مغلقة. والثانية عدد الدوائر الذي يجب ان يكون مساويا لعدد اعضاء البرلمان، بحيث يكون لكل دائرة نائب واحد، ولكي ينجح هذا النظام يجب ان يكون عدد المرشحين في الدائرة الواحدة...
في نظام الانتخاب الفردي هناك مسألتان مترابطتان. الاولى: الترشيح الفردي، حيث لا يمكن الترشيح الجماعي ضمن قوائم مغلقة او غير مغلقة. والثانية عدد الدوائر الذي يجب ان يكون مساويا لعدد اعضاء البرلمان، بحيث يكون لكل دائرة نائب واحد.
ولكي ينجح هذا النظام يجب ان يكون عدد المرشحين في الدائرة الواحدة قليلا جدا لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة وذلك لتحقيق عدة امور منها: الاول سهولة تعرف الناخب على المرشحين، والثاني سهولة وسرعة عد الاصوات، والثالث ان التنافس بين عدد محدود وقليل من المرشحين سوف يحفظ اصوات الناخبين من التشتت والضياع. وهذا يستلزم قلة عدد الاحزاب او الكيانات السياسية المتنافسة. وحين دعوتُ الى الانتخاب الفردي، كانت الدعوة مشروطة بهذه الامور، لان عدم تحققها ينفي الفائدة من الانتخاب الفردي، او يعقد العملية الانتخابية.
أضطرت احزاب الحكم (في السلطتين التشريعية والتنفيذية) الى القبول بفكرة الانتخاب الفردي تحت ضغط التظاهرات الاحتجاجية حين كانت في عنفوانها قبل ان تخترق وتسرق. لكنها بقيت تناور وتساوم من اجل افراغ الانتخاب الفردي من محتواه الجوهري. وكانت المساومة وعمليات الالتفاف والاجهاض تجري في منطقة الدوائر الانتخابية. ولم تكن احزاب السلطتين ترغب بالدوائر ذات العدد المساوي لعدد مقاعد البرلمان، واسفرت المناورات عن تقسيم غريب للدوائر في المحافظات اعتمدت فيه الكوتا النسائية كأساس. وبموجب هذا التقسيم اصبحت محافظة بغداد مثلا ١٧ دائرة (٦٩ نائبا)، ومحافظة واسط ٣ دوائر (١١ نائبا)، ومحافظة البصرة ٦ دوائر (٢٥ نائبا)، وهكذا. وسيكون معدل النواب المطلوبين في كل دائرة ٣-٤ نواب، على ان لا يتجاوز عدد نواب دوائر المحافظة العدد الكلي المقرر سلفا لكل محافظة.
الذين اقروا تقسيم الدوائر بهذا الشكل اما انهم لا يفهمون فلسفة الانتخاب الفردي، او انهم راعوا فيه مصالحهم الانتخابية فقط. والجمع بين الامرين اولى.
وبسبب العدد الكبير للاحزاب المسجلة (٢٣٠ حزبا حتى الان) فانه من المتوقع ان يكون عدد المرشحين في كل دائرة من الدوائر الجديدة كبيرا، قياسا على العدد الكبير للمرشحين في انتخابات عام ٢٠١٨ والذي كان ٧٣٦٧ مرشحا في ١٨ دائرة فقط، فما بالك بالعدد الكبير المتوقع لمرشحي الانتخابات المبكرة لعام ٢٠٢١؟!
لك ان تتصور ان يكون في كل دائرة من الدوائر الجديدة حوالي ١٠٠٠ مرشح كمعدل بناء على وجود ٢٣٠ حزبا يرشح كل حزب منهم ٤ مرشحين للدائرة الواحدة. سوف يكون من الصعب على الناخب ان يراجع قائمة المرشحين، وسوف يكون من الصعب على المفوضية اعلان النتائج في وقت سريع. سيقول الذين عارضوا الانتخاب الفردي بعد الانتخابات: الم نقل لكم الانتخاب الفردي فاشل! والحقيقة انهم هم الذين اجهضوا الانتخاب الفردي وانحرفوا به عن الطريق الصحيح كما فعلوا بالديمقراطية نفسها. ويمكننا القول ان الانتخابات القادمة ستكون تشويها لفكرة الانتخاب الفردي، كما شوهت عيوبُ التأسيسِ الديمقراطيةَ والنظامَ البرلماني، وهما من افضل ما انتجه العقل البشري في الحقل السياسي. بل يمكننا التوقع من الان ان الانتخابات القائمة لن تأتينا بالتغيير الايجابي المأمول لانها سوف تُجرى بطريقة منحرفة ومشوّهة.
الغريب في الامر ان تقسيم الدوائر الانتخابية بهذا الشكل مرّ مرور الكرام، ولم نلمس له ردّ فعل مضاد الا من قبل بعض الكتاب الواعين. والاشد استغرابا ان متظاهري تشرين صمّوا اذانهم واغلقول افواههم وكأنهم صارا مصاديق قوله تعالى:"وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا"، ازاء موضوع هو من اخطر الموضوعات التي تعرضت لها الدولة العراقية.
اضف تعليق