والحقيقة التي لا تقبل التأجيل ان البلاد بحاجة الى أوراق بيض في جميع القطاعات ان كنا حقا راغبين بإنقاذ البلاد مما هي فيه من واقع مزر، ومثلما طالب البرلمانيون وزارة المالية بورقة بيضاء لإصلاح الوضع الاقتصادي والمالي عليهم أيضا مطالبة بقية الوزارات بتقديم أوراقها التي نتطلع الى أن تكون اجرائية قابلة للتطبيق...
ينطبق على سياستنا الاقتصادية والمالية مثلنا السلبي القائل (اذا أعطوك بالدين، خذ بيديك الاثنين) ، يعني (غرف)، ولذلك وصلت ديوننا على لسان مقرر اللجنة المالية البرلمانية أحمد الصفار الى (120) مليار دولار باستثناء الديون (البغيضة) (40) مليار دولار، يعني (160) مليار دولار، ومع ضخامة هذه الديون المتراكمة من السياسات غير الرشيدة للحكومات السابقة الا ان المعنيين بالشأن الاقتصادي والمالي ما كان لهم أن يفكروا بالإصلاح لولا وصولنا الى حافة الهاوية تماما، والعجز عن الايفاء باستحقاقات الناس المتمثلة برواتبهم، وما يترتب على ذلك من تهديد شامل للنظام السياسي، ليقدموا ورقتهم البيضاء التي اشترطها البرلمان للموافقة على مشروع قانون الاقتراض الذي يؤمن رواتب الموظفين لنهاية العام الحالي.
فالتهديد الواقعي هو الذي اضطر المعنيين الى التفكير بالإصلاح، بدلالة مرور ما يقرب العقدين ظل فيها الاصلاح شعارا ترفعه بعض القوى في برامجها الانتخابية او اسما لبعض أحزابها وغيرها من الاستخدامات الفارغة التي لم تجد تجسيدا لها في الواقع، والسؤال ما حال القطاعات الاخرى التي تتراجع بشكل مريع، كالتربية والتعليم العالي والثقافة وغيرها، فالمؤسسات التي لا يشكل تراجعها تهديدا للقائمين عليها، غالبا ما يطولها الإهمال والنسيان، ولا تأتي الا في مؤخرة سلم الاهتمامات ان لم تكن خارجه.
مع ان تراجعها يعني تخريب الانسان، والحقيقة التي لا تقبل التأجيل ان البلاد بحاجة الى أوراق بيض في جميع القطاعات ان كنا حقا راغبين بإنقاذ البلاد مما هي فيه من واقع مزر، ومثلما طالب البرلمانيون وزارة المالية بورقة بيضاء لإصلاح الوضع الاقتصادي والمالي عليهم أيضا مطالبة بقية الوزارات بتقديم أوراقها التي نتطلع الى أن تكون اجرائية قابلة للتطبيق، وليست عبارات انشائية كالتي انطوت عليها برامج الحكومات منذ الاحتلال وحتى الآن، ولم نقبض منها شيئا .
فنحن خبراء بالإنجاز الورقي، فعندما تقرأ ما مكتوب على الورق تشعر بالفخار، لكن ما ان تنظر الى الواقع حتى ينتابك العار، ( المهارة في صناعة العبارة ) من اختصاصنا، ولا ينافسنا فيها أحد، ولذلك يحتفظ ارشيفنا بأكداس ورقية لا قيمة واقعية لها . ليس في وارد الكلام التقليل من شأن الخبراء الذين أعدوا ورقة المالية الاصلاحية، والأوراق المحتملة التي نتمنى ان تقدمها الوزرات الاخرى،.
الا ان الأهمية تكمن في مناقشة هذه الأوراق في مؤتمرات تعقدها الوزارات نفسها ويحضرها مختصون أكاديميون مشهود لهم بالكفاءة والخبرة لترصينها قبل عرضها على البرلمان، فالأوراق الاصلاحية هي رؤى مستقبلية للكيفيات التي يكون عليها الحال، ولا نريد اللعب بالاحتمالات، فمن الاحتمالات ما يقود الى منزلقات، كما انزلقنا سياسيا الى الفتنة الطائفية في الأعوام السود، بسبب أدعياء المعرفة الذين اتضح انهم لا يبصرون أبعد من أقدامهم، فتحولت البلاد بسببهم الى حقل تجارب، ننتقل فيها من مستنقع الى آخر.
ولا أظن من الصحيح بناء الآمال على مناقشة أعضاء البرلمان لهذه الأوراق، فأغلبهم غير مختصين، وثقافة الكثير منهم متواضعة ولا ترتقي لما هو وطني، ولن تثري مناقشاتهم هذه الأوراق بشيء ان لم تخربها.
لم يعد في الوقت متسع للمماطلة والمساومة والابتزاز والتسقيط والسلال الواحدة، فالأخطار والتحديات تهدد الجميع، ولا تتحمل البلاد في راهنها هزات اقتصادية وسياسية متوقعة، فهل هناك أخطر من أن يكون العجز (10) ترليونات دينار شهريا، مع أسعار متذبذبة للنفط، واذا كان اليوم بمقدور الحكومة الاستدانة لسد العجز، فليس ببعيد ذلك اليوم الذي لن تجد فيه من له الاستعداد لمساعدتها، بحاجة الى اصلاحات اقتصادية حقيقية بسقوف زمنية محددة، وبناء أمل للدائنين بأن العراق يمكن له التعافي في القادم من الأيام . ويفرض هذا الواقع على جميع القوى السياسية تحمل مسؤولياتها الأخلاقية ومؤازرة الحكومة في اجراءاتها الاصلاحية بصرف النظر عن مواقفها ازاءها، فلم تعد مهارة الكلام بنافعة لفوضى محتملة .
اضف تعليق