تتألف الاقلية المبدعة عندنا من عدد كبير من المفكرين والاختصاصيين والكتاب والاعلاميين والفنانين وعلماء الدين المتنورين وغيرهم، ويمكن لهؤلاء ان يصوغوا الرؤية الحضارية بلغة مفهومة محركة، وان يروّجوا لهذه الرؤية بطرحها في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتجمعات الشعبية الاخرى، وما اكثرها في العراق. ويمكن التمهيد لذلك بمناقشة هذه الرؤية الحضارية...
لا يمكن لمن يدعو الى الاصلاح ان يكون مصلحا حقيقيا ما لم ينطلق من رؤية حضارية لمشكلات المجتمع السياسية والاقتصادية والتربوية وغيرها، ولحلول هذه المشكلات. والسبب في ذلك ان هذه الرؤية الحضارية توفر للمصلح وعيا سياسيا عميقا، كما يصطلح السيد محمد باقر الصدر في احدى كتاباته المبكرة، بدون هذه الرؤية الحضارية والوعي السياسي العميق تكون الحلول والاجراءات "الاصلاحية" المفترضة سطحية وترقيعية وغير قادرة بالتالي على تحقيق الاصلاح المنشود التي يتضمن ايضا القضاء على الفساد وتحسين الخدمات والاداء الحكومي.
في حديثة اثناء اجتماعه بممثلي الكتل السياسية يوم ١٢ تشرين الاول الجاري، قال رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي:"ان معالجة التحديات الإقتصادية مهمة ليست سهلة، (...) وهي تحتاج الى إصلاح حقيقي وجذري وخطط طويلة الأمد لتجاوزها".
وهذا صحيح جزئيا، لانه لم يوضح ماذا يقصد بالجذري، فبقيت العبارة غامضة، وانا اقول هنا ان "الاصلاح الجذري" هو تحديدا وحصريا ما كان مستندا الى "الرؤية الحضارية للمشكلات وحلولها". والرؤية الحضارية هي ما كانت مجسدة لفهم اليات اشتغال المجتمع في مختلف المجالات والجوانب وخاصة في الجانب الاقتصادي.
وتتمحور اليات اشتغال المجتمع حول المركّب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به. ويتألف المركّب الحضاري من خمسة عناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعلم، فيما تقدم منظومة القيم مؤشرات السلوك والاهداف العليا للانسان والمجتمع والدولة. والمشكلة المنهجية التي نواجهها في العراق ان الكتل السياسية والحكومات التي انبثقت عنها بما في ذلك حكومة الكاظمي والحراكات الاجتماعية المختلفة لم تتعامل مع القضايا المجتمعية من وحي رؤية حضارية لها، فكانت النتيجة ما نعاني منه الان. ومع انني كنت آمل ان نكون قد وعينا الدرس، وان تتجاوز حكومة الكاظمي هذه الدائرة الضيقة المغلقة، لتنفتح على الرؤية الحضارية لمشكلات المجتمع وحلولها.
لكن للاسف اتضح ان هذه الحكومة اقصر نظرا من سابقاتها، وان رئيسها وفريقه اضيق صدرا ممن سبقه، ما يعني انه سيكون اعجز من غيره على تقديم الحلول السليمة لمشكلاتنا الاقتصادية والسياسية، واكثر عجزا عن تطبيقها ان وُجدت. ولم يعد من المجدي تقديم الافكار والمقترحات لهذه الحكومة ورئيسها بعد ان اكدت ورقتها البيضاء انها غير قادرة على فهم واستيعاب الرؤية الحضارية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحلولها. ولهذا فاني لا اوجه حديثي الى الحكومة، انما اوجهه الى عموم الناس واخص منهم اصحاب القلم والفكر من الذين يشكلون "الاقلية المبدعة" في المجتمع من اجل الترويج للرؤية الحضارية وضرورتها للخروج من الازمة الخانقة التي يمر بها العراق، على امل ان يكون انتشار الرؤية الحضارية مقدمة لاحداث تغيير في المشهد السياسي من خلال الانتخابات المزمعة، ومن خلال الحراك الشعبي الوطني الاصلاحي.
تتألف "الاقلية المبدعة" عندنا من عدد كبير من المفكرين والاختصاصيين والكتاب والاعلاميين والفنانين وعلماء الدين المتنورين وغيرهم، ويمكن لهؤلاء ان يصوغوا الرؤية الحضارية بلغة مفهومة محركة، وان يروّجوا لهذه الرؤية بطرحها في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والتجمعات الشعبية الاخرى، وما اكثرها في العراق.
ويمكن التمهيد لذلك بمناقشة هذه الرؤية الحضارية والخطوات الاصلاحية التي سوف تنبثق عنها في اللقاءات الافتراضية التي توفرها تكنولجيا الاتصالات الحديثة، تسهيلا للقاء والمناقشات، لتكون نتيجة هذه المناقشات عبارة ورقة موحدة تطرح في الانتخابات المقبلة من قبل فريق واحد جامع لكل القوى الاصلاحية (اقصد بذلك عدم جدوى نزول هذه القوى الى ساحة المنافسة الانتخابية باسماء كيانات كثيرة وبرامج انتخابية عديدة)، ليس امامنا وقت طويل، وهذه دعوة عاجلة للاقلية المبدعة للتحرك السريع لتلافي اضاعة الوقت.
اضف تعليق