فماذا تعني الدبلوماسية؟ وكيف يجري تطبيقها؟ وماهي أسباب اعتمادها من جميع الدول ذات السيادة؟ وماهي حقوق البعثات الدبلوماسية وواجباتها؟ وماهي واجبات الدولة المضيفة للبعثات الدبلوماسية في حال الاعتداء على ممثليها ومقارها في ضوء قواعد القانون الدولي للعلاقات الدبلوماسية؟ وماذا لو لم تلتزم البعثات الدبلوماسية أو...
جُبلت البشرية على حاجة بعضها بعضا لتبادل المنافع والمصالح، والتي تزداد حينا بعد حين بتزايد تطور المجتمعات نفسها، ووسائلها في مجالات السلم والحرب. وكان نظام (تبادل الرسل) النواة الأولى لتبادل الدبلوماسية وللحصانات والامتيازات الدبلوماسية عند ظهر الدولة. لذلك أصبحت حاجة الدول إلى جهاز يقوم بتنفيذ تلك المهمات للحفاظ على حسن العلاقات وتوطيد أواصرها بين تلك الدول حاجة ملحة، حتى ارتقى هذا الجهاز إلى صورته الحالية من التمثيل الدبلوماسي الدائم، الذي يٌعرف اليوم بـ (السفارات والقنصليات).
فماذا تعني الدبلوماسية؟ وكيف يجري تطبيقها؟ وماهي أسباب اعتمادها من جميع الدول ذات السيادة؟ وماهي حقوق البعثات الدبلوماسية وواجباتها؟ وماهي واجبات الدولة المضيفة للبعثات الدبلوماسية في حال الاعتداء على ممثليها ومقارها في ضوء قواعد القانون الدولي للعلاقات الدبلوماسية؟ وماذا لو لم تلتزم البعثات الدبلوماسية أو أحد ممثليها بالقواعد الدبلوماسية المعتمدة دوليا؟ وكيف يمكن معالجة قضايا الاختلاف والانتهاكات التي يمكن أن يتعرض لها ممثلو البعثات الدبلوماسية، أو تتعرض لها الدول المضيفة أو مواطنوها من طرف البعثات الدبلوماسية أو أعضاءها؟
الدبلوماسية هي فن تمثل الحكومة، ورعاية مصالح البلاد، لدى الحكومات الأجنبية، والسهر على أن تكون حقوق البلاد مصونة وكرامتها محترمة في الخارج، وإدارة الأعمال الدولية بتوجيه المفاوضات السياسية ومتابعة مراحلها وفقا للتعليمات المرسومة، والسعي لتطبيق القانون في العلاقات الدولية، كي تصبح المبادئ القانونية أساس التعامل بين الشعوب.
والدبلوماسية كوظيفة سياسية قد تتم عن طريق البعثات الدبلوماسية الدائمة الثنائية؛ أي بين دولتين، أو عن طريق البعثات الدبلوماسية المتعددة الأطراف؛ أي بين الدولة والمنظمات الدولية، أو البعثات الخاصة؛ أي التي تُرسل لغرض محدد تنتهي بانتهاء المهمة المكلفة بها. وعليه؛ لم تعد تقتصر الدبلوماسية الحديثة على تبادل البعثات بين الدول فحسب، وإنما تشمل العلاقات الدبلوماسية بين الدول والمنظمات الدولية، أو المنظمات الدولية فيما بينها.
لذلك؛ أصبح قيام التمثيل الدبلوماسي والقنصلي الدائم ضرورة فرضتها دواعي استقرار العلاقات والمصالح الدولية وحمايتها بصفة رسمية، لكي تستطيع الدول -من خلال ممثليها الدائمين- أن تكون على دراية تامة بما يحدث من تطورات في الدول الأخرى، ولكي تتعاون فيما بينها لمصالح قضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية. ليس هذا فقط؛ ولكن الوظيفة الدبلوماسية أصبحت من أهم وسائل تحقيق السياسة الخارجية للدولة، ومظهرا لتدعيم مكانتها، وتؤدي دورا بارزا في تحقيق فعالية القانون الدولي في كل ما يمس المصحة الذاتية للدولة أو المصلحة الدولية.
ويمكن القول إنه ليس هناك في عصرنا الحديث أي دولة ذات سيادة لا يوجد فيها بعثات دبلوماسية وقنصلية، أو لا تقوم بإرسال دبلوماسيين وقناصل إلى دول أخرى، حيث أصبح ذلك السبيل هو الشريان الرئيس في العلاقات الدولية. كل ذلك من الصعب أن يتم إلا في ظل التفاهم والاتصال الدائم الذي تعمل البعثات الدائمة على تحقيقه.
وعلى هذا الأساس، تتمتع البعثات الدبلوماسية بالحصانة الدبلوماسية. والحصانة الدبلوماسية تعني منع التعرض للمتمتع بها، أو مقاضاته لأسباب ينظمها القانون الدولي في مجال العلاقات الدولية، فيما يتعلق بالمبعوث الدبلوماسي ومن في حكمه، وينظمها القانون الوطني للدول فيما يتعلق بمن يتمتع بالحصانة من رعايا الدول المعنية.
وقد عرفت الاتفاقيات الدولية الحصانة بقولها: (الحصانة تعني امتياز الإعفاء من ممارسة الولاية القضائية، أو هيمنة السلطات المحلية) ويمكن اختصار المفهوم العام للحصانة في جانبين: (أ) الحق السلبي: هو حق يمنح لشخص المبعوث أو سفارته يحول دون أن تقوم الدولة المضيفة بأي اعتداء عليهم ويمنعها أن تمارس سلطاتها القضائية أو المالية ضدهم. (ب) الحق الإيجابي: توقيع العقوبات القانونية على من يعتدى على المبعوثين الدبلوماسيين أو السفارة.
وكانت اتفاقية فيينا لعام 1961 قد نظمت مسألة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية مبررة سبب وجودها بضرورة تمكين البعثة والمبعوثين الدبلوماسيين من القيام بالمهمات الملقاة على عاتقها على أفضل وجه، ومن هذه الحصانات ما يتعلق بمقر البعثة؛ وحرمة مبانيها وممتلكاتها؛ ومحفوظاتها ومراسلاتها؛ ووسائل نقلها وتيسر أعمالها، وببعض التسهيلات المالية والجمركية والضريبية، وبمسألة الحصانة القضائية، وتسهيل حيازة مقر البعثة الدبلوماسية، واستخدام علم الدولة وشعارها.
فقد جاء في المادة (22) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 ما يأتي:(1. تكون حرمة دار البعثة مصونة، ولا يجوز لمأموري الدولة المعتمد لديها دخولها إلا برضا رئيس البعثة. 2. يترتب على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ جميع التدابير المناسبة لحماية دار البعثة من أي اقتحام أو ضرر ومنع أي إخلال بأمن البعثة أو مساس بكرامتها .3. تعفى دار البعثة وأثاثها وأموالها الأخرى الموجودة فيها ووسائل النقل التابعة لها من إجراءات التفتيش أو الاستيلاء أو الحجز ...).
حيث اقتضت طبيعة المهمات المتصلة بالتمثيل الدبلوماسي وتعدد الأعمال المتفرغة عن هذه المهمات أن يكون للبعثة الدبلوماسية مقر خاص بها في إقليم الدولة المضيفة، تؤدي فيه مهماتها، وتحتفظ فيه بالوثائق والمستندات الخاصة بها، وتتخذ منه مركزا لها في علاقاتها مع حكومة الدولة المضيفة، وقد استقر التعامل منذ بدء التمثيل الدبلوماسي بين الدول على أن تتمتع مقار البعثات الدبلوماسية في كل منها بالحماية والحرمة حفاظا على حياة المبعوثين وصونا لحرمتهم، وضامانا لأداء مهماتهم بطمأنينة واستقلال واحتراما لسيادة الدول التي يمثلونها.
إن حرمة مقار البعثات الدبلوماسي استمدت من سيادة الدول الموفدة لكون هذه المقرات تستخدم كمراكز لبعثاتها، وتشمل هذه الحماية جميع المباني التي تشغلها، سواء كانت ملكا للدولة الموفدة أو مؤجرة من قبل الغير، ويدخل في مفهوم مباني البعثة المبنى والأرض والحديقة الملحة بها، ومنزل رئيس البعثة الدبلوماسية، وتمتد هذه الحماية لتشمل الأثاث والتجهيزات الموجودة في مقر البعثةـ إضافة إلى وسائل النقل، وتتمتع المساكن الخاصة للمبعوثين الدبلوماسيين بذات الحرمة والحماية المقررتين لمقر البعثة الدبلوماسية، كما تتمتع مستندات البعثة ووثائقها بحرمة خاصة تفرض عدم التعرض لها واحترام سريتها.
بناء على هذا كله؛ تتمتع المقار الدبلوماسية -فضلا عن الدبلوماسيين أنفسهم- بالحصانة وعدم جواز الاعتداء عليها، لا من أجهزة الدولة الرسمية، ولا من أجهزتها غير الرسمية، ولا من غيرهما من الأفراد والجماعات المعادية لدولة ما. حيث يٌعد انتهاك الدول للقواعد القانونية لاتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، وفينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 إنتهاكا لالتزام دولي، يرتب المسؤولية الدولية على الدولة المنتهكة، عدا عما ينجم عن تلك الانتهاكات من استياء لدى مختلف الدول، يكون فادحا أحيانا، فطالما أدى تفاقم تداعياتها إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين بعض الدول، وقد يؤدي إلى نشوء نزاع مسلح فيما بين الدول.
ونتيجة لذلك فان السلطات الدول المضيفة تكون ملزمة قانونا بتأمين الحماية المناسبة لهذه المباني، كما يترتب على هذه السلطات اتخاذ الوسائل الكفيلة بحماية مقر البعثة ضد أي اعتداء أو هجوم أو تخريب، وضد أي فعل يمكن أن يمس أمن البعثة أو اعتبارها، ويتعين تأمين هذه الحماية في حال السلم، أما في حال الحرب أو التوترات والاضطرابات الداخلية والمظاهرات فيجب على سلطات البلد المضيف تأمين أعلى درجات الحماية لمقر البعثة المعتمدة لديها.
في المقابل يقع على عاتق المبعوث الدبلوماسي مجموعة من الواجبات تجاه الدولة المضيفة وفقا لقواعد القانون الدولي الدبلوماسي والتي تتمثل باحترام قوانينها وأنظمتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والتقيد بجعل وزارة خارجيتها المرجع المباشر لأعماله، وعدم إساءة استعمال مقر البعثة الدبلوماسية، وعدم ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري. فان لم تلتزم البعثات الدبلوماسية أو أحد أعضاءها باحترام قوانين البلد المضيف وأنظمته، فان اتفاقية فينا (في المادة 41) أعطت الحق للدولة المضيفة بعدم تطبيق التزاماتها القانونية، وذلك بهدف تحقيق التوازن والتكافؤ بين مصالح وواجبات كل من الدولة المضيفة من جهة، والبعثة الدبلوماسية من جهة أخرى.
وبذلك يمكن القول إن الحرمة المطلقة لمقر البعثة، والتي تشكل واجبا على عاتق الدول المضيفة تبقى مرهونة بأداء البعثة الدبلوماسية لواجباتها على أكمل وجه، وبعبارة أخرى فان ضمان تطبيق أحكام المادة (22) المتعلقة بالتزامات الدول المضيفة حيال البعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها يبقى معلقا على احترام الدبلوماسيين الأجانب لواجباتهم تجاه الدولة المضيفة.
نخلص مما تقدم الآتي:
1. إن الدول ذات السيادة تعتمد نظام العمل الدبلوماسي فيما بينها بهدف تبادل المنافع والمصالح المشتركة. ولا تكاد دولة من الدول إلا ولها مصلحة ما عند دولة أخرى.
2. يتوقف العمل الدبلوماسي بين الدول على إرسال البعثات الدبلوماسية اللازمة للعمل الدبلوماسي، وعلى تأسيس مقرات وأبنية ووسائل نقل وغيرها يُدار من خلال العمل الدبلوماسي.
3. تلتزم الدول المضيفة للبعثات الدبلوماسية أن توفر الحماية القانونية والأمنية للبعثات الدبلوماسية من أي اعتداء أو تجاوز، سواء كان من أجهزة الدولة أو غيره أجهزتها، فالدولة هي المسؤولة عن توفير هذه الحماية دون غيرها.
4. ينبغي أن تلتزم البعثات الدبلوماسية بالمهمات الموكلة فيها على وجه التحديد، ولا يجوز لها أن تتجاوزها لأن تجاوزها يعني تجاوز القواعد القانونية الناظمة للعمل الدبلوماسي، واعتداء على القوانين الدونية للدول المضيفة.
5. في حال قيام البعثات الدبلوماسية لدولة ما بالاعتداء على مصالح الدولة المضيفة أو مواطنيها أو أحد رموزها وما إلى ذلك، فان القانون الدولي للعمل الدبلوماسي أجاز للدولة المضيفة أن تتنصل عن التزاماتها على وفق مبدأ المعاملة بالمثل.
اضف تعليق