المشكلة الكبرى التي يعاني منها العراق منذ عقود هي التخلف. والتخلف حالة شاملة في المجتمع العراقي، ولهذا اطلقتُ عليه تسمية التخلف الحضاري انطلاقا من شمولية كلمة الحضارة لمختلف مجالات الحياة، وتأكيداً لهذا المعنى فقد عرّفتُ التخلفَ بانه خلل حاد في المركب الحضاري، وقلت ان التخلف الحضاري يتألف من....
المشكلة الكبرى التي يعاني منها العراق منذ عقود هي التخلف. والتخلف حالة شاملة في المجتمع العراقي، ولهذا اطلقتُ عليه تسمية "التخلف الحضاري" انطلاقا من شمولية كلمة "الحضارة" لمختلف مجالات الحياة، وتأكيداً لهذا المعنى فقد عرّفتُ التخلفَ بانه "خلل حاد في المركب الحضاري"، وقلت ان التخلف الحضاري يتألف من حالات فرعية مثل التخلف السياسي والتخلف الاقتصادي والتخلف التربوي والتخلف الثقافي والتخلف في فهم الدين وممارسة طقوسه وشعائره وهكذا.
وللتخلف السياسي مظاهر كثيرة على رأسها الدكتاتورية واحتكار السلطة وعبادة الفرد الحاكم وغياب المؤسسات ومصادرة الحريات وسحق حقوق الانسان.. الخ من الظواهر التي تتناقض مع خصائص الدولة الحضارية الحديثة وخاصة ركائزها الخمسة.
هذه هي مشكلة التخلف السياسي التي تشكل الدولة الحضارية الحديثة علاجا مباشرا لها. ولاحظ الاستاذ اسحاق الموسوي "أن هناك فارقا شاسعا بين المشكلة التي يعالجها المشروع وبين الحل الذي يقدمه لعلاج تلك المشكلة. فالمشكلة وهي الخلل في المركب الحضاري بينما الحل هو مشروع سياسي يتمثل بـ دح ح تقوم على مبادئ الديمقراطية والمواطنة والمؤسسات والعلم الحديث وحقوق الانسان.إن المشكلة وهي الخلل في المركب الحضاري الذي أنتج التخلف يمتد الى أبعاد عميقة في الانسان والمجتمع المتخلفين، فهو يغوص الى جذر الوجود الانساني أي الى ابعاده النفسية والعقلية والروحية فضلا عن ابعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية. بينما جاء الحل مقتصرا على البعد السياسي أو مركزا عليه أكثر بكثير من الأبعاد الأخرى بل هناك نسيان كامل للأبعاد النفسية والروحية."
وهذه الملاحظة صحيحة. فقد طرحت عنوان "الدولة الحضارية الحديثة" كحل مباشر للجانب السياسي من مشكلة التخلف، من جهة، وكاطار عام لمعالجة الابعاد الاخرى للتخلف من جهة اخرى. وكان من الطبيعي ان تبقى هناك "مناطق فراغ" في الطرح لسببين، وهما:
السبب الاول والاهم: انها تُركت ليُسهم كتاب اخرون، ربما اكثر تخصصا مني، بملئها، ذلك انه لا يُتصور ان يقوم شخص واحد بالكتابة عن كل مجالات معالجة التخلف الحضاري. فقد كانت دعوتي قائمة ولما تزل الى جميع اصحاب الاختصاص ان يُسهموا في ملء مناطق الفراغ بتصوراتهم وارائهم من اجل ان تكتمل فكرة المشروع الحضاري لمعالجة التخلف في العراق.
والسبب الثاني: ان قيام الدولة الحضارية الحديثة سيمثل الخطوة الحاسمة نحو معالجة التخلف الحضاري العام في المجتمع العراقي حيث ستقوم الدولة نفسها بما تملك من امكانيات في مختلف الجوانب بوضع وتنفيذ خطط وبرامج ومشاريع لمعالجة التخلف الحضاري وذلك بالاستفادة من امكانيات الدولة وقدراتها باستكمال تغيير تحويل المجتمع العراقي الى الحالة الحضارية الحديثة وإقامة المجتمع الحضاري. وفي مقدمة هذه الامكانيات النظام التربوي الحديث الذي يأخذ على عاتقة تنشئة الاجيال الجديدة التي ستكون القاعدة البشرية للدولة الحضارية الحديثة. ومن خلال هذا سوف تقوم الدولة بمعالجة مشكلات المجتمع الحضارية ولا تقتصر على الجانب السياسي فقط. ان فكرة الدولة الحضارية الحديثة ترى ان المدرسة هي منطلق التغيير الاجتماعي وبناء الانسان الجديد على اسس حضارية حديثة. ومع قناعتي بان الطبقة الماسكة بازمة الدولة في الوقت الحاضر ابعد ما تكون عن تبني فكرة الدولة الحضارية الحديثة، الا انني مازلت اطرح فكرة النظام التربوي الحديث، وقد فعلت ذلك في وقت مبكر بعد سقوط النظام الدكتاتوري في عام ٢٠٠٣، وقدمت مقترحات بهذا الشأن الى رؤساء الحكومات اعتبارا من نوري المالكي وانتهاء بمصطفى الكاظمي دون ان انجح في اقناعهم بتبني هذه المقترحات حتى الان للاسف.
اضف تعليق