q
المواطنة الركيزة الأساسية في‮ ‬الدولة العصرية،‮ ‬لاسيّما بتكافؤ الفرص وتحقيق المساواة الفعلية والشراكة الحقيقية والمشاركة الفاعلة‮‬،‮ ‬وهو ما‮ ‬ينسجم مع قيمنا الإنسانية وتراثنا العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬والتطور الكوني،‮ ‬ودعا إلى إبرام عقد اجتماعي‮ ‬جديد لتعزيز شرعية الحكم وبناء قواعد مشتركة للعيش معاً‮ ‬في‮ ‬إطار المواطنة الحاضنة للتنوّع وتحت حكم القانون‮.‬..

حسناً‮ ‬فعل‮ "‬منتدى الفكر العربي‮" ‬حين نظم ندون بعنوان‮ " ‬المواطنة الحاضنة للتنوّع‮" ‬لكونها مسألة راهنية وحيوية أولاً،‮ ‬وثانيا‮- ‬لأنها تثير اختلافات بحاجة إلى حوار ونقاش حولها‮ ‬يساهم فيه مثقفون وباحثون وناشطون من مختلف التيارات الفكرية‮: ‬اليسارية والقومية والدينية‮ ‬،‮ ‬خصوصاً‮ ‬علاقة ذلك بمفهوم الدولة‮: ‬هل هي‮ ‬دولة مدنية وأين موقع الدين فيها؟ خصوصاً‮ ‬وأن المواطنة العابرة للهويّات الفرعية تشتبك معها‮.

‬ويعود سبب النقاش‮ ‬واحتدامه إلى أن الدولة العربية المعاصرة لم تستطع بعد الوصول إلى شاطئ السلام ببناء دولة المواطنة على أساس التعددية والتنوّع واحترام المواطنة الحاضنة للتنوّع والاختلاف والهويّات الفرعية‮.

‬هناك من‮ ‬يحاول خلط مصطلح العلمانية بالدولة المدنية‮‬،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬يثير حساسية والتباساً‮ ‬بسبب تجارب بعض البلدان الاشتراكية السابقة،‮ ‬مثلما هناك من‮ ‬يحاول أن‮ ‬يقحم الدين بالدولة لدرجة اعتبار كل أمر خارجه إنما هو صناعة‮ ‬غربية واختراع مشبوه بزعم مخالفة فكرة الدولة المدنية للتراث والتاريخ والدين والإيمان،‮ ‬في‮ ‬حين أن المواطن الفرد هو الأساس،‮ ‬وأي‮ ‬مواطن لا‮ ‬يمكن حصره بهويّة واحدة واختزاله إلى حقل واحد‮.

‬مثلما هناك من‮ ‬يريد قطع الصلة بالتراث بزعم أن الأخير عائقاً‮ ‬أمام تقدّم الدولة واندماجها بعالم الحداثة والمدنية والعلمانية‮‬،‮ ‬وينسى هؤلاء أن المفهوم التغريبي‮ ‬الذي‮ ‬يدعون إليه إنما‮ ‬يتنكّر لمساهمة تراثنا الفكري‮ ‬القانوني‮ ‬العربي‮ ‬بالتراث العالمي‮ ‬منذ قيام دولة المدينة التي‮ ‬أسسها الرسول وهو دستور محمدي‮ ‬اعترف بالآخر ووضع قواعد أولية للبنة المواطنة بمعناها الجنيني‮. ‬ثلاث إشكالات تتعلّق ببعض القضايا الخلافية ذات الخصوصية في‮ ‬كل مجتمع،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬بحاجة إلى إعادة قراءة وتفسير وتأويل بما‮ ‬ينسجم مع روح العصر؛‮ ‬أولها‮- ‬الموقف من المجاميع الثقافية الدينية والإثنية والسلالية واللغوية‮ .‬وثانيها‮ - ‬الموقف من حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل‮ ‬،‮ ‬علماً‮ ‬بأن الدول العربية كانت وقعت على‮ " ‬اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة‮ " ‬أي‮ ‬اتفاقية سيداو لعام‮ ‬1979‮ ‬لكنها ما تزال تتحفظ‮ ‬على بعض موادها‮ .‬

وثالثها‮- ‬نظام العقوبات والحدود والذي‮ ‬يتعارض في‮ ‬بعض قواعده مع اللوائح الدولية بهذا الخصوص‮. ‬وتلك جميعها تندرج في‮ ‬إطار منظومة حقوق الإنسان،‮ ‬فكيف السبيل للتواؤم معها بما‮ ‬يجعل الخصوصية رفداً‮ ‬للفكرة الشمولية‮ ‬،‮ ‬من خلال التفاعل بينهما؟ فثمة من‮ ‬يوقّر فكرة المواطنة الحاضنة‮ ‬،‮ ‬وهناك من‮ ‬يحقّرها‮ ‬،‮ ‬والأخير‮ ‬ينظر إليها نظرة أحادية وليست واحدية،‮ ‬في‮ ‬حين أن الأول‮ ‬يعتبر التنوّع عامل إثراء وإخصاب وليس عامل إفقار وإجداب،‮ ‬وهو أساس فلسفة المستقبل للمجتمعات الآمنة‮ - ‬السلمية‮. ‬فالمجتمعات الآحادية تتراجع في‮ ‬حين أن المجتمعات الموحّدة المتعددة الثقافات تتلاقح وتتقدّم،‮ ‬ولهذا‮ ‬يقتضي‮ ‬منّا فهم العالم المعاصر المتعدد المتنوّع المتسامح المتشارك المفتوح المتواصل الذي‮ ‬يتّسع للحوار؛ وسيكون مثل هذا المجتمع حاضناً‮ ‬للتنوّع ومشجعاً‮ ‬على التفاعل،‮ ‬على أساس الشراكة والمشاركة في‮ ‬الوطن الواحد في‮ ‬ظلّ‮ ‬حكم القانون،‮ ‬والعدالة وخصوصاً‮ ‬العدالة الاجتماعية‮.‬

ادعاء الافضليات

ولذلك فهي‮ ‬ضد الاستعلاء والتمييز والهيمنة وادعاء الأفضليات واحتكار الحقيقة‮. ‬ولا بدّ‮ ‬من مصالحة حقيقية بين المواطن والدولة بحيث‮ ‬يشعر المواطن أن الدولة هي‮ ‬دولته‮ ‬،‮ ‬وأن الدولة لا تشعر أن المواطن عدوّها وأن السلطة تأتي‮ ‬وتذهب لخدمته،‮ ‬علماً‮ ‬بأن هناك خلطاً‮ ‬بين الدولة والسلطة،‮ ‬وأحياناً‮ ‬تتغوّل الأخيرة على الأولى وتحاول ابتلاعها لأغراض سياسية أو دينية أو قومية أو فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو عسكرية أو شخصية أو‮ ‬غيرها،‮ ‬وقد حكمت المجتمعات منذ فجر التاريخ بواسطة قواعد مدنية واجتماعية ودينية ذات بُعد إيماني‮ ‬وأخلاقي‮ ‬وقانوني،‮ ‬وذلك جزء من منظومة حياتية تعكس درجة تطور المجتمع،‮ ‬علماً‮ ‬بأن القانون هو الذي‮ ‬ينظم علاقة الفرد والمجتمع بالدولة ويقوم بالفصل في‮ ‬النزاعات بينها بواسطة القضاء،‮ ‬الذي‮ ‬سيترتب جزاءً‮ ‬لمن‮ ‬يمتثل أو‮ ‬يخالف قواعد القانون بواسطة جهاز تنفيذي‮ (‬حكومة‮(. ‬إن‮ ‬غياب الاعتراف بالمواطنة الحاضنة للتنوّع قاد إلى أعمال عنف وحروب ونزاعات ويكفي‮ ‬أن نتذكر مأساة البوسنة والهرسك التي‮ ‬راح ضحيتها الآلاف من المسلمين،‮ ‬والنزاع بين قبيلتي‮ ‬التوتو والهوتسي‮ ‬في‮ ‬رواندا الذي‮ ‬ذهب ضحيته نحو مليون إنسان‮.

‬ولا‮ ‬يكفي‮ ‬تسطير المبادئ للمواطنة الحاضنة في‮ ‬الدستور،‮ ‬بل لا بدّ‮ ‬من نشر ثقافة التسامح والتربية عليه ونبذ التعصب ووليده التطرف ونتاجهما العنف والإرهاب،‮ ‬ويمكن للدولة أن تلعب دوراً‮ ‬جامعاً‮ ‬في‮ ‬تأمين الحق في‮ ‬التعليم المتوازن والقائم على أساس قبول التنوّع والتعددية ومبادئ المواطنة المتساوية‮ ‬،‮ ‬وهو ما أكّده نداء عمان الذي‮ ‬صدر عن الندوة الذي‮ ‬اعتبر المواطنة الركيزة الأساسية في‮ ‬الدولة العصرية،‮ ‬لاسيّما بتكافؤ الفرص وتحقيق المساواة الفعلية والشراكة الحقيقية والمشاركة الفاعلة‮‬،‮ ‬وهو ما‮ ‬ينسجم مع قيمنا الإنسانية وتراثنا العربي‮ ‬والإسلامي‮ ‬والتطور الكوني،‮ ‬ودعا إلى إبرام عقد اجتماعي‮ ‬جديد لتعزيز شرعية الحكم وبناء قواعد مشتركة للعيش معاً‮ ‬في‮ ‬إطار المواطنة الحاضنة للتنوّع وتحت حكم القانون‮.‬

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق