مرت مائة عام كاملة على تأسيس دولة لبنان المعاصرة التي ضمت بين حدودها الكثير من الآمال والاحلام لأبنائها، ولم يحفل قرن في تاريخ لبنان بمثل ما مرت به أجيال القرن العشرين التي ذاقت ويلات الحرب وآلامها ومآسيها، كيف نتذكرها ونحن نحتفي بمئويتها؟ وكيف نراها ونقيم ارثها واسهامها في تشكيل الوطن العربي الجديد...

مرت مائة عام كاملة على تأسيس دولة لبنان المعاصرة التي ضمت بين حدودها الكثير من الآمال والاحلام لأبنائها، ولم يحفل قرن في تاريخ لبنان بمثل ما مرت به أجيال القرن العشرين التي ذاقت ويلات الحرب وآلامها ومآسيها، كيف نتذكرها ونحن نحتفي بمئويتها؟ وكيف نراها ونقيم ارثها واسهامها في تشكيل الوطن العربي الجديد؟، فالشعوب الحرة تتذكر ماضيها وتستذكر محطاتها بحلوها ومرها لتكتب لنفسها تاريخاً متكاملاً. ولعلنا اليوم نقف على احدى هذه الصور في التاريخ اللبناني ومنها بداية التأسيس.

انتهت بنهاية الحرب العالمية الأولى في11 تشرين الثاني1918، وبتوقيع اتفاقية مودروس، السيطرة الفعلية للدولة العثمانية على العرب وانفك بذلك اليوم عنهم الاحتلال العثماني المقيت الذي استمر قرابة اربعة قرون متتالية، عاش العرب خلالها ويلات كثيرة، وارتسمت ملامحهم بالتخلف والتراجع عن سائر بلدان العالم الأخرى. وكانت أبرز سمات الحكم العثماني الطائفية والعنصرية اللتان انتشرتا في المقاطعات التي حكمها العثمانيون ومن بينها لبنان.

إن التعايش السلمي لم يكن مقدراً للبنان أن تعيشه منذ مئات السنين، ولا يمكن لها ذلك، لا لأن الشعب اللبناني لا يرغب بذلك التعايش، إنما الظروف الخارجية هي التي تتحكم بهم ولا تسمح لهم بذلك. فمنذ اليوم الأول من شهر أيلول عام1920 خضعت لبنان بصورة مباشرة لعملية التمزق الطائفي، وبث روح التنافر بين المناطق اللبنانية، بفعل سياسة الاحتلال الفرنسي الذي خلف الاحتلال العثماني، ففي هذا اليوم أعلن ممثل سلطات الاحتلال الفرنسي في الشرق الجنرال هنري غورو ولادة دولة لبنان الكبير، ومن اسمها يتضح الحجم الذي أضافته فرنسا على جبل لبنان الصغير الذي كانت مساحته 4500 كم، ليكون كبيراً- قسراً وليس طوعاً- إذ أضافت إليه مساحات شاسعة من سورية تكاد تكون موازية لحجمه إن لم تكن أكبر منه والمناطق هي حاصبيا وراشيا والبقاع وبعلبك ليصبح 10500 كم، وبطبيعة الحال أضافت فرنسا تكتلات بشرية لهذا الجبل الصغير ليكثر عدده، لتحقيق حلمها بتكوين دولة مسيحية في الشرق تكون أنموذجا للعقلية الاوربية، ومن جانب أخر يفتح الباب على مصراعيه لتأسيس دولة يهودية بالقرب منها.

لاشك أن إضافة المساحات الشاسعة لم تكن خالية من السكان، بل كانت تلك المناطق عامرة بأهلها من الديانة الإسلامية لاسيما الغالبية الشيعية وبعدهم السنة ومن ثم الدروز، وهذه الإضافات القسرية دفعت سكان تلك المناطق إلى رفض التعايش الذي فرضته فرنسا عليهم بالقوة، وأبعدتهم بذلك عن أبناء جلدتهم في سورية، ولعلنا لا نذهب بعيداً إذا ما قلنا بأن تلك المناطق تختلف فكرياً وعقائدياً واجتماعياً واقتصادياً عن جبل لبنان الصغير، الذي كان مسيحياً في غالبيته ومارونياً في أكثريته. لذا فان عملية سلخ المناطق لتكوين دولة جديدة جعل أهالي تلك المناطق المضافة يشعرون بالدونية مما دفعهم ذلك للوقوف بوجه قيام الدولة الجديدة ومن أسسها لاسيما الفرنسيون والمسيحيون الموارنة. واتخذوا موقفاً عدائياً تجاه لبنان الكبير وأسهموا في مدة ليست بالقصيرة في عدم استقراره سياسياً. الأمر الذي دفع السلطات الفرنسية المحتلة يوم أعلان دولة لبنان الكبير لا تذهب باستدعاء الكثير من أهالي هذه المناطق وركزت بصورة جلية على المكونين الماروني والسني، الامر الذي أضفى شرعية للمكون المسيحي وتحديداً الماروني ليدعي فيما بعد باحقيته في حكم لبنان من دون سائر الطوائف الأخرى. أما المكون الإسلامي فقد مثّل يوم أعلان الدولة بمفتي السنة مصطفى النجا ليكون حاضراً عن جميع المسلمين باختلاف مذاهبهم!! في حين المكون الشيعي فقد تم استبعاده من الحضور نتيجة لمعارضته الشرسة التي اتخذها منذ بداية الاحتلال الفرنسي وشهر سلاحه بوجه الفرنسيين منذ عام1919 وحتى انعقاد مؤتمرهم في منطقة وادي الحجير في24 نيسان1920 وإعلان مجتهدهم الأعلى عبد الحسين شرف الدين الجهاد المقدس ضد الفرنسيين، مما جعلهم لا يستدعون من الشيعة أحداً ليكون حاضراً يوم الإعلان، لاسيما وإن حملة نيجر لازالت ماثلة وراسخة أمام أبناء الشيعة والفرنسيين معاً.

لذا فان الأساس الذي قامت عليه دولة لبنان الحديثة ذات بعد طائفي مذهبي مقيت بفعل الرغبة الفرنسية وسياستها الاستعمارية التي حاولت من خلالها السيطرة على مناطق نفوذها ودعم بعض الأطراف ضد الأطراف الأخرى ولم يكن بمقدور اللبنانيين أن يتخلصوا من ذلك بل على العكس من ذلك تماماً فقد عملت فرنسا على تضمينه بصورة قانونية في الدستور الذي أصدرته عام1926، وعمقه اللبنانيون أنفسهم أكثر بعد الاتفاق الماروني-السني، المعروف بالميثاق الوطني لعام1943 ولكن هذه المرة برعاية بريطانية وليست فرنسية. (وهو ما سنتناوله بدراسة منفصلة قريبا بإذن الله).

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق