يتقدم المجتمع حين يكون المركب الحضاري وقيمه العليا في حالة سليمة وصحية. وعلى العكس من ذلك، يتأخر المجتمع، او يتخلف، اذا كانت حالة المركب الحضاري وقيمه مرضيّة، وتشكو من خلل. ويمكن ان يصيب الخللُ عناصر المركب الحضاري، وفي القمة منها الانسان، وقيمَه العليا...

يكمن تقدم المجتمع وتأخره في حالة المركب الحضاري والقيم الحافة به. ويتألف المركب الحضاري من خمسة عناصر هي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. والقيم الحافة هي مؤشرات الحاكمة للسلوك ضمن المركب الحضاري.

يتقدم المجتمع حين يكون المركب الحضاري وقيمه العليا في حالة سليمة وصحية. وعلى العكس من ذلك، يتأخر المجتمع، او يتخلف، اذا كانت حالة المركب الحضاري وقيمه مرضيّة، وتشكو من خلل. ويمكن ان يصيب الخللُ عناصر المركب الحضاري، وفي القمة منها الانسان، وقيمَه العليا.

واكثر الامراض او حالات الخلل هي تلك التي تصيب الانسان، في تفكيره وافكاره وافعاله وعلاقاته ومعارفه (جمع معرفة).

ومن هذه الامراض ما يسميه علماء النفس "الذهنية المتخلفة". وهي حالة في الذهن او العقل تجعل الانسان يفكر بشكل غير سليم، او لا يفكر بشكل سليم. ومن مظاهر الذهنية المتخلفة انشغال الانسان المتخلف بالشخص اكثر من انشغاله بالفكرة التي قالها الشخص. فبدلا من يكرس الانسان قدراته العقلية لدراسة وتحليل الفكرة المطروحة واكتشاف نقاط قوتها ونقاط ضعفها، وايجابياتها وسلبياتها، وفوائدها ومضارها، فانه يركز على الشخص القائل، لونه وطوله وعرضه وماضيه وحاضره الخ. وهذا مرض خبيث يمنع الانسان من التفاعل الايجابي مع الافكار المطروحة والاستفادة منها في تطوير المجتمع وحل مشاكله. وقد حذر الامام علي من هذا المرض الخبيث بقوله: "لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال". قال الشارح لهذا الحكمة البالغة: "يعنى لا يمنع حال القائل من خسة النفس ودناءة النسب وترك لعمل وسوء الأدب من قبول قوله وسماع كلامه واقتباس العلم والحكمة من فيه كما قيل: (الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها أخذها)".

وهذا ما اتعرض له في بعض الاحيان من قبل القراء. فانا من المؤمنين بان الافكار والنظريات تلعب دورا كبيرا في تغيير المجتمع، واصلاح الفاسد من اموره، والتمهيد لاقامة الدولة الحضارية الحديثة. ولهذا اكتب الكثير من المقالات ذات الصبغة النظرية والفكرية التي آمل ان تكون نافعة حين الاخذ بها عمليا من قبل المعنيين بها.

لكن بعض القراء يرد على ما اكتب ببعض الردود النمطية التقليدية التي منها:

لسنا بحاجة الى نظريات، نريد حلولا عملية. (وهذا يعني ان القائل لا يعرف العلاقة بين الافكار النظرية والحلول العملية).

الشبوط فاسد وهو اخر من يتكلم عن الاصلاح. (وهذا اتهام باطل وظالم في نفس الوقت ولا اساس له من الصحة).

ماذا عملت حين كنت رئيسا لشبكة الاعلام؟ (والرد على هذا التساؤل يتطلب ان اسرد في كل مقال الاعمال الجيدة والمشاريع الناجحة التي قمت بها في الشبكة، وهذا غير معقول).

انت جعلت شبكة الاعلام بوقا للمالكي. (وهذه تهمة سخيفة لان الشبكة هي قناة الدولة، والحكومة واحدة من اهم عناصر الدولة، ومن الطبيعي ان تغطي الشبكة افعالها، والمالكي هو الرئيس المنتخب لهذه الحكومة وتغطية اخباره ليس منقصة للفرد. وهذا ما قامت به الشبكة قبلي وما تقوم به بعدي).

النتيجة، ان مثل هؤلاء المتلقين يحرمون انفسهم فرصة الاشتغال على الافكار التي اطرحها، ودعم المفيد منها واصلاح الاعوجاج فيها، والمشاركة في نقاش عام حولها تكون ثمرته تكوين رأي عام بقبول الافكار الصالحة ورفض الافكار الرديئة بغض النظر عن كاتبها وصاحبها.

اقول لمثل هؤلاء ان بلدنا بحاجة الى الافكار الجيدة والمقترحات الصالحة، ولا تشغلنكم اتهامات كيدية واشاعات باطلة بخصوصي او بخصوص اي كاتب افكار عن التعامل بايجابية وسعة صدر مع هذه الافكار من اجل المصلحة العليا لبلدنا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق