الجواب الكبير يتمثل في غياب هوية وطنية عراقية جامعة في تطبيقات السياسات العامة للدولة التي اغتصبت بمفاسد المحاصصة، وهكذا يتوهم بعض المدافعين عن هذه المفاسد بتفسير الامن الوطني من وجهة نظر حزبية خاصة وليس وطنية عراقية بامتياز، لذلك اكرر القول بأهمية استعادة ولاية الدولة...

تكثر هذه الايام الاحاديث عن استعادة الدولة أو هيبة الدولة مقابل حالة اللادولة واختلط الحابل بالنابل لفرز الخنادق ما بين احزاب لها تعريفات خارج سياقات المتعارف عليه في ميثاق الامم المتحدة أو الفقة الدستوري او ما يعرف بثوابت القاعدة القانونية لسيادة الدولة، السؤال لماذا هذا الطرح في مثل هذا التوقيت وكيف يمكن التعريف بالفوارق ما بين الموقف الدستوري والاطروحات الحزبية؟

في أبسط تعريف دستوري للدولة هي قطعة أرض بحدود دولية معترف بها يقطنها شعب تنازل عن حقوقه وفق عقد دستوري لسلطة تحكم وفق نظام سياسي، عراقيا أسست المملكة العراقية بنموذج الملكية الدستورية ثم جاءت ما عرف بالمشروعية الثورية وصولا إلى نموذج متجدد في دستور 2005 لعقد اجتماعي دستوري يتنازل فيه الشعب لاعضاء البرلمان عن حقوقهم مقابل نظام ديمقراطي برلماني يؤسس بناء دولة مدنية عصرية.

وفق كل ما تقدم ليس هناك أي استيلاب لسلطة الدولة لكن التطبيقات العرفية التي جاءت بها مفاسد المحاصصة وحكومتها العميقة وسلاحها المنفلت والاجندات الاقليمية والدولية للاحزاب المهيمنة على السلطة انتهت إلى نموذج فج وقبيح تتجاوز فيه سلطات الاحزاب على سلطة الدولة مما حول الدولة الدستورية إلى اشباح امنية وسياسية واقتصادية ليس بمقدورها فرض نفاذ القانون على الجميع وهكذا شاعت مظاهر الفساد السياسي والنزاعات العشائرية وظهور تحديات في التعامل بين حكومة المركز الاتحادي مع حكومة الاقليم الكردي وأيضا مع حكومات المحافظات غير المنتظمة باقليم وتجاوز الفقر نسبة الثلث من العراقيين، وعلى هامش هشاشة الفقر هناك تفاقم في الامية الأولية للقراءة والكتابة وامية أخرى في اتمتة أعمال الدولة الخدمية ناهيك عن الاستيراد الاستهلاكي وعدم اتضاح هوية الاقتصاد الوطني.

لماذا حدث ويحدث كل ذلك؟

الجواب الكبير يتمثل في غياب هوية وطنية عراقية جامعة في تطبيقات السياسات العامة للدولة التي اغتصبت بمفاسد المحاصصة، وهكذا يتوهم بعض المدافعين عن هذه المفاسد بتفسير الامن الوطني من وجهة نظر حزبية خاصة وليس وطنية عراقية بامتياز، لذلك اكرر القول باهمية استعادة ولاية الدولة على نفاذ القانون بمنظور دستوري للامن الوطني وليس وفق الاجندات الحزبية التي لكل منها مع الأسف ارتباط بمحاور الصراع الاقليمية والدولية مما حولت أرض العراق إلى ساحة لتصفية هذه الخلافات على حساب الامن الوطني بتعريفه الدستوري وليس بالتعريف الحزبي الضيق.

ما ابرز الحلول لاستعادة الدولة والخروج من حالة اللادولة؟

ربما يقول قائل في حصر السلاح بيد الدولة أو فرض إجراءات نفاذ القانون كما يسعى الكاظمي إلى فعله في ملف المنافذ الحدودية مثلا، وجهة نظري المتواضعة جدأ، لا يمكن للكاظمي أو غيره أو من سبقه الاخذ بهذا العمل الا في حالة واحدة تتمثل في إصدار قانون من مجلس النواب العراقي يحول مفردات البرنامج الحكومي الى مواد قانونية لها التزامات تنفيذية وفق معايير الحكم الرشيد لضبط ايقاع العلاقة بين التمثيل البرلماني وبين سلطة التنفيذ الحكومية بما يخضع الحكومة لجدولة برنامجها ويجبر الاحزاب داخل قبة البرلمان إلى الفرز بين احزاب تؤيد ما ورد في البرنامج الحكومي وتصوت له كقانون وبين الاحزاب التي ترفضه وتقف معارضة برلمانية ضده ...عندها تتضح حقيقة مهمة ما زالت غائبة عن العملية السياسية برمتها بمت يعارض الحكومة ولا يشارك فيها وبين من يؤيد الحكومة ويكون مسؤولا عن تطبيق برنامجها .

عندها فقط ستكون هناك هوية واضحة وصريحة للامن الوطني المسؤول بين من يؤيد ومن يعترض ويبقى الحكم لصندوق الاقتراع لمحاسبة النجاح والفشل فيما بقيت الدولة الكل يشارك والكل يعارض فالنجاح نصيب الكل والفشل يتنصل منه الجميع!

هكذا يفترض أن تمضي آليات استعادة الدولة، وعلى الكاظمي أن يتقدم إلى مجلس النواب بحزمة الاصلاحات الشاملة كحلول ناجعة لتفعيل قدرات الدولة في المساواة بين المنفعة الشخصية والمنفعة العامة. عندها لا يمكن لاقليم كردستان رفض السلطة الاتحادية على منافذه الحدودية ولا يمكن لا طرف اعتبار أي قرارات جريئة يمكن اتخاذها خارج سياقات الاعتراف البرلماني الصريح بها، فهل يفعلها الكاظمي؟؟ ولله في خلقه شؤون!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق