بالتأكيد ليس للإدارة العامة لمصرف الرافدين علم بهذه الكارثة، والا لتأخذت اجراءاتها الشديدة بحق موظفيها الفاسدين او العاملين في الشركات التي تتعامل معها، ومن باب لفت الانظار ولكي لا يستفحل الفساد في هذه المؤسسة العريقة التي لطالما كانت لها أدوار مهمة في التنمية الوطنية، وحتى لا نضيف مأساة جديدة...
أكثر ما يؤلم أن يبتزك أحدهم صراحة وبلا خوف او تردد، ويزداد ألمك أكثر عندما يحدث الابتزاز في وقت حاجتك لقضاء أمر يتوقف عليه تحسين حياتك، عند ذاك تشعر بالإذلال وانتهاك الكرامة، ومهما يكن المبتز فان سلوكه ينعكس سلبا على شعورك بالانتماء للوطن، ومستوى ثقتك بالمجتمع.
ولا أقسى من استغلال حاجة الناس، اذ يتجرد فيها المبتز من انسانيته، ويتحول الى وحش كاسر لا يأبه لفريسته ان تألمت او ماتت بين مخالبه، بينما يفترض في أوقات الحاجة أن تتفجر القيم الانسانية أكثر من الظروف الطبيعية، لكن للأسف كثرت الوحوش الكاسرة في بلادنا التي بدأت للتو بالتعافي، منتهزة المتاح من الفرص لاستغلال مآسي الناس تحقيقا لمصالحها وتعظيما لثرواتها، وفي أحيان يسهم هؤلاء في تخريب النظام لخلق الفوضى التي معها يتمكنون من تحقيق مآربهم الدنيئة، وما كان لهذا أن يحدث لولا ضعف الدور الرقابي للدولة، وعدم القدرة على فرض سطوتها، وهؤلاء لا تربطهم بالوطن وشيجة أبدا.
وبسببهم بات بعض الناس يشعرون انهم يعيشون في غابة، وتتملكهم قناعة بأن العيش بات مستحيلا بلا مخالب، وهكذا تزداد المخالب التي تنهش في جسد المجتمع، وتتراجع القيم الضابطة للسلوك الاجتماعي التي تستند اليها المجتمعات عندما تضعف او تغيب سلطة القانون، ومن هنا تتسلل الجماعات المسلحة والعشيرة بوصفهما حصنا منيعا لحماية الناس من المخاطر التي تحيق بهم، بالمقابل تتسلل القيم والعادات والأعراف البالية ويسود منطق الغابة.
ما وددت الحديث عنه في مقال اليوم يتعلق بنوع جديد من الابتزاز، ويتعلق ببعض الاجراءات الخاصة بمصرف الرافدين الذي نشيد بعمله وما يُبذل من جهد واضح نتلمسه في كل زيارة لفروعه، وتتمثل المشكلة في شكوى عدد ليس بالقليل من موظفي القطاع الحكومي، وفحوى شكاواهم انه مضت أشهر عديدة على استلامهم لبطاقة الراتب (ماستر كارد)، لكن لم يصلهم اشعار بشمولهم بقروض المصرف، وبعد مراجعاتهم العديدة لفروع المصرف في المحافظات لم تحل هذه المشكلة.
وعندما يأسوا راجعوا الادارة الرئيسة للمصرف في بغداد وفشلوا أيضا في الحصول على قرار بشمولهم بالقروض، وكانت الذرائع غير مقنعة، بالمقابل مُنع المراجعون من مقابلة المدير العام، فعادوا خائبين الى محافظاتهم، لكن الطامة الكبرى ليست هنا فقط، بل تكمن في عروض قدمتها مكاتب الصيرفة وبعض منافذ توزيع الرواتب لهؤلاء المواطنين بان مكاتبهم بإمكانها الحصول على قرار الشمولية بالقروض في غضون أقل من اسبوع، لكن ثمن ذلك يتراوح من مليون الى مليونين دينار، وذهب القائمون على هذه المكاتب الى ما هو أكثر من ذلك بعرضهم اقراض المواطنين المبلغ الذي يريدونه وأقصاه 25 مليون دينار وهم يتكفلون بالإجراءات كافة، والثمن استقطاع مبلغ قدره7 ملايين دينار، شرط احتفاظ المكتب ببطاقة الراتب والرقم السري ووثائق اخرى.
السؤال المهم كيف لهذه المكاتب القيام بهذه الاجراءات في غضون أيام معدودة؟، بينما يفشل في تحقيقها المواطنون خلال أشهر، لا أتهم أحدا، ولكن يُقال ان هناك تنسيق بين هذه المكاتب والموظفين العاملين في الشركات التي يتعامل معها المصرف، وتبدأ الحكاية بعرقلة معاملات المواطنين، فيضطرون الى مراجعة مكاتب الصيرفة التي تفرض شروطها المجحفة، والمبالغة في تلك الشروط اذا كان المواطن يمر بضائقة مالية.
بالتأكيد ليس للإدارة العامة لمصرف الرافدين علم بهذه الكارثة، والا لتأخذت اجراءاتها الشديدة بحق موظفيها الفاسدين او العاملين في الشركات التي تتعامل معها، ومن باب لفت الانظار ولكي لا يستفحل الفساد في هذه المؤسسة العريقة التي لطالما كانت لها أدوار مهمة في التنمية الوطنية، وحتى لا نضيف مأساة جديدة لمآسي العراقيين، أعرض لهذا النوع من الابتزاز، مع ثقتي المطلقة بصدق التحذيرات التي يطلقها المصرف بعدم التعامل مع مكاتب الصيرفة في الرسائل القصيرة التي تصل عبر الموبايل، وانها لا تأتي لذر الرماد في العيون كما تفعل بعض الجهات التي تعرفون.
اضف تعليق