فرز الأبيض من الاسود تحتاج إلى النخب والكفاءات الأكاديمية والمثقفة لمناقشة معايير نهوض وفشل هذه الاحزاب طيلة 17 عاما مضت، هذا النقاش النوعي العام لابد أن يبدأ أولا داخل صندوق العملية السياسية برمتها، فالشجاعة تتطلب نقد الإنجاز ما بين النجاح والفشل ومن دون إعادة صياغة الوعي الجمعي للعراقيين...
بعد أربعين عاماً عجاف في مهنة المتاعب أتوقف كثيرا عند حوارات سابقة اختلفت معها وافكار مستقبلية أتطلع لأجيالنا المقبلة أن لا تمر بما مررنا به من حياة متوحشة، نعم عراق اليوم هو نتاج اتفاق لندن لتقسيمه ومحو وجوده، وحين تنشر بيانات هذا المؤتمر لم يستطع حتى اليوم أي طرف من نشر الاتفاق بين قيادات الاحزاب العراقية المشاركة فيه الذين ركبوا الدبابة الأمريكية لاحتلال وطنهم ومن ثم لحق بهم بعنوان مجلس الحكم الذي لم يكن رشيدا في بناء دولة مدنية عصرية بل تحول العراق إلى دولة اشباح امنية وسياسية واقتصادية تتوالد فيها الازمات من تلك الاجندات الحزبية المتشنجة والتي جمعت وقسمت وضربت في خلاط زلماي خليل زادة لتحويل العراق إلى مشروع قابل للاشتعال بعناوين شتى لعل ابرزها التفاعل غير المرغوب في تحويل العراق إلى ساحة تصفية حسابات اقليمية ودولية.
خلال أيام الحصار القاسية وفجاجة واقع الحياة المعيشية، كانت الامال ترتقب الأحوال الأفضل في بناء دولة مدنية عصرية قائمة على الفصل الواضح والصريح والمباشر بين نقاط الاختلاف وتضارب فهم الآخر إلى نموذج متجدد للسلم الاهلي المجتمعي والمصالحة الوطنية، فكانت النتائج سلبية.
بدأت في نموذج مقارعة الاحتلال الأمريكي وفق نماذج متعددة منها من كان عراقيا بحتا ومنها من كان يعتبر هذه المعركة ليس لتحرير العراق فقط بل معركة تصفير ازمات إقليمية، وأخرى وجدت في نيران هذه المعركة ما توظفه من أجل تحويل الأفكار إلى واقع يقترب من منهجها الاقليمي.
هكذا فقد العراق بوصلة واضحة وصريحة لبناء الدولة وانتهى حالها إلى دولة اشباح امنية وسياسية واقتصادية بعناوين براقة عن مقارعة الاحتلال الأمريكي فيما واقع الحال أن جميع الأطراف تعلم علم اليقين إنما كل ما حصل حتى اليوم وما يمكن أن يحصل غدأ إنما هو التزام ذات الأطراف التي ما زالت تهيمن على السلطة وتداور شخوصها الحزبية في مفاسد المحاصصة وحكومتها العميقة وسلاحها المنفلت لانها ما زالت ذات فائدة للاحتلال الأمريكي !!
هنا يطرح السؤال: كيف يمكن بناء دولة ومن نعتقد انه يقاتل الاحتلال الأمريكي إنما هو واقعا متعاون معها في اتفاق سياسي وقع على التزاماته بشهادة بريطانية؟
يبدو أن هناك اكثرية سياسية تقارب واقع (دون كيشوت) في محاربة طواحين الهواء عندما تتلاعب بالالفاظ وهي تروج من خلال نموذج اللادولة لمقارعة الاحتلال الأمريكي، هكذا هي معضلة المقارنة بين بناء الدولة المدنية العصرية وبين نموذج اللادولة لتحقيق اجندات الاحزاب في مفاسد المحاصصة، نعم كل المخلصين يقفون في خندق مقارعة الاحتلال الأمريكي في العراق من دون ان يكون بعنوان مفاسد المحاصصة فشتان بين كلا الحالين!
فرز الأبيض من الاسود تحتاج إلى النخب والكفاءات الأكاديمية والمثقفة لمناقشة معايير نهوض وفشل هذه الاحزاب طيلة 17 عاما مضت، هذا النقاش النوعي العام لابد أن يبدأ أولا داخل صندوق العملية السياسية برمتها، فالشجاعة تتطلب نقد الإنجاز ما بين النجاح والفشل ومن دون إعادة صياغة الوعي الجمعي للعراقيين نحو معايير الحكم الرشيد والجودة الشاملة لضبط العلاقة الدستورية في قانون وضعي نافذ فإن ديمومة الفشل بعدد وجود العراق تاريخا وجغرافية!، اما الفقز فوق الدستور والقوانين العراقية النافذة بعناوين مختلفة من داخل اجندات الاحزاب المتصدية للسلطة تبلور حالة من ازدواجية المواقف التي لا تخدم الا حالة اللادولة!
فهندسة بناء الدولة العراقية تبدأ بالغاء هذه الازدواجيات ما بين اجندات الاحزاب وبين الأنفاق العام على ما ورد في الدستور، وهناك حالة من التضليل للراي العام الجمعي العراقي تمنع الانتباه الشعبي الى الحقوق والواجبات وفق الدستور والبحث عن الحلول الأفضل فيما يرتكز وعاظ مفاسد المحاصصة على الجوانب الخلافية واستحضارها من تاريخ قريب وبعيد لزعزعة السلم الاهلي المجتمعي والمصالحة الوطنية وتوحيد الهوية الوطنية العراقية الجامعة والشاملة، يبقى السؤال من يحاسب هدام بناء الدولة العراقية؟!، الانتصار العراقي الناجز على الاحتلال الأمريكي قريب ومقبل ..وما بعده يوم الحساب العسير على احزاب مفاسد المحاصصة ..ولله في خلقه شؤون!.
اضف تعليق