مَنْ يحررنا من السياسة التي اعتلى صهوتها كذابون ومنافقون، وبينهما فاسدون يميلون حيث تميل الريح، ولديهم من الأقنعة ما يصلح لأي زمان ومكان، وكلهم لا يؤمنون بمنهج الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة الذي خطوه بأيديهم في دستور ملأوا الدنيا ضجيجا من أجله، وعبئوا الجماهير للاستفتاء عليه، فاستبشرنا خيرا...
سئمنا السياسة، وصار من بين أحلامنا أن يمر يوم من دون أن تخطر السياسة في البال، وتعكر صفو تفكيرنا، وتقلق لحظات استرخائنا، وتملأ نفوسنا بالاحباط واليأس، تحاصرنا السياسة من الجهات الأربع، فما من حديث نتداوله الا وتسيّدته السياسة، وينتهي بصب اللعنات على هذا وذاك ومن كل الأزمنة حاضرها وغابرها، ويندر أن يُستثنى أحد.
السياسة في بلادنا مجال لا قداسة له، الكل يدخله، وان كان لا يملك من أوليات السياسة شيئا، بل يجزم انه أكثر العارفين بها، ورأيه هو السديد، وما عداه خطأ جسيم، ومنهم من يرى انه الوحيد الذي يملك الحقيقة، ويصنف المختلفين معه كفارا ومرتدين او عملاء وخونة، ومثل هؤلاء بنظره خطر على العقيدة والبلاد.
ولابد من القضاء عليهم بأي طريقة كانت، فما عادت الدعوة او المجادلة بالإحسان سبيلا للإقناع بما يُطرح من أفكار وآراء. فمنذ البدء سُلت السيوف الباشطة بانتظار سنوح الفرص للانقضاض، حتى قتلنا من أبناء جلدتنا ما تشيب له الرضعان، بينما يقهقه الأعداء الحقيقيون في دواخلهم، ويتندرون على أفعالنا العبثية، وهو تحديدا ما يريدون، أن تتمزق البلاد، ويتقاتل الاخوان، ويدمر كل ما هو عامر وان كان بسيطا، لاستنزافنا، بشرا ومالا وثروات، لكي يظل العراق عليلا وجاثيا على ركبتيه وغير قادر على النهوض.
ومع ما مر من مآس، مازال هذا البعض يدعي المعرفة، والثقة تفوح من كلماته واعتدال قامته أمام الكاميرات، مع انه لا يبصر أبعد من قدميه، والعشرون عاما التي مضت خير دليل، وبالرغم من ذلك لم نر من عظ على أصابعه ندما، او عدّل من سلوكه، وذرف دمعة على شبابنا الذين سحقتهم الأحقاد والأوهام والتغرير، بل ديدنهم الاصرار على صواب مسيرتهم ونضوج سلوكهم ودقة آرائهم، والحقيقة انهم لا يملكون أية صورة للحاضر او المستقبل حتى وان كانت هلامية.
مَنْ يحررنا من السياسة التي اعتلى صهوتها كذابون ومنافقون؟، وبينهما فاسدون يميلون حيث تميل الريح، ولديهم من الأقنعة ما يصلح لأي زمان ومكان، وكلهم لا يؤمنون بمنهج الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة الذي خطوه بأيديهم في دستور ملأوا الدنيا ضجيجا من أجله، وعبئوا الجماهير للاستفتاء عليه، فاستبشرنا خيرا، وصدحت حناجر الفقراء طربا، واليائسين أملا، وظّن الناس ان الذين تغربوا عن الوطن سيكونون أكثر شغفا به، ورأفة بشعبه، ورحمة بتاريخه، لكنهم وضعوا قدما في السلطة واخرى مع أعدائها، انه النفاق بعينه، فدفعنا شبابنا وقودا لحرائق الآخرين، وبأصوات عالية يقولون انها حرائقنا، وبالقسر يريدون لرؤوسنا ان تنحني تأييدا، بينما نحن أبعد ما نكون عنها.
مَنْ انتم ؟، الذي نعرفه ان العراقي الأصيل لا يطاوعه قلبه أن يسمع أنين الامهات ولا يحرك ساكنا، وان مَنْ يرفع الشعارات البراقة، ويوجه السهام الى صدورنا ليس سوى أداة بيد الغرباء يناورون به لإدارة أزماتهم، فيضعونه في السلطة وخارجها في الوقت نفسه، لكي يتسنى لهم مسك خيوط اللعبة، يحركونها بحسب مقتضيات الحال صراعا مع الأعداء او حفاظا للمصالح، ولا يعنيهم من العراقيين شيئا حتى وان ذهبوا جميعا الى الجحيم. فمن يفسر لي هذه التناقضات، وهذا الوحل السياسي الذي نسبح به من قمة الرأس حتى أخمص القدم؟
يا أيها الذين ابتلينا بهم، لا جدار أشد صلابة للاستناد عليه من الشعب، وان الاتكاء على الغير كمن يحرث في بحر، فالقادة الكبار اولئك الذين يضعون شعوبهم في حدقات العيون، ويبذلون ما بالوسع لتحريرهم من السياسة لينغمسوا بالعمل ويستمتعوا بالحياة ومباهجها، كما تستمتع شعوب الدنيا التي لا يعرف الكثير من أفرادها من يدير السلطة، بينما تعني اطلالة الكثير ممن توهموا انهم رموز في بلادنا : ان بحر دم جديد بالانتظار.
اضف تعليق