لقد انطلقت الجيُوش الأَليكترونيَّة تشوِّش على المُفاوض قبلَ أَن تنطلق المُحادثات الأَوَّليَّة، وفي مثلِ هذهِ الأَجواء لا يمكنُ لهُ أَن يحقِّق نجاحاً. ينبغي أَن لا يُصغ الرَّأي العام العراقي إِلى أَراجيف الجيوش الأَليكترونيَّة التي تُديرها عصاباتٍ تابعةٍ للدَّولةِ العميقةِ للتَّأثيرِ والتحكُّم في مُجرياتِ الأَمورِ تنطلق...
١/ المفاوضات العراقيَّة الأَميركيَّة المُرتقبة ستكونُ شاملةً لإِعادةِ النَّظر وتحديث إِتِّفاقيَّة الإِطار الإِستراتيجي الموقَّعة بين البلدَين عام ٢٠٠٨.
أَمَّا الذين يحصرونَها بالجانبِ الأَمني والعسكري، وتسويق الإِتِّفاقيَّة على أَنَّها أَمنيَّة فقط فهُم على نوعَين؛
- جاهلونَ بحقائقِ الأُمور.
- متعمِّدونَ هدفهم عرقلة حمايةِ مصالح العراق، للحيلولةِ دونَ الإِستفادةِ من الأَبعاد الحيويَّة الأُخرى الواردة في الإِتِّفاقيَّة.
والمُلاحظة المُهمَّة التي ينبغي أَن لا نغفلَ عنها؛ هي أَنَّ البروتوكول العسكري في الإِتِّفاقيَّة المُشار إِليها أَنهى الوجود العسكري الأَميركي كقوَّات إِحتلال عندما سحبت واشنطُن آخر جندي أَميركي من العراق عام ٢٠١١، أَمَّا القُوَّات الأَجنبيَّة الحاليَّة فقد عادت إِلى العراق عام ٢٠١٤ بناءً على طلبٍ رسميٍّ من بغداد إِبَّان حكومة المالكي الثَّانية، للمُساعدةِ في الحربِ على الإِرهابِ عندما احتلَّ الإِرهابيُّون نصف أَراضي البِلاد بسبب فسادِ وفشلِ حكومةِ الموما إِليهِ وإِنشغالهِ بالحربِ على جبهةِ الولايةِ الثَّالثةِ! وقد لبَّت واشنطن وقتها الطَّلب بشروطها، ومنها منح بغداد الحَصانة للقوَّات الأَجنبيَّة، والمثبَّتة في مجلس الأَمن الدَّولي، والتي تمَّ على أَساسِها تشكيل التَّحالف الدَّولي.
٢/ ينبغي على العراقيِّين النَّظر إِلى مصالحهِم الوطنيَّة في أَيَّة مُفاوضات فلا يستحضرُوا فيدافعُوا عن مصالح الآخرين، فكلُّنا نعرف جيِّداً فإِنَّ هناك أَكثر من طرفٍ إِقليمي ودَولي ومحلِّي لا يريدُ للعراق أَن ينهضَ أَو يستقر ليتطوَّر لأَنَّهم يعتبرونهُ مُنافساً حقيقيّاً على مُختلفِ المُستويات، كما أنَّ بعضهُم يريدهُ أَن يبقى على هذهِ الحال ليظلَّ ساحةً لتصفيةِ حساباتهِ مع الآخرين.
طهران مثلاً ستُعرقل أَيَّة مُفاوضات جديَّة بين بغداد وواشنطن لأَنَّها ترى في نجاحِ مثلِ هذهِ المُفاوضات خسارةً لإِحدى أَهم ساحاتِها المفتوحةِ في صراعِها التَّاريخي مع عدوِّها اللَّدود، واشنطن.
ولذلكَ فإِنَّ الصِّراع بين طهران وواشنطن أَحد أَهم مُعرقلات أَو المؤثِّرات في المُفاوضات بين بغداد وواشنطن، إِذ ستظل طهران تضع العصي في عجلةِ المُفاوضات ما أَمكنها إِلى ذلكَ سبيلاً سواءً بشَكلٍ مُباشرٍ أَو من خلالِ وكلائِها.
دُول الخليج من جانبِها ستُعرقل مثلَ هذهِ المُفاوضات لأَنَّها ترى فيها نهوضَ بلدٍ مُنافسٍ لها خاصَّةً على الصَّعيد التِّجاري والإِقتصادي والمالي وفُرص الإِستثمار.
أَمَّا [الدَّولة العميقة] وميليشيات أَحزاب السُّلطة فهي الأُخرى ستُعرقل أَيَّة مُفاوضات بأَحد دافعَين؛
- السَّعي لإِبقاء الحال على ما هوَ عليهِ لتستمرَّ في نهبِ العراق والتحكُّم بسياساتهِ وخيراتهِ على حدِّ سواء.
- كونهُم وُكلاء لهذهِ الدَّولة أَو تلك الأَمر الذي يحتِّم عليهم الدِّفاع عن مصالحِ [الغُرباء] على حسابِ مصالحِ العراق.
٣/ مُشكلتنا بإِزاءِ مثلِ هذه المُفاوضات في نُقطتَين؛
- أَنَّ الأُمور عندنا أَسوَد أَبيض، فإِمَّا أَنَّك مع أَميركا أَو ضدَّها! معَ إِيران أَو ضدَّها! وهذهِ رُؤيةٌ قاصرةٌ يقودها الجهل، ففي السِّياسات والعلاقات الدوليَّة ليسَ كلَّ شيءٍ أَسوَد وأَبيض، وإِنَّما هُناك أَلوان عديدة، لأَنَّ العلاقات الدَّوليَّة تقومُ على أَساس المصالح المُتبادلة وليس على أَساس الثِّقة مثلاً أَو المبادئ.
- نحنُ نرفعُ شعاراتٍ كثيرةٍ والتي تستند إِلى العواطف والمشاعر والخيال الفنِّي أَكثر من إِستنادِها إِلى الواقع والمصالح.
كلُّنا نتذكَّر شعارات العراقيِّين زمن نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين [صدَّام اسمك هز أَمريكا] ليختار الطَّاغية في نهايةِ المطاف الإِختباء في بالوعةٍ، والذي جاء خيارهُ على حسابِ البلادِ وسيادتها والشَّعب ومصالحهِ.
إِنَّ نظريَّة [الويلاد سيُسقِطون الطَّائرات المُعادية بالگزوَة] يتوارثها الأَبناء عن الآباء، فهل سترث [الميليشيات] [صواريخ صدام] لتقصف بها [اسرائيل]؟!.
٤/ في أَيَّة مُفاوضات يجب أَن يُفكِّر الطَّرفَين في الإِلتقاء في وسطِ الطَّريق، فمن غير المنطقي والمعقول أَن يسعى طرفٌ للحصولِ على كلِّ شيءٍ فيما يخسر الطَّرف الآخر كلَّ شيءٍ! فتلكَ هي الإِملاءات وليست المُفاوضات، ونموذجها [خَيمة صفوان] عندنا أَملت واشُنطن شروطَها على وفد النِّظام المهزوم مِن دون نقاشٍ.
كذلكَ، فليسَ من المنطقي أَن يصُفَّ أَحد الطَّرفَين أَولويَّاتهُ التي يرى أَنَّها تحقِّق مصالحه ليفرضها على الطَّرف الآخر، فليسَ بالضَّرورة أَن تكونَ أَولويَّاتك هي نفسها أَولويَّات الطَّرف الآخر، والعكسُ هو الصَّحيح.
٥/ ليسَ هُناك ما يُلزم المُفاوض العراقي مُسبقاً من مجلس النوَّاب لحدِّ الآن، فما صدرَ عنهُ قبل عدَّة أَشهر فيما يخصُّ القوَّات الأَجنبيَّة المُتواجدة في العراق ليس قانوناً وإِنَّما قرارٌ نيابي، وكما هوَ معروف فإِنَّ القرار لا يحمِل قوَّة القانون أَو التَّشريع بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال.
فضلاً عن أَنَّ القرار المُشار إِليهِ رمى الكُرةَ في ملعبِ الحكومة، فيما يخصُّ أَمرَين مُهمَّين؛
- تواجد القوَّات الأَجنبَّية.
- حصر السِّلاح بيد الدَّولة، وتفكيكِ الميليشيات.
٦/ من أَجلِ حمايةِ المُفاوض العراقي وتمكينهُ وتعضيدهُ لحمايةِ مصالح العراق فإِنَّنا بحاجةٍ إِلى ما يلي؛
أ/ منحهُ الثِّقة اللَّازمة وعدم الطَّعن بمصداقيَّتهِ والتَّشكيك بولائهِ الوطني وحرصهِ على مصالحِ البلاد.
لقد انطلقت الجيُوش الأَليكترونيَّة تشوِّش على المُفاوض قبلَ أَن تنطلق المُحادثات الأَوَّليَّة، وفي مثلِ هذهِ الأَجواء لا يمكنُ لهُ أَن يحقِّق نجاحاً.
ينبغي أَن لا يُصغ الرَّأي العام العراقي إِلى أَراجيف الجيوش الأَليكترونيَّة التي تُديرها عصاباتٍ تابعةٍ للدَّولةِ العميقةِ للتَّأثيرِ والتحكُّم في مُجرياتِ الأَمورِ تنطلق من مصالحَ حزبيَّةٍ أَو كُتلويَّةٍ ضيِّقةٍ.
ب/ يلزمنا أَن نفرِّق بينَ شيئَين؛
- المُفاوضات بمراحلِها المُختلفة.
- النَّتائج الأَوليَّة وصولاً إِلى النَّتائج النهائيَّة.
ما يخصُّ النُّقطة الأُولى ينبغي أَن تظلَّ سريَّة ليُمسك المُفاوض بناصيةِ المُناورات التي يحتاجها وكذلكَ ليقدر على تقديمِ وتأخير نقاطِ التَّفاوض بما يساعدهُ على حمايةِ مصالحِ البلاد.
يلزم حماية المُفاوضات من الهجماتِ الإِعلاميَّة المُغرضة وهو أَمرٌ يحتاجُ إِلى السريَّة التامَّة، فإِنَّ تسريب نصفِ الحقيقةِ يدمِّرُ كلَّ الحقيقةِ، كما فهِمَ ذاكَ العبقري نصفَ الآيةِ {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} بالطَّريقةِ التي يُحبُّها ليستشهِدَ بها على شرعيَّة ترك الصَّلاة وليسَ بالطَّريقةِ التي ينبغي.
ينبغي تحصين المُفاوضات إِعلاميَّاً، من الدِّعايات والأَكاذيب وما شابهَ ذلك، فحمايتها حمايةً للأَمنِ القَومي.
فيما يخصُّ النُّقطة الثَّانية يلزم أَن يطَّلع الرَّأي العام على النَّتائج النهائيَّة بكُلِّ أَمانةٍ وشفافيَّةٍ وثقةٍ عاليةٍ بالنَّفس.
وفي كلِّ الأَحوال، فإِنَّ المادَّة [١٧] من قانون عقد المُعاهدات رقم [٣٥] لسنة [٢٠١٥] نصَّ على أَنَّ من بينِ المُعاهدات التي تحتاج إِلى نسبةِ الثُّلثَين للمُصادقةِ عليها في مجلس النوَّاب هي تلك التي تتعلَّق بالتَّحالُفات الإِستراتيجيَّة، وهو الوصف الذي ينطبق على المُفاوضات مورد حديثنا الآن.
٧/ وبرأيي فإِنَّ من الأَسلم عرض الإِتفاقيَّة بصيغتِها النهائيَّة للإِستفتاء الشَّعبي العام، لحساسيَّتها وبسبب اإِانقسام المُجتمعي والسِّياسي العميق الذي قد يُعرقل تنفيذها في حالِ التَّوقيع عليها بين البلدَين.
إِنَّها بحاجةٍ إِلى حمايةٍ شعبيَّةٍ لتكتسبَ قوَّتها من الشَّارع والبرلمان في آنٍ واحدٍ ، سلبياً كانَ الموقِفُ أَو إِيجابيّاً.
٨/ ينبغي أَن نضعَ في الحُسبان الحقائق التَّاليةِ؛
أ/ الولايات المُتَّحدة ليست مؤَسَّسة خيريَّة، كما أَنَّ العراق ليسَ بلداً فقيراً يستجدي العطف.
ب/ للعراقِ مصالحَ كثيرةً معها، كما أنَّ للأَخيرةِ مصالحَ كثيرةٍ في العراق، ولذلكَ ينبغي أَن يبذل المُفاوض العراقي كامل جهدهِ لحمايةِ مصالحهِ بعيداً عن التأثيرات السلبيَّة بكلِّ أَشكالِها.
ج/ الولايات المُتَّحدة هي العالَم، فهي تؤَثِّر بشَكلٍ واسعٍ على السِّياسات الدوليَّة والإِقليميَّة مُجتمعةً أَو مُنفردةً، كما أَنَّها تؤَثِّر، إِن لم أَقُل تُسيطر، على كلِّ المؤَسَّسات والهيئات الدوليَّة.
إِنَّ على المُفاوض العراقي أَن يضعَ هذهِ الحقيقة في حساباتهِ، فهي توسِّع من أُفقهِ ورُؤيتهِ وتزيدُ من خياراتهِ بشَكلٍ أَفضل من أَجلِ مساحةٍ أَوسع من المُناورة والمُقايضة وما إِلى ذلكَ.
د/ لا ينبغي السَّعي دائماً لتحقيقِ الأَهداف المرجوَّة من المُفاوضات بشَكلٍ مُباشر وبأَقصر الطُّرُق، فقد يحتاج المُفاوض أَحياناً إِلى أَن يتنازلَ عن شيءٍ من أَجلِ أَشياءَ أَهم، أَو قد يضطرَّ لتأَجيلِ أُمورٍ تفاوُضيَّةٍ من أَجلِ أُخرى أَهم، أَو يُضحِّي بقضايا آنيَّة من أَجل أُخرى إِستراتيجيَّة وهكذا.
٩/ يلزم من الآن خلق رأي عامٍّ لصالحِ المُفاوضات [أَهميَّتها، ضروراتها، المصالح التي سيجنيها العراق] فالرَّأي العام المُتنوِّر والعارف بالأُمور والواعي لمصالحهِ أَحد أَهم أَسباب حماية أَيَّة مُفاوضات دائِماً، أَمَّا الرَّأي العام الجاهل فهو أَحد أَسباب فشل المُفاوض في حمايةِ المصالحِ القوميَّةِ العُليا، لأَنَّ الرَّأي العام الجاهِل يتأَثَّر بالدِّعايات المُغرضة المُستندة على الأَكاذيبِ بسُرعةٍ البرق.
١٠/ المُفاوضات المُرتقبة يجب أَن تكونَ حصراً بين بغداد وواشنطن، فلا يجوزُ بالمُطلق أَن يتشكَّل أَكثر من وفدٍ للتَّفاوض، ولشدَّ ما أَثار استغرابي سكوت بغداد على تصريحِ سفير الولايات المُتَّحدة في بغداد خلال زيارتهِ الأَخيرة إِلى أَربيل ولقائهِ رئيس الإِقليم عندما قالَ؛ إِنَّ واشنطن ستتفاوض مع الإِقليم إِلى جانب مفاوضاتها معَ بغداد!.
لم نسمع استنكاراً من بغداد لهذا التَّصريح، وهو يعني أنَّ واشنطن عازمةً على تشتيت المُفاوضات بين أَكثر من وفدٍ مُفاوض لإِضعافِ الموقفِ العراقي، وقد نسمع منها تصريحاً آخر تُشيرُ فيهِ إِلى عزمِها على التَّفاوض مع وفدٍ سُنِّيِّ إِلى جانب مُفاوضاتها مع بغداد.
هذا أَمرٌ يدمِّر المُفاوضات ويُضعف موقف المُفاوض ويُضيِّع عليهِ الفُرص، ينبغي على بغداد رفضهُ بالمُطلق.
إِنَّ مُشاركة كلَّ المُكوِّنات في المُفاوضات أَمرٌ ضَروري ولكن ليسَ من خلالِ وفودٍ خاصَّةٍ وإنَّما من خلالِ مُؤَسَّساتِ الدَّولةِ والمُشاركة بنفسِ الوفد الإِتِّحادي، ومن خلالِ اللِّجانِ المُختصَّة.
هل تسمح الوِلايات المُتَّحدة لأَيَّة ولاية من ولاياتِها الخمسين أَن تشتركَ في مفاوضاتٍ إِستراتيجيَّةٍ مع أَيَّة دولة في العالَم إِلى جانبِ وفدِ واشنطن؟! فلماذا تسمح لنفسها أَن تتعاملَ بهذهِ الطَّريقةِ مَعَ العراق؟!.
١١/ لَو كانَ الديمقراطيُّون جادُّون في تمريرِ التَّشريعات الضَّروريَّة للحدِّ من غلواءِ العُنصريَّةِ في الولاياتِ المتَّحدة فلماذا لم يُبادرُوا إِلى ذلك فترة رئاسة الرَّئيس باراك أُوباما على وجهِ التَّحديد؟!.
اضف تعليق