الإجراءات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية من خلال (التحلل) من الاتفاقات مع إسرائيل وإن كانت خطوة في الطريق الصحيح إلا أنها لا تشكل مخرجاً من المأزق الذي يعيشه المشروع الوطني والسلطة الوطنية، كما أنها أقرب لردود الفعل الانفعالية ما دامت غير مبنية على استراتيجية وطنية للمواجهة...
الإجراءات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية من خلال (التحلل) من الاتفاقات مع إسرائيل وإن كانت خطوة في الطريق الصحيح إلا أنها لا تشكل مخرجاً من المأزق الذي يعيشه المشروع الوطني والسلطة الوطنية، كما أنها أقرب لردود الفعل الانفعالية ما دامت غير مبنية على استراتيجية وطنية للمواجهة ولم يتم التنسيق بشأنها عربياً أو دولياً، وهي حتى الآن أحدثت قلقاً في الساحة الفلسطينية وخصوصاً عند المواطنين المعتمدين على السلطة وخدماتها أكثر من القلق الذي أحدثته عند الإسرائيليين أو دولياً، كما كشفت بؤس مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات، كما عرَّت الأحزاب وخصوصاً ما تسمى فصائل وقوى المقاومة.
في ظل خروج قطاع غزة من ساحة الفعل الوطني بعد سيطرة حركة حماس عليه ثم توقيعها هدنة مع إسرائيل وصيرورة القطاع مجرد مراقب للأحداث وانتظار حركة حماس انهيار السلطة الوطنية لتحل سلطتها في غزة محلها، وفي ظل شبه غياب لنصف الشعب الفلسطيني في الشتات عن ساحة المواجهة والتأثير المباشر على الاحتلال، وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي في الضفة وتقطيع أوصالها وغياب حراك شعبي واسع أو مقاومة فاعلة، وفي حالة استمرار الانقسام وغياب أي حديث أو تحرك نحو الوحدة الوطنية ووضع استراتيجية وطنية للمواجهة... فإن أقصى ما يمكن أن تؤدي إليه قرارات القيادة لن يخرج عن سياق السيناريوهات التالية:
1- دفع إسرائيل لتأجيل ضم الأراضي أو أن تلجأ إلى ضمها بطرق ملتوية وبدون إعلان رسمي.
2- أن يتدخل وسطاء لإقناع إسرائيل بوقف الضم مقابل العودة لطاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة من الطرفين.
3- أن تنفذ إسرائيل سياسة الضم وتستمر القيادة الفلسطينية على موقفها المعلَن بالتحلل من الاتفاقات الموقعة، مع تنسيق خفي للحفاظ على السلطة ومنع انهيارها، وهناك أطراف من السلطة وخارجها مستعدة للتعامل مع حكومة نتياهو حتى ولو ضم مناطق من الضفة.
4- سيناريو انهيار السلطة. وهذا سيحدث في حال استمرار القيادة الفلسطينية على موقفها المعلن برفض صفقة ترامب وضم الأراضي والقطيعة مع الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، واستمرار توقف السلطة عن تقديم الخدمات للمواطنين ولجوء هؤلاء مباشرة للإدارة المدنية الإسرائيلية لتدبير أمورهم الحياتية.
بمعنى أن كل السيناريوهات غير مريحة ولا يبدو في الأفق القريب مؤشرات على أحداث أو اختراقات يمكنها تحسين المعادلة القائمة وتصويب المسار بما يعزز الموقف الوطني الفلسطيني. وفي هذا السياق نأمل أن تُعيد القيادة الفلسطينية النظر في مراهناتها على الأمور التالية:-
1- المراهنة على انتخابات أمريكية قد تأتي برئيس جديد له سياسة معارضة للسياسة الإسرائيلية وأكثر تفهماً للمطالب الفلسطينية.
2- المراهنة على تحرك أو مبادرة دولية للتسوية في الشرق الأوسط بعيداً عن الإدارة الأمريكية. حيث كل دول العالم وخصوصاً الكبرى منها إما أنها منشغلة بمشاكلها الداخلية وبالانهيار الاقتصادي الناتج عن وباء الكورونا، أو أنها تقر بأن ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مجال مغلق للإدارة الامريكية.
3- المراهنة على اختراقات على مستوى الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية لأن لهاتين المؤسستين سقفاً لا يمكنهما تجاوزه.
4- المراهنة على انتفاضة أو ثورة شعبية عارمة، ولو كان هناك إمكانية لحدوث ذلك لحدث منذ سنوات أو على الأقل عندما أعلنت القيادة أنها في حل من الالتزام بالاتفاقات الموقعة، والأمر لا يرجع لأن الشعب استكان واستسلم بل لغياب طليعة قيادية لهكذا حراك وضعف الثقة بين الطبقة السياسية والشعب، وبسبب الانقسام.
5- المراهنة على أن قرار القيادة بوقف العمل بالاتفاقات سيحرج ويُخيف إسرائيل، ونعتقد أن هذا الأمر كان وارداً قبل سنوات أما الآن فإسرائيل هيأت الأوضاع للتعامل مع حالة غياب أو انهيار السلطة الوطنية، كما أنها متأكدة أن السلطة لن تنهار وأن هناك من سيواصل التعامل معها.
وخلاصة القول، إن قرار القيادة وإن حرك حالة السكون والترقب وتجاوب مع مطالب شعبية إلا أنه يبقى خطوة صغيرة يجب البناء عليها، ليس بمزيد من القرارات القيادية الفوقية بل بحراك شعبي على الأرض ومن جميع القوى السياسية، وعلى قوى المقاومة بدلاً من أن تنتظر الخطوة التالية من القيادة عليها أن تأخذ هي الخطوة التالية وخصوصاً بعد وقف التنسيق الأمني، لأن صفقة ترامب وضم الأراضي ليست موجهة ضد القيادة الفلسطينية فقط بل تشكل تهديداً للمشروع الوطني بل وللوجود الوطني في فلسطين.
اضف تعليق