يلجأ بعض الأفراد الى بيع بعض ممتلكات البيت عندما يتعرضون لضائقة مالية معينة، فقد يبيع سيارته او أثاثه ليفك أزمته ويسهل أمره، وربما سيقدم العراق على بيع بعض عقاراته لتسديد ديونه، فلا عجب ان نقرأ اعلانا يوضع مواصفات مبنى من المباني الحكومية، عُرض للبيع لتمشيت مصروفات الحكومة العراقية اليومية...
موجة سخط عارمة اجتاحت الشارع العراقي نتيجة تأخر رواتب موظفي الدولة بمختلف الوزارات الإنتاجية والاستهلاكية، حيث اتخذ الأفراد من مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة للتعبير عن ظلمهم وما لحق بهم من اذى جراء تكرر هذا التأخير.
ان السبب الرئيس وراء التلكؤ هو انخفاض أسعار النفط العالمي وحالة الركود الاقتصادي التي يعيشها العالم نتيجة وباء كورونا، بالإضافة الى اعتماد العراق في ميزانيته العامة على النفط الذي يشكل نسبة %93، منها، مع اختفاء تام لبقية الروافد الاقتصادية الأخرى كالصناعة والتجارة والزراعة وكذلك الضرائب التي تعد مصدر لا يستهان به في حال تفعيله بصورة صحيحة.
من مقومات قوة بلد ما، الاهتمام وتقوية المكانة الاقتصادية والعمل على تطويرها وإدارتها وفق متطلبات المجتمع وإيجاد الحلول في وقت الأزمات، فالاقتصاد يشكل عصب الحياة في اي دولة ومن خلاله نستطيع التحكم بجميع المجالات ومن بينها المجال السياسي؛ ذلك من يسطر على الملف الاقتصادي بطريقة محكمة يمكنه السيطرة على مفاصل الحياة برمتها.
فان إدارة القطاع الاقتصادي بحرفية عالية وتخطيط سليم يجنب البلاد من الانزلاق في وديان المجهول بدلا من الوصول الى القمة التي تحتاج الى مزيد الجهد للارتقاء اليها والمحافظة عليها، فالدراسة المتأنية لما يحتاجه البلد والعمل وفقها لتوفير المتطلبات يساعد على تلافي العديد مم المشكلات ومن أهمها.
البحث عن إيجاد بدائل لمصادر الثروة، والخروج من الأزمة التي يعاني منها البلد في الحال، ويمكن ان يتحقق ذلك عبر استثمار الإمكانات البشرية والمالية المتاحة وتوفير بدائل عن الموارد الاقتصادية الطبيعية، وبالتأكيد ذلك سيسهم في ابعاد ظاهرة الفقر عن المجتمعات ولم يكون حالها كما هو عليه اليوم، فان اغلب الأفراد ذاقوا الأمرين ولم يجدوا مخرجا لازمتهم.
فالتخبط في إدارة المال العام وسوء النظام الاقتصادي اثر وبشكل كبير على تدني المستوى المعيشي للأفراد، وساعد على ظهور الطبقات الاجتماعية وبانت الفوارق الطبقية، ولم تعد السلطات قادرة على إعادة التوازن ولو بنسبة ضئيلة.
في العراق توجد جميع مقومات النجاح في القطاع الاقتصادي، لكنها غير مفعلة والسبب يعود لعدم وجود الأفكار السليمة لإدارة هذا الملف الذي يعد من اهم الملفات وأكثرها حساسية، كونه يتعلق بالمواطن ويلامس حياته، وبعد ذلك نجد الفقر قد طرق أبواب البيوت، وصار التسول أمراً مقبولا، بينما راحت معدلات البطالة تتجه صوب الارتفاع المستمر، مما ادى الى خروج آلاف المحتجين وتقديم الضحايا والقرابين.
ومن بين هذا الركام يأتي من يحاول الضحك على الذقون، مستغلا الحالة المأساوية التي يعيشها الأفراد، فلا يتوقف عن إيهام الكثير بان الخير قادم، وتحقيق السعادة امر يصب جل اهتمامه عليه، فهو لا يدرك ان الشعب اصبح اكثر وعيا وفطنة، ولا تنطلي عليه هذه الأكاذيب.
ونرى ذلك واضحا على ارض الواقع من خلال عدم الاهتمام او السعي لتحسين القطاع الاقتصادي والزراعي، فالكثير من المصانع تآكلت وخيم الصدأ على أجزاءها، الى جانب ذلك فالمزارعون هجروا أراضيهم وسكنوا المدن؛ نتيجة لقلة الدعم الحكومي الذي جعلهم يفقدون أموالهم على الاهتمام بمزروعاتهم دون تحقيق فائدة تذكر.
كل هذه العوامل ساعدت في الوصول الى ما يعشيه العراق اليوم، فالحكومة العراقية أصابها العجز ولا تمتلك أي خيار للنهوض بالواقع الاقتصادي، بسبب انهيار جميع القطاعات التي كان العراق يعتمد عليها في السابق، كالزراعة والصناعة والسياحة، فضلًا عن تفشي الفساد في كافة مفاصل الدولة.
ان تعطل ماكنة التفكير لدى الطبقة السياسية جعل من الصعب النهوض بالواقع الاقتصادي وتنميته، فنلاحظ غياب تام لوضع الدراسات والخطط الكفيلة بتحسين التدهور الحاصل، وهذا الوضع المرتبك جعل العراق يعاني من أزمة كبيرة تتفاقم يوما بعد آخر.
فالحل الأمثل في كل أزمة يمر بها البلد هو الاستدانة من احدى الدول ذات الرصيد المالي الوفير او من صندوق النقد الدولي، والمشكلة هنا ليس في كيفية استحصال الأموال، بل في طريقة التسديد، فالكثير من الدول تضع نسبة فوائد مرتفعة، ما يضاعف الحمل ويثقل كاهل البلد الذي هو بالاساس يعاني من مرض مالي عضال.
يلجأ بعض الأفراد الى بيع بعض ممتلكات البيت عندما يتعرضون لضائقة مالية معينة، فقد يبيع سيارته او أثاثه ليفك أزمته ويسهل أمره، وربما سيقدم العراق على بيع بعض عقاراته لتسديد ديونه، فلا عجب ان نقرأ اعلانا يوضع مواصفات مبنى من المباني الحكومية، عُرض للبيع لتمشية مصروفات الحكومة العراقية اليومية.
هذا التوقع ربما يعده البعض ضربا خياليا، لكنه اقرب الى التحقق فيما اذا لم يتم تدراك الموقف والعمل على إيجاد البديل الناجح الذي يجنب البلد اخطار التقلبات الاقتصادية المدمرة.
اضف تعليق