وجاء انتشار فيروس كورونا بالنسبة للعراق ليُضاف إلى أزمات كبرى مر بها البلاد، أولها الأزمة الاقتصادية، إذ توشك الدولة على الإفلاس بسبب انخفاض أسعار النفط. وثانيا الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والصراع السياسي، ثالثا الضاغط الشعبي المتمثل بالاحتجاجات والتي جزء منها مطالب شبابية تطالب توفير العمل...
ظن ساسة العراق أن رفع العقوبات الاقتصادية عن العراق مع تغيير النظام الاستبدادي على يد الولايات المتحدة الأمريكية، سيوفر لهم ضمانة زمانية طويلة تتيح لهم الاعتماد كليا على النفط (الاقتصاد الريعي)، وأهملوا بذلك الاقتصاد المتنوع (الزراعة، الصناعة، السياحة)، إذ لم نقل ساهموا بتدميره بقصد أو عن غير قصد لدوافع سوء تدبير ومصلحة داخلية وأسباب خارجية والذي هو عماد أي دولة حديثة تفكر بطريقة اقتصادية تنموية، وطوال السنوات المنصرمة شكل النفط ما نسبته 92 بالمائة من موازنات الحكومات الاتحادية.
وفي ضوء اضمحلال الزراعة والصناعة لم تشكل أي نسبة تذكر كمصدر اقتصادي، حيث يعتمد العراق على المنتج المستورد، وهنا أصبح ما يتقاضاه المواطن من أجور الوظيفة يذهب للمستورد الخارجي في عملية يقودها تجار محليين ذو ارتباطات سياسية، أما المصادر المالية الأخرى كالضرائب المتأتية من المواطنين من قطاعات الطاقة والصحة والماء والداخلية والمنافذ والمطارات ودوائر الدولة المختلفة لم تنظم في أي قانون، ولم يعلن مجالات صرفها واستثمارها، مما يجعلها في مقدمة المال المهدور وخانات الفساد.
ومع أي أزمة داخلية وخارجية تتعلق بانخفاض أسعار النفط سرعان ما توشك الدولة العراقية على الإفلاس المالي، وهو ما يضع العراق أمام تداعيات كبيرة منها على أقل تقدير عدم القدرة على صرف مستحقات الموظفين الحكوميين والشرائح الأخرى، وهم أصبحوا في نظر الدولة الاقتصادية تحدي ضرورة أن تتخلص منه بعد أن غاب التخطيط في ملف التعيينات وحاجات سوق العمل وبالتالي أصبحنا أمام بطالة مقنعة، وكان القطاع الحكومي في مقدمة القطاعات وهذا الراجع بالتأكيد إلى جانب غياب التخطيط هو الثقافة الشعبية المرتبطة بالتعيين في القطاع العام في حين يعاني القطاع الخاص فوضى التنظيم رغم أهميته وإمكانية أن يكون فاعلا مساهما في رفد الاقتصاد العراقي وتشكيل قطاعات كبيرة الراغبة من أبناء الشعب وفق معايير ومؤهلات تختلف من قطاع إلى آخر.
القطاع الخاص على هامشيته المذكورة تضرر كثيرا جراء تداعيات كورونا حيث الحظر الإجباري وتعطيل الحياة العامة التي تشكل بدورها مصدر أساسي للقطاع الخاص أو الأهلي، وقد تكون هذه مشكلة عامة حتى بالنسبة للدول العظمي ولا يقاس حجم الضرر العراقي بها لأن هذه الدول يشكل فيها القطاع الخاص مصدرا أساسيا من مصادر اقتصاد الدول وبعد الجائحة أصبح الملايين في هذه الدول دون عمل كما هو الحال في الولايات المتحدة التي فقد فيها ما يقارب 28 مليون مواطن وظيفته.
وجاء انتشار فيروس كورونا بالنسبة للعراق ليُضاف إلى أزمات كبرى مر بها البلاد، أولها الأزمة الاقتصادية، إذ توشك الدولة على الإفلاس بسبب انخفاض أسعار النفط. وثانيا الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والصراع السياسي، ثالثا الضاغط الشعبي المتمثل بالاحتجاجات والتي جزء منها مطالب شبابية تطالب توفير العمل والمساهمة الحكومية في إيجاده، وتعتقد أن سوء التدبير والفساد أضاع حقهم في بناء الدولة وتحقيق طموحاتهم بالعمل، وتتمثل الأزمة الرابعة بوجود العراق في قلب الصراع بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين وفي مقدمتهم السعودية.
تبدو حكومة السيد مصطفى الكاظمي أمام أزمات حقيقية وملفات ضاغطة وأغلبها يرتبط بالجانب الاقتصادية في ظل التحديات المشار إليها، فيكف ستواجه حكومته هذه الأزمات؟ وما هي السبل لتجاوزها؟ في أول محاولة من حكومة الكاظمي أشارت إلى أنها استلمت خزينة خاوية إلى جانب تحميل حكومة عادل عبد المهدي والحكومات السابقة العدد الهائل من الموظفين ومنها الأعداد التي وظفت بسبب الاحتجاجات الشعبية الأخيرة.
لم تتضح بعد ما تريد أن تفعله الحكومة العراقية الحالية غير الاستدانة من البنك الدولي وفق شروط يحددها البنك وكذلك من بعض الدول الإقليمية قد تشترط حسابات إقليمية تعيد التوازن لها على حساب دول أخرى، هذا ما يجري الحديث عنه في هذه الأيام بعد زيارة علي عبد الأمير علاوي وزير المالية ونائب رئيس الوزراء إلى السعودية، وهنا الحكومة تريد بكل السبل معالجة آنية لمخاطر تداعيات انخفاض أسعار النفط في ظل اندثار القطاعات الزراعية والصناعية كما ذكرنا، وأنها تسعى في هذه المرحلة على الأقل في معالجة آنية تتعلق بالموازنة التشغيلية.
مما تقدم نستطيع القول، "إن الحكومة الحالية لا بد أن تفكر بنوعين من المعالجات قصيرة الأمد وهي تشجيع المشاريع الاقتصادية والاستثمارية الصغيرة، ومن ثم اللجوء إلى الاستدانة الداخلية وذلك عبر تشجيع المواطنين ممن يمتلكون أموالا في تأمين أموالهم في المصارف التابعة الحكومية والأهلية وهي نسبة كبيرة حسب بعض التقارير المصرفية، ويكون ذلك عبر زرع الثقة أولا في هذه المصارف، وثانيا بتحديد نسبة من الفوائد التي تعود بالنفع على المواطنين.
إضافة إلى استدانة خارجية غير مشروطة وهذا ممكن في استمالة الدول الصديقة، في حين تتمثل المعالجات متوسطة وطويلة الأمد بالعمل الجاد إلى إعادة الحياة إلى القطاعات الزراعية أولا وتذليل التحديات أمام هذا القطاع حيث من الممكن أن توفر المساحات الزراعية التي تقدر 23 مليون دونم صالحة للزراعة فرصة كبيرة في تفعيل الزراعة مرة أخرى وتشير التقارير إلى أن 12 مليون دونم صالحة للزراعة منه يسيطر عليها فلاحون دون استثمارها بالزراعة، فيما تعود النسبة الباقية إلى ملكية الدولة، وهذا القطاع إذا ما استثمر بصورة صحيحة وجدية فلن تعالج مشكلة الأزمة الحالية ويساهم في تدوير العملة وتنشيط الاقتصاد الداخلي فحسب ووصولا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، وإعادة النظر في مسألة التفكير والثقافة الشعبية في ترك الريف واللجوء إلى المدينة، وترك الزراعة واللجوء إلى العمل الوظيفي الحكومي ستبدو إذا ما نجحت الحكومة في هذه المعادلة مختلفة، كما يوفر نجاح القطاع الزراعي سبل نجاح لقطاعات أخرى ومنها القطاع الصناعي حيث الزراعة تتطلب توفير مستلزمات صناعية، وهذا ما يجعل القطاعين العام والخاص بالتفكير في إيجاد المصانع الإنتاجية والاستهلاكية.
وبقي أن نشير إلى الدور الاقتصادي على المستوى التنظيمي والإنتاجي والتشجيعي يقع على عاتق الدولة من أجل توفير شروط إعادة تنشيط قطاع الصناعة التحويلية والزراعة عبر تأمين الحماية للمنتج المحلي وتوفير التمويل الضروري وتحقيق الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لتحديث الشركات المملوكة للدولة وتوسيع القاعدة الإنتاجية وتنويعها. مع الحرص على تطوير قطاعات أخرى من الممكن أن تحقق فرص متساوية في العمل وتشغيل العاطلين بالاعتماد كليا على العمالة المحلية وضمان الرعاية الاجتماعية لغير القادرين على العمل فقط لعلة أو لمرض ما وهذا كله يعتمد في توفير قاعدة بيانات وتنظيم القطاع الخاص عبر التشجيع من قبل السلطة التنفيذية والضمانات القانونية.
اضف تعليق