الشيء المؤلم حقا، هو ان الشعب العراقي بما قدمه من تضحيات ومواقف للقضية الفلسطينية، ستنسفه القرارات الاخيرة للحكومات العراقية في مرحلة ما بعد 2003 مع ان القوى المتنفذة والممسكة بالمشهد السياسي، تتحدث كثيرا عن القضية الفلسطينية وتطالب بالحق الفلسطيني، ولعلها بازاء مايحصل باتت على المحك...
بعد العام 2003 ومع بدء السعار التكفيري الذي جاء بمئات المسوخ للانتحار بين اجساد العراقيين، سمعنا ان من بينهم فلسطينيون، ارسلتهم بعض المنظمات المتطرفة لـ "الجهاد" ! تألم العراقيون لهذا كثيرا، وسمعنا عن ردود فعل غير منضبطة تجاه الاخوة الفلسطينيين في العراق، مادفعني في حينه الى كتابة عمود في جريدة المشرق التي كنت اكتب فيها، تحت عنوان "الفلسطينيون اهلنا الحزانى فلا تؤاخذوهم بما يفعله السفهاء" .. بعد مدة قصيرة التقيت احد الفلسطينيين ممن اعرفهم، وقد فاجأني حين قال، انهم نسخوا عمودي ووزعوه على الناس وعرض امامي نسخة مصورة منه كان يحملها، ما يعني انهم يعيشون قلقا حقيقيا في تلك الظروف التي تداخل فيها الفعل الاجرامي بالتكفيري واختلط الحابل بالنابل.
ألم العراقيين المزدوج، ناتج عن شعورهم بأن تضحياتهم في فلسطين، جحدها هؤلاء المسوخ، الذين لايمثلون الشعب الفلسطيني ولايختزلونه ابدا، فمثلهم موجود في كل بلد، والألم الاخر، ان هؤلاء اساؤوا لصورة الشعب الفلسطيني وقضيته في العراق، وهنا تكمن خسارة الشعبين الشقيقين.
محنة الفلسطينيين صارت تتوالد مع غياب الحل الحقيقي والمنصف لقضيتهم الانسانية، بعيدا عن كونها قضية عربية او اسلامية او غير ذلك، وهنا اتحدث عن اللاجئين منهم تحديدا، سواء في العراق او سوريا او لبنان او الاردن، إذ توزعوا بعد ان طردتهم عصابات بن غوريون ومن جاء بعده، ولم تصغ اسرائيل لاصوات المجتمع الدولي وقرارات مجلس الامن المطالبة بعودتهم لديارهم، بعد توقف الحرب او الاعمال العسكرية، كما يحصل في بقية العالم بعد كل حرب، وظلوا نازحين او لاجئين منذ اكثر من سبعين عاما!.
لكن المشكلة الاسوأ هي ان الدول العربية التي لجؤوا اليها، تتمسك بقرارات الجامعة العربية بعدم اعطائهم الجنسية، لكي لايضيع حقهم في العودة! وفي الوقت نفسه صار وضعهم هذا عائقا امام حياة طبيعية يفترض ان يعيشوها في مهاجرهم.
وهكذا بقي وضعهم معلقا منذ ذلك التاريخ الى اليوم، ومع فقدانهم الامل بالعودة الى فلسطين بعد التداعيات المؤلمة وتخاذل المجتمع الدولي، صاروا يفقدون الامل ايضا بحياة طبيعية في البلدان التي لجؤوا اليها، بسبب القوانين التي تقف حائلا دون اخذهم فرصتهم الحقيقية في التوظيف والتملك وغيرها من الاجراءات.
قبل ايام نشر الاديب الفلسطيني محمد سمارة الذي جاء العراق لاجئا مع أسرته وهو بعمر اربع سنوات، كما يقول، مايشبه المرثية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، يطلب فيها اللجوء لأية دولة تقبله، لان مفوضية اللاجئين في العراق ابلغته بقطع مبلغ بدل الايجار عن البيت الذي يسكنه، وبما انه لايملك بيتا وليس لديه المال الكافي لايجار بيت آخر، فإنه وكذلك ولده المتزوج، سيواجهون مصيرا مجهولا في القادم من الايام، والمؤكد ان القرار يشمل بقية الفلسطينيين ايضا.
الشيء المؤلم حقا، هو ان الشعب العراقي بما قدمه من تضحيات ومواقف للقضية الفلسطينية، ستنسفه القرارات الاخيرة للحكومات العراقية في مرحلة ما بعد 2003 مع ان القوى المتنفذة والممسكة بالمشهد السياسي، تتحدث كثيرا عن القضية الفلسطينية وتطالب بالحق الفلسطيني، ولعلها بازاء مايحصل باتت على المحك، فإما ان تقف فعلا مع الشعب الفلسطيني وتسعف هؤلاء الناس بقرارات منصفة، واما ان تعلن بأنها لاترغب بوجودهم وتعمل على اخراجهم، بدلا من المتاجرة بقضيتهم، كونهم يعانون من فقدان الامل، وهو اقسى ما يواجهه الانسان، ولعل القسوة تكون مضاعفة لمن فقد وطنه، ومن ثم العش الصغير الذي يأويه وهو بعيد عنه. لانه في كل الاحوال يشعر بالغربة ويحاصره احساس مدمر بالضياع! .
اضف تعليق