q

جدد احتلال داعش لكبرى مدن العراق الحرب السياسية داخل الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين ولاسيما مع قرب الانتخابات الرئاسية لعام 2016، وهو في الحقيقة يترجم اختلاف الحزبين حول موضوع العراق برمته منذ الغزو عام 2003 مرورا بانسحاب القوات الأمريكية 2011 وصولاً عام 2014 وظهور تنظيم داعش فيه، وفي هذا السياق وجد الجمهوريون، ومن خلفهم المحافظون الجدد، في ذلك فرصة لانتقاد الإدارة الديمقراطية وكيفية تعاملها مع ملفات السياسة الخارجية وخصوصا حيال العراق.

فقد ارجع الجمهوريون سبب الانتكاسة التي تعرض لها العراق وظهور تهديد داعش إلى سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 –الذي عارضوه بشدة- وجدت هذه الانتقادات صداها في الكونغرس، إذ انتقد رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوهنير الرئيس اوباما بشدة إذ أكد قائلاً: " ان المصالح القومية الجوهرية في خطر مع ذلك ظل البيت الأبيض ينأى بنفسه على الرغم من تحذيرات الزعماء العراقيين وأعضاء الكونغرس بل وحتى أعضاء من إدارته " وأردف قائلاً "ان مثل هذا التفكير الضيق هو الذي شجع العدو وبدد تضحيات الأمريكيين".

ومن الجدير بالذكر ان بوهنير، هو والكثير من المحافظين من الجناح المتشدد، من أشد المعارضين لقرار الانسحاب لعام 2011 أما رئيس لجنة الأمن الوطني في مجلس النواب الجمهوري مايكل ماكويل Michael McCaul، فقد انتقد اوباما بشدة قائلاً "ان عدم جدية الإدارة في محاربة الإرهاب هو السبب في انتشاره في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" كما وانتقد النائب الجمهوري بيتر كنغ Peter King إصرار الرئيس اوباما على عدم إرسال قوات لقتال داعش مضيفا أن الولايات المتحدة أصبح دورها محدود جدا في الأزمة. فيما عد السناتور الجمهوري ليندسي غراهام قرار الانسحاب الأمريكي من أكثر قرارات السياسة الخارجية خطورة على المستوى الاستراتيجي وهو يمثل رأي الجناح المتشدد للحزب الجمهوري.

جاء الجزء الآخر من الإستراتيجية التي اعتمدها الجمهوريين الادعاء بان تنظيم داعش يهدد الأمن القومي الأمريكي، من الجدير بالملاحظة إن الادعاء أعلاه يشبه الادعاءات التي روج إليها الجمهوريون والمحافظون الجدد قبل غزو العراق عندما ادعوا بان الأخير يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي وانه على علاقة بتنظيم القاعدة وبالفعل كان لتلك الدعاية تأثير كبير في أوساط الرأي العام الأمريكي، إذ كشف استطلاع اجري في أيلول/سبتمبر2002 إن 60% من الأمريكيين يعتقدون ان العراق يشكل تهديدا لأمن الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق فقد شن الجمهوريون انتقادات لاذعة للرئيس اوباما والديمقراطيين وأكدوا انهم يتحملون مسؤولية سحب القوات وانهيار الأمن وسيطرة تنظيم داعش على كبرى مدن العراق، إذ أكد زعيم الأقلية الجمهورية ميتش ماكونيل " إن الرئيس اضعف صورة الأمن القومي الأمريكي وانه ترك للرئيس القادم مشاكل صعبة الحل.

جاءت أقوى الانتقادات للرئيس اوباما على لسان السناتور المتشدد جون ماكين، الناطق باسم السياسة الخارجية للحزب الجمهوري، الذي انتقد استجابة الرئيس اوباما في العراق مدعيا ان تنظيم داعش يهدد الأمن القومي الأمريكي وبالمثل نحا السناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام عندما انتقد السياسة الخارجية للرئيس اوباما مؤكدا أن العراق يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي، وأضاف"إن المدن الأمريكية في خطر بسبب الإمكانيات التي يمتلكها الإرهابيين في سوريا والعراق وإذا تم دعوتهم سيأتون إلى هنا" كما أكد ماكويل أن داعش تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي وأكد إن داعش أسست اكبر ملاذ إرهابي منذ أحداث 11 أيلول داعيا إلى توسيع الضربات لتشمل أماكن تدريب وتجمع الإرهابيين.

وبشكل عام كان موقف الجمهوريين هو رفض الضربات الجوية المحدودة ودعوا إلى توسيع نطاق الضربات وتبني إستراتيجية طويلة المدى بما فيها إرسال عدد غير محدود من القوات إلى العراق.

وعلى الجانب الآخر جاء موقف الديمقراطيين داعما للرئيس للإدارة الديمقراطية في تعامله مع العراق رافضين توسيع الهجمات. وتمحورت إستراتيجيتهم في الدفاع عن موقفهم تذكير الرأي العام الأمريكي بقرار غزو العراق، فقد ارجع الديمقراطيون سبب تدهور الوضع الأمني إلى قرار الغزو الخاطئ الذي فجر الصراع الطائفي في العراق وجعله هدفا للإرهاب، وتساوقا مع ذلك أكدت زعيمة الأقلية نانسي بيلوسي إن إدارة بوش زيفت الحقائق على الشعب الأمريكي بشأن العراق وبالعودة إلى قرار 2002 فان إدارة بوش شنت الحرب على العراق بناءا على افتراضات خاطئة إذ لم تطلب المخابرات من الإدارة شن الحرب على العراق وأكدت أن تلك الحرب حولت اهتمام الولايات المتحدة بعيدا عن أفغانستان وان الشعب الأمريكي قد أنهكته الحروب وأضافت أنها سعيدة لان اوباما لم يرسل قوات إلى العراق.

وفي نفس السياق ذهب العضو الديمقراطي البارز في لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب، ادم سمث انه يدعم الإدارة لكنه شدد على أن القوة العسكرية وحدها لايمكن أن تحل الصراع واستطرد قائلاً "لسنوات كان لدينا عشرات الآلاف من القوات في العراق لكن مع ذلك استمر الصراع الطائفي" وتابع قائلا" إن العراقيين يجب أن يتحملوا المسؤولية عبر تشكيل حكومة شاملة.

من جانب آخر تمحور موقف الديمقراطيين تجاهل انتقادات الجمهوريين والرهان على موقف الرأي العام الأمريكي الرافض للحرب على العراق. بدا الديمقراطيين غير مهتمين بانتقادات الجمهوريين الصقور إلى الرئيس وإحيائهم لشبح الحرب قبل عام ونيف من الانتخابات الرئاسية القادمة 2006، فهم يراهنون على أن خطاب الجمهوريين المتشدد سيصطدم بجدار رفض الرأي العام الأمريكي الذي أنهكته الحرب، فضلا على ذلك اتفق الديمقراطيون في مجلسي الشيوخ والنواب على عدم توسيع الهجمات الجوية مع ضرورة أن تتولى الحكومة العراقية مسؤوليتها في محاربة داعش، فقد عبر زعيم الأغلبية –قبل الانتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني/نوفمبر 2014- في مجلس الشيوخ هاري ريد عن موقف الديمقراطيين الداعم للإدارة والرئيس اوباما بالقول "ان الديمقراطيين مازالوا يدعمون منهج الرئيس العالم مشيداً بحكمته في اتخاذ القرارات المتصلة بالتدخل العسكري في الخارج وفي هذا السياق فقد أكد السناتور ريتشارد دوربن على ضرورة أن توفر الحكومة العراقية الأمن لشعبها وعلى الولايات المتحدة أن لاتكثف استخدام الضربات الجوية وان العراقيين فقط من يمكنهم إنقاذ بلدهم مؤكدا أن الطلب من الكونغرس تفويض باستخدام القوة العسكرية سيكون تحديا وفي ذات الاتجاه دعم رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ كارل ليفينى الضربات الجوية ضد تنظيم داعش داعيا الجمهوريين الابتعاد عن التصريحات التحريضية وانتقد الحكومة العراقية بالقول "الحكومة العراقية كانت أمام فرصة تاريخية لتوقيع اتفاق يبقي على بعض الجنود هناك إلا إنهم رفضوا ذلك كذلك".

أكد عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ريتشارد دوربن على معارضته لإرسال أي جنود للعراق بالقول "لن نقحم أنفسنا وسط الحرب الأهلية واستخدام القوة العسكرية ويجب على العراقيين أن يهتموا بشؤونهم"، وبذات الاتجاه ذهب السناتور الديمقراطي جون وولش عندما حث الرئيس الأمريكي على أن لايضع حياة الأمريكيين في خطر، في إشارة إلى عدم إعادة الجنود إلى العراق وجاءت دعوة السناتور الديمقراطي شيرود براون لتعكس آراء أغلبية الديمقراطيين الذين عارضوا غزو العراق عندما أكد قائلاً "يجب أن نحمي القوات الأمريكية والمدنيين في المنطقة "إلا انه حذر قائلاً" لايمكن السماح للولايات المتحدة بالانخراط في حرب أخرى في العراق مشدداً ان أي تدخل في العراق يجب أن يكون محدودا ولايمكن أن نزج القوات الأمريكية في عمليات برية.

وقد أكد السناتور الديمقراطي جاك ريد عضو لجنة القوات المسلحة (إن الولايات المتحدة غير مسئولة عن إصلاح البلد الذي يعاني من الانقسامات "وأكد" إن الإستراتيجية يجب تبنيها في بغداد لا واشنطن" ولم يشذ عن الأصوات الداعمة للرئيس اوباما بين الديمقراطيين سوى السناتور هيلاري كلينتون.

الانتخابات الرئاسية القادمة 2016: هل تعيد ترميم صورة الحزب الجمهوري

تفصح المعطيات التي تمخضت من طريقة تناول الجمهوريين والديمقراطيين لملف العراق انه سيكون الملف الأبرز على أجندة السياسة الخارجية للحملات الانتخابية لكلا الحزبين كما كان في انتخابات 2008 و2012 عندما حمل الناخبين الأمريكيين الحزب الجمهوري مسؤولية الحرب على العراق واتجهت أنظارهم صوب الديمقراطيين الذين وعودوهم بإنهاء الحرب والانسحاب ليتنسم الديمقراطيون الرئاسة لدورتين متتاليتين ومن نقطة البدء هذه فان المحافظين الجدد الآن في خضم إعادة إثبات وجودهم من خلال أزمة العراق لذا وجد الجمهوريون في أزمة العراق فرصة لإعادة ترميم صورة الحزب في مجال السياسة الخارجية بعد أن تدهورت بسبب الحرب على العراق ومن هنا فان إستراتيجية الحزب الجمهوري في خوض غمار الانتخابات الرئاسية القادمة يلخصها احد استراتيجيي المحافظين الجدد وعلى النحو الآتي:

بعد ستة سنوات من القيادة الديمقراطية، التي حظت بقبول الرأي العام، إن الوقت مع كل أزمة جديدة في العالم يفصح عن ضعف اوباما وافتقاره لإستراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع تلك الأزمات. قد لايريد الشعب الأمريكي التدخل في كل صراعات العالم لكنهم بالتأكيد يريدون قيادة قوية وحازمة وقد لايرغبون في رؤية الصقور في البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة إلا إن أصواتهم ستتأثر بلا شك بالمرشح الذي يتمتع برؤية إستراتيجية متماسكة للبلد... واستطرد قائلاً (الآن هو الوقت المناسب لإعادة القيادة الأمريكية وقوتها العسكرية وفي الوقت الذي سيشرع فيه الجمهوريين لاختيار مرشحهم للرئاسة فأنهم يحتاجون لإظهار أنفسهم على أنهم يملكون رؤية واضحة المعالم لحماية أمريكا والدفاع عن مصالحها، ومن هنا فان الجمهوريين بصدد تسويق خطر الإرهاب في العراق لأغراض انتخابية ولاسيما إن القوة العسكرية والقيادة العالمية هي مزايا تقليدية للحزب الجمهوري، إلا أنها تحولت إلى مسؤولية سياسية بسبب غزو العراق).

مع ذلك قد يجد الحزب الجمهوري صعوبة في استغلال استياء الرأي العام الأمريكي من طريقة معالجة اوباما فيما يتعلق بسوريا وأوكرانيا كونها تتماهى مع الرأي العام بل حتى مع بعض الجمهوريين ومن هنا على الرغم من حملة الجمهوريين ومحاولة توظيف داعش، إلا أنهم لم ينجحوا في مهاجمة الديمقراطيين، فالمفارقة انه وعلى الرغم من الجدل الذي لف موضوع العراق إلا انه من اللافت للنظر إن الإرهاب لم يكن على سلم أولويات الأمريكيين في انتخابات التجديد النصفي التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 فالأغلبية الساحقة من الأمريكيين، وفقا لمركز بروكنجز تهتم بقضايا أخرى، يهتمون بقضايا أخرى خاصة الاقتصاد أكثر من قضية الإرهاب.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

اضف تعليق